شارل الياس شرتوني/أحداث السويداء: النظام الإيراني ومشاريع الحروب الأهلية المتنقلة

55

أحداث السويداء: النظام الإيراني ومشاريع الحروب الأهلية المتنقلة
شارل الياس شرتوني/03 أيلول/2023

لقد انتظمت الثورة الدرزية في السويداء على وقع المعارضة المزدوجة لنظام بشار الأسد وأوليائه المتمثلين بالنظام الايراني وحزب الله، وأعلنوا بادئ ذي بدء، معارضتهم المبدئية للسياسة التي انتهجها بشار الاسد مع انتهاء النزاعات المسلحة وما أدت إليه من تثبيت لخطوط تماس جغرافية-سياسة وطوائفية وذهنية، ومن عودة للسياسات التمييزية، وإشاعة مناخات العنف العبثي، والجريمة المنظمة، وعدم الخوض في أي نقاش جدي مع المعارضات السورية من أجل إخراج سوريا من واقع الجمود القاتل الذي يكتنفها. السيناريو السوري الحاضر واضح المعالم: المعادلات الحاضرة في سوريا هي حصيلة سياسة نفوذ مزدوجة إيرانية-روسية أبقت على النظام العلوي الذي يلعب لعبة الاستدامة النزاعية المبنية على تغيير المعادلات الديموغرافية في الدواخل السورية على مفارقاتها، واستدامة التهجير السوري في دول الجوار وفي بلدان الغرب الديموقراطي، وتثبيت اقتصاد الجريمة المنظمة والإرهاب من خلال انتاج وتهريب المخدرات والاسلحة الى دول الجوار، بالتفاهم مع النظام الإيراني وذراعه في لبنان، وابقاء بؤر التوتر في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية، تمهيدا لسياسات انقلابية متدرجة في كل منها.

بشار الأسد ليس الا غطاء مرحليا لسياسة تستهدف الموازين الاستراتيجية الاقليمية، وهذا ما عبرت عنه الثورة الدرزية في السويداء عندما أعلنت رفضها لنظام الاسد ومشروع الهلال الشيعي والتشيع، وما تأتى عنهما من استباحات أمنية وركود سياسي واقتصادي قاتل وتدهور أخلاقي معمم ” حزب الله اتى الى السويداء بتجارة المخدرات والجريمة المنظمة”. إن مراجعة مواقف الثورة الدرزية في السويداء وما استحثته من التفاف درزي داخل وخارج سوريا، ينبئان عن واقع مستجد في علنيته: لم يعد الاستهداف مقتصرا على السنة بل امتد الى كل المكونات في سوريا، بدءًا من الأكراد ووصولا الى الدروز الذين، بحكم متكآتهم الجغرافية والانتروپولوجية وعصبيتهم الاتنو-دينية، يمتلكون الحيز والروافع الاستراتيجية التي تمكنهم من مقارعة النظام وسياسة النفوذ الإيرانية. إن مراجعة مواقف حزب الله من خلال تغطيته الاعلامية لأحداث السويداء، كفيل بانبائنا عن حالة الإرباك المستجدة التي تنال من سياسة النفوذ الشيعية ومقولاتها الايدي ولوجية الناظمة: الهلال الشيعي، والاستوائية الاستراتيجية بين طهران ولبنان، وحلف الأقليات. لم يعد لهم سوى وئام وهاب والتباسات وليد جنبلاط وطلال إرسلان للتغطية على هذه التحولات، وعدم قدرتهم على القمع الدموي خشية من تداعياته المتفلتة.

بشار الاسد رفض اللجوء للقمع مع التلويح بإمكانية استعمال الطيران، ويطمئن الحاضنة الشيعية في لبنان حول صوابية خياراته. يراهن نظام الأسد والنظام الإيراني على واقع الجمود الاستراتيجي، وثبات خطوط التماس، وعوامل التآكل النزاعي المديد، والإفقار، وانعدام الافق، كسبل من أجل احتواء هذه الثورة. يحيلنا المشهد السوري الى المشهد اللبناني الذي يكابد منذ ٢٠٠٥ من سياسة التعطيل، والإرهاب النافذ، والسياسات الانقلابية الانسيابية التي حولت لبنان الى دولة صورية تستخدمها سياسة النفوذ الشيعية، التي يديرها النظام الايراني، من أجل تفخيخ السلم الأهلي في دول الشرق الأدنى. إن محاولة نسف القرار ١٧٠١ من خلال الموقف الرسمي اللبناني الذي لا شرعية له، ما هو الا جزء من المناورات التي يستخدمها حزب الله من أجل بلورة سيطرته على الدولة اللبنانية، والاستفادة من الدورة الاقتصادية التي أوجدتها القوات الدولية في الجنوب اللبناني، والتموضع الملتبس في المعادلات الاقليمية والدولية. ناهيك عن سياسة التعطيل المعتمدة منذ ٢٠٠٥ من خلال سياسة الارهاب المنهجية عبر الاغتيالات التي طالت المعارضة الداخلية على تنوع أقطابها، واستعمال مؤسسات الدولة كغطاءات وأطر تنفيذية لسياسة الجريمة المنظمة، وضرب التحقيق الجنائي والمقاضاة العائدين لجريمة تفجير المرفأ، واستعمال حكومة تصريف الاعمال أداة مرحلية لمتابعة سياسة القضم، والتصرف بالاستحقاق الدستوري لجهة انتخاب رئيس للجمهورية، وتأليف حكومة تتولى قيادة المرحلة الاصلاحية الواجبة، بعد انقضاء ٤ سنوات على الأزمة المالية وتداعياتها المميتة، على قاعدة الأولويات الانقلابية التي تحكم أداء حزب الله كفاعل أساس في سياسة النفوذ الايرانية القائمة.

هذه السياسة الانقلابية دونها مطبات كثيرة تحول دون تماديها ولها أثمان كبيرة سوف تدفعها المنطقة لجهة استقرارها، وموجبات الإصلاح البنيوي الذي تتطلبه إذا ما أرادت الخروج من إقفالات الأنظمة الديكتاتورية الإسلامية، وظلامية التسلط الشرقي بطلاسيمه وطواطيمه:

أ-تهاوي شرعية النظام في الدواخل الإيرانية من خلال سقوط الرواية الإسلامية المؤسسة، والفشل الذريع في مجالات الحوكمة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والقطيعة التامة بين جيل الثورة الاسلامية والأجيال الناشئة، الأمر الذي يفسر شراسة سياسات القمع (معدل ٥٠٠ اعدام سياسي سنويا، آلاف المعتقلين السياسيين، الاغتيالات المعلنة وغير المعلنة…)، واستهداف المسالك الحياتية المناهضة للايديولوجية الدينية الحاكمة، وسجن المعارضين الفكريين، وسياسة أخذ الرهائن في أوساط الجامعيين والإيرانيين ذوي الجنسيات المزدوجة.

ب- العزلة الدولية والهروب الدائم بإتجاه الأحلاف الدولية المضادة ومشاريع المجتمعات الدولية البديلة على ظرفيتها وتسكعاتها المصلحية ( الحلف مع تشاڤيز، اللجوء الى المحاور الروسية والصينية، التسويات الظرفية الملتبسة كما تبلورت مع مشروع المصالحة مع السعودية، الانضمام الى البريكس…).

ج- متابعة السياسة الانقلابية كبديل وظيفي عن الإصلاح الداخلي، انطلاقًا من معادلة: التطبيع في الخارج يتوازى مع تنامي النزعات الليبرالية في الداخل التي تسعى الى اسقاط النظام الديني القائم منذ ١٩٧٩.

د- تثبيت الخطوط النزاعية مع المحيط السني على قاعدة الشروخات التاريخية والعقائدية والمصالح الاستراتيجية المتعارضة، وخارجًا عن أية إمكانية نظرية أو عملية في مجال الحل العقلاني والسوي للنزاعات.

ه- الاصطدام بالمصالح الاستراتيجية والأمنية الكبري للديموقراطيات الغربية والحلف الاطلسي، كما تبلوره سياسة احتواء مشاريع العسكرة النووية، والعقوبات المالية والتجارية والملاحية المعتمدة تجاه إيران، وعمليات الإرهاب والقرصنة البحرية التي يلجأ إليها النظام الإيراني في منطقة الخليج.

و-المواجهة مع الدولة الاسرائيلية كما ظهرتها سياسة الردع الاستباقي التي اعتمدتها اسرائيل تجاه التسلح النووي الايراني (ضرب الشبكة المعلوماتية، سرقة الارشيڤ النووي من قلب طهران، اغتيال العلماء والخبراء النوويين…)، ضرب مستودعات الذخيرة وتصنيع الاسلحة الصاروخية في لبنان وسوريا وخطوط التواصل والإمدادات فيما بينهما، والحؤول دون استعمال أراضيهما والنطاقات الفلسطينية كنقاط حربية تستهدف أمنها.

ز- الاستعصاءات التي تواجهها على مستوى السيطرة على لبنان من خلال ضرب الممانعة في الأوساط المسيحية وتفتيت المعارضة فيها، والاستثمار في تسكع البنية السياسية في الأوساط السنية، والتباسات التموضع في الأوساط الدرزية.

ح- انفجار النزاعات الفقهية والسياسية والحياتية في الأوساط الشيعية كما ظهرتها الصراعات داخل الحوزات والمجلس الاسلامي الشيعي، والأوساط السياسية فيها.

نحن أمام واقع سياسي متحرك يحمل في داخله ديناميكيات إنقلابية وعوامل تهافت ينبغي التعاطي معها كما جرى مع القاعدة وداعش تمهيدا لتقويضها، إن كان هنالك من إمكانية لاستئصال هذه المنطقة من أحوال عدم استقرارها المديدة، والتمهيد لديناميكية إصلاحية فاضلة تخرجها من أعطابها الذهنية والسياسية البنيوية القاتلة.