علي نون/في النفي والتوضيح (الإيراني لكلام علي يونسي)

358

في النفي والتوضيح (الإيراني لكلام علي يونسي)
علي نون/المستقبل
13 آذار/15

التوضيح الذي أعلنته السفارة الايرانية في بيروت في شأن تصريحات المستشار علي يونسي عن الامبراطورية التي عاصمتها بغداد.. والذي اكدت فيه ان تلك التصريحات «محرّفة بالكامل» وصولاً الى التشديد على احترام طهران «القواعد الدولية» وعلى ان «عهد الامبراطوريات قد ولّى الى غير رجعة».. ترافق مع شيء مماثل أرفع مستوى، هو نفي رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني وجود قوات لبلاده في اليمن، وتأكيده في الإجمال احترامها «لاستقلال كل دول المنطقة».

جيد في المبدأ ذلك النفي لكلام الإحياء الامبراطوري. وأكثر جودة منه، تأكيد لاريجاني المعروف بكونه من الرموز الاساسية للمحافظين احترام ايران «لاستقلال دول المنطقة».. لكن هل يمسح ذلك ما قبله؟ وهل يعني شيئاً مستقبلياً مغايراً لما هو قائم من أدوار معروفة ومعلنة على طول الخط الممتد من بغداد الى بيروت مروراً بدمشق من جهة، وباليمن وغيرها من جهة ثانية؟

هل يعني «احترام» استقلال دول المنطقة، إقراراً بعدم أحقية التدخل الايراني الميداني الطنّان الرنّان في العراق وسوريا، والسياسي والأمني والتسليحي والمادي في غيرها؟ أم ان المقصود، هو ضبط بعض الشطط الاعلامي الانفعالي المضرّ بالمشروع ذاته، فيما تبقى وقائع ذلك المشروع على الارض على حالها؟

ألم يقل قائد «الحرس الثوري» الجنرال محمد علي جعفري بالأمس تحديداً، وفي موازاة كلام لاريجاني، ان «مرحلة تصدير الثورة فتحت فصلاً جديداً»؟ وألم يقل الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في شباط الماضي ان النفوذ الايراني يتزايد «من البحرين الى العراق ومن سوريا الى اليمن والى شمال افريقيا»؟ وهل يُخفى على أحد أو أمام أحد، ذلك التشاوف والتفاخر الايرانييَّن، ومن قبل أعلى المراجع القيادية، بتمدد «الشعاع الثوري» في العالم المحيط عربياً واسلامياً؟ ألا يعني ذلك كله ان قصة «احترام استقلال» الدول الأخرى، غير مقنعة حتى لمن كتبها؟ فكيف بالأحرى ستُقبل أو تُقبض من قبل الآخرين، وخصوصاً من قبل ضحايا الأدوار الايرانية، أكان في سوريا أم في غيرها؟

في واقع الحال الخاص بالتعامل مع ايران على مدى السنوات الماضية، الكثير من الروايات التي تفصح عن أداء مزدوج. وعن فشل محاولات عربية (صادقة) للتفاهم مع طهران على ما يبدّد الشكوك ويفيد الجميع، سياسياً وأمنياً واقتصادياً وتنموياً، بسبب تلك الازدواجية ذاتها، بحيث يقول المسؤول الايراني المعني، وأياً كانت مرتبته، لمحاوره العربي كلاماً ايجابياً، كبيراً وواعياً ومتلقفاً للطرح الايجابي، فيما تبقى الماكينة الموازية تعمل على مزاجها ووفق سياسة مغايرة تماماً لمنطق «احترام» استقلال الدول الأخرى، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم النفخ السلبي في أوضاعها وأوجاعها واجتماعها وتركيبتها؟

.. بهذا المعنى، يصحّ السؤال: من الذي يعبّر «الآن» عن موقف ايران أكثر: رئيس مجلس الشورى لاريجاني؟ أم قائد الحرس الثوري الجنرال جعفري؟

كما تصح اسئلة أخرى: ماذا يعني مصطلح «استقلال» الدول الأخرى في العرف الديبلوماسي والسياسي الايراني؟ هل الامعان في نكب الشعب السوري جزء من ذلك العُرف، أم لا؟ وهل التدخل في اليمن ودعم الحوثيين بالسلاح والمال واسقاط الشرعية الدستورية، جزء من ذلك العُرف أم لا؟ وهل تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية جزء من ذلك العرف «الاستقلالي» أم لا؟ وهل التدخل في الشأن البحريني جزء من ذلك العرف أم لا؟ وهل دعم الارتكابات المذهبية البغيضة والاجرامية والارهابية للميليشيات الطائفية في العراق ضد اهالي صلاح الدين والأنبار جزء من ذلك العُرف أم لا؟

مشكلة إيران مع العالم العربي وأهله، أكبر بكثير، من أن تطمسها تصريحات قصدت توضيح شيء من شطط اعلامي.. الشطط الايراني الفعلي قائم على الأرض وعلى مدار الساعة وعلى كل المستويات، وليست الفتنة المذهبية إلا أحد وجوهه الكالحة!