غالباً ما تشير وسائل الإعلام عند الحديث عن “حزب الله” وحركة “أمل” إلى تعبير “الثنائي الشيعي“، لكن هذا التعبير قد يكون فضفاضاً لأنه يختزل كل الطائفة الشيعية ضمن هذا “الثنائي”، كما أن هذا الوصف حديث نسبياً.
ذلك أن هذين الحزبين كانا في ثمانينيات القرن الماضي أعداء، بل إن معارك عنيفة وقعت ودماء سالت في اقتتالهما على خلفية مقاربتهما للوجود الفلسطيني في لبنان، ودعم توجه جيش النظام السوري في تلك المرحلة بعدما بدأ بعمليات عسكرية لتحجيم النفوذ الفلسطيني على الأراضي اللبنانية.
حركة “أمل” أو “حركة المحرومين”
تأسست حركة “أمل” على يد موسى الصدر في السادس من يوليو (تموز) عام 1974 بالتعاون مع رئيس مجلس النواب السابق النائب حسين الحسيني لتكون الجناح المسلح لـ “حركة المحرومين”، وهي حركة إصلاحية قامت أساساً لدعم قضايا الشيعة في لبنان، وبخاصة شيعة الجنوب، في إطار تنمية مناطقهم التي كان يغلب عليها طابع الحرمان والفقر، بخاصة أن تلك المناطق كان عرضة للدمار بسبب الصراع المسلح مع إسرائيل لقربها الجغرافي من الحدود، ولتمثيلهم في الدولة اللبنانية بشكل متكافئ مع باقي الطوائف، ومنها نشأت “أمل” أو “أفواج المقاومة اللبنانية”.
ومع نشوب الحرب الأهلية في عام 1975 رفض الصدر توريط “الحركة” في تلك الحرب، ووفقاً لـ “مركز موسى الصدر للأبحاث والدراسات” فقد لعب الصدر دوراً مهماً في رفض اندلاع الحرب، إذ بادر من خلال اعتصام مسجد الصفا في منطقة رأس النبع غرب بيروت إلى بذل مساعٍ حميدة وجهود لدى مختلف الفرقاء لخنق الفتنة وتهدئة الوضع، موجهاً نداء عاماً في الـ 15 من أبريل (نيسان) عام 1975 حذر فيه “من مؤامرات العدو ومخططات الفتنة”، وداعياً اللبنانيين إلى “حفظ وطنهم وفي قلبه مكان للثورة الفلسطينية”، لكن ذلك الموقف خلق بيئة معارضة نسبياً له داخل الطائفة الشيعية، ودفع بكثير منهم إلى التوجه نحو حركات اليسار و”منظمة التحرير الفلسطينية” تحديداً، وما لبث أن أعاد اختفاء الصدر بعد سفره إلى ليبيا في عام 1978 “الحركة” إلى الواجهة”.
ثم أتت الثورة في إيران عام 1979 لتبرز “الحركة” بصفتها ممثلة للشيعة في لبنان، لكن المعارك ما لبثت أن وقعت بينها وبين فصائل حزبية يسارية بعد سنوات قليلة وتحديداً عام 1982.
نبيه بري
في عام 1980 استقال النائب حسين الحسيني من زعامة “أمل” ليخلفه المحامي نبيه بري الذي لا يزال على رأس الحركة حتى اليوم، وشارك بري خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 في “هيئة الإنقاذ الوطني” التي شكلها رئيس الجمهورية السابق إلياس سركيس في مطلع شهر يونيو (حزيران) غداة الاجتياح، وتألفت حينها من رئيس الحكومة شفيق الوزان ووزير الخارجية فؤاد بطرس والنائب نصري معلوف والمحامي نبيه بري وقائد “القوات اللبنانية” آنذاك بشير الجميل، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، وكان ذلك الأمر سبباً في معارضة عدد من كوادر “أمل” لأن حزب “الكتائب اللبنانية” في ذلك الحين شجع برأيهم الاجتياح، وسيشكل بعض هؤلاء المعارضين “حزب الله” لاحقاً.
وما لبثت “الحركة” أن انغمست في تشعبات الحرب الأهلية وخاضت معارك ذات طابع مذهبي واعتمدت اسم حركة “أمل”.
“حزب الله” أبصر النور من رحم “أمل”
تشكل “حزب الله” تحت شعار “مقاومة الاحتلال” بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وبحسب الباحث والأستاذ الجامعي وضاح شرارة فقد “تبنت النواة التي شكلت ’حزب الله‘ نقد الصدر، لا بل اعتبرته وجماعته يزيديين، نسبة ليزيد بن معاوية، يقبلون بلبنان حتى لو كان ما يعرضه لبنان على الشيعة هو عبارة عن وظائف في الكازينو، فكتبوا أكثر من مرة واتهموا الصدر بإضعاف التعليم الديني عند الشيعة، وأولى ممارساتهم كانت إنشاء الحوزات وأبرزها حوزة فضل الله وحوزة الرسول الأكرم، حيث كان الأمين العام الحالي لـ ’حزب الله‘ حسن نصرالله يدرس، وحوزة علي الأمين”.
ويتابع شرارة أنه بعد اختفاء الصدر “بدأ الإعداد لمرحلة جديدة عند الشيعة مغايرة تماماً لما قال به الصدر، ولكنها بشكل أو آخر استفادت كثيراً مما فعله الرجل لدى الشيعة، فكان ظهور ’حزب الله‘ للمرة الأولى كتنظيم عام 1982”.
ويضيف الباحث اللبناني أن “الموقع الذي احتله موسى الصدر في وجهته الأساس لا يفترض أن يلتقي بـ ’حزب الله‘ وانشقاق ’أمل‘ الأول حصل باسم موسى الصدر، على رغم أنه بين عامي 1978 و1980 عندما خلف حسين الحسيني نبيه بري، كانت الانتقادات الداخلية لـ ’أمل‘ بسبب أن توجه بري اعتُبر بداية مخالفاً لتوجه الصدر”.
ويقول الكاتب اللبناني محمد أبي سمرا إن “هذه العوامل أدت إلى نشأة ’حركة أمل‘ ككيان شيعي خالص، ولِد ’حزب الله‘ من رحمها في رعاية سيدين هما الحرس الثوري الإيراني الخميني ونظام الأسد السوري، وعمل تحت لواء مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان، وتستمر حتى يومنا هذا وغيرت مصير لبنان”.
“حرب الأخوة”“حرب الأخوة” مصطلح يطلق على فترة الصراعات المسلحة العنيفة التي دارت بين “أمل” و”حزب الله” خلال المراحل الأخيرة من الحرب الأهلية، إذ بدأ الصراع بينهما في مارس (آذار) عام 1988 وتحول إلى مواجهات عسكرية عنيفة في الخامس من أبريل من العام نفسه، ليمتد على ثلاث مراحل مُتقطعة خلال الأعوام الثلاثة التي تلت، على خلفية دعم “أمل” لعمليات جيش النظام السوري العسكرية عام 1976 داخل المخيمات الفلسطينية، إضافة إلى بعض الفصائل الفلسطينية المدعومة من سوريا ضد قوات “فتح” الموالية لياسر عرفات في محاولة لتحجيم نفوذه في لبنان حينها، وتوقفت كلياً في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1990 إثر توقيع اتفاق سلام بين الجانبين رعته سوريا وإيران بصفتهما الدولتين الراعيتين والداعمتين لطرفي النزاع، إذ كانت هاتان الدولتان سبباً جوهرياً في نشوب الصراع بين التنظيمين بسبب نزاعاتهما حينها.