دراسة مهمة من موقع درج/جردة بأملاك رياض سلامة المجمّدة في الغرب: عشرات المنازل والعقارات من لندن إلى مانهاتن مروراً بباريس

181

جردة بأملاك رياض سلامة المجمّدة في الغرب: عشرات المنازل والعقارات من لندن إلى مانهاتن مروراً بباريس
توم ستوكس ولارا دعمس ورنا الصباغ (OCCRP) وعليا إبراهيم (Daraj.com) ورياض قبيسي (aljadeed.tv)
موقع درج/24 آب/2023

وفقاً لسجلات الملكية وملف تحقيق قضائي فرنسي اطلعت عليه منصة الصحافة الاستقصائية الدولية “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود” OCCRP وشريكها الإعلامي اللبناني موقع “درج” Daraj، بلغت كلفة شراء الشقق الثلاث التي تعود ملكيتها الى رجا سلامة، نحو 5.62 مليون دولار بما فيها شقة يُكشف عنها للمرة الأولى. تم شراء الشقق عبر شركات فرعية تتبع لشركتين مقرهما في جيرسي، وتعود ملكيتهما الى رجا سلامة بحسب ما قال المحققون الفرنسيون في مراسلة تعود الى عام 2021.

تقدّر الأصول التي تم تجميدها والتي يملكها حاكم المصرف المركزي اللبناني السابق ومساعدوه بأكثر من 200 مليون دولار، بعدما فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا عقوبات منسّقة عليهم أخيراً.

تتضمن الأصول الجديدة التي تم تجميدها، عقارات في مناطق سكنية راقية في العاصمة البريطانية لندن، ومكاتب مطلة على جادة الشانزيليزيه في باريس وشققاً في وول ستريت، بحسب تحليل سندات ملكية وتحقيق قضائي فرنسي سُرب للصحافيين.

شملت العقوبات الثلاثية التي أعلنت يوم 10 أب (أغسطس)، تجميد الأصول وحظر السفر على رياض سلامة (73 عاماً) الذي ترأس مصرف لبنان (BDL) منذ عام 1993 حتى انتهاء مدة ولايته في 31 تموز (يوليو) عام 2023، وسط مجموعة متناسلة من التحقيقات المتعلقة بالفساد داخل لبنان وخارجه. وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن سلامة عوقب بسبب “إثراء نفسه وشركائه من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية متعدّدة المستويات”.

وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن “سلامة أساء استغلال موقعه في السلطة، في انتهاك للقانون اللبناني على الأرجح، لإثراء نفسه وشركائه، من خلال تحويل مئات الملايين من الدولارات عبر شركات وهمية لاستثمارها في قطاع العقارات في أوروبا”. وتابعت: “أنشطة سلامة الفاسدة وغير القانونية ساهمت في انهيار دولة القانون في لبنان”.

كما شملت العقوبات رجا وندي سلامة، وهما شقيقه وابنه، وماريان الحويك، مساعدته السابقة، وآنا كوساكوفا التي كانت عشيقته.

بحسب العقوبات الجديدة التي تضاف إلى إجراءات طبّقها عدد من الدول الأوروبية العام الماضي، سيتم تجميد ثلاث شقق في منطقة مانهاتن الراقية في نيويورك بحسب ما تظهره السجلات العقارية في أميركا، وملف تحقيق قضائي فرنسي.

وفقاً لسجلات الملكية وملف تحقيق قضائي فرنسي اطلعت عليه منصة الصحافة الاستقصائية الدولية “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود” OCCRP وشريكها الإعلامي اللبناني موقع “درج” Daraj، بلغت كلفة شراء الشقق الثلاث التي تعود ملكيتها الى رجا سلامة، نحو 5.62 مليون دولار بما فيها شقة يُكشف عنها للمرة الأولى. تم شراء الشقق عبر شركات فرعية تتبع لشركتين مقرهما في جيرسي، وتعود ملكيتهما الى رجا سلامة بحسب ما قال المحققون الفرنسيون في مراسلة تعود الى عام 2021.

بموجب العقوبات البريطانية، سيتم تجميد عقارات تجارية وسكنية في المملكة المتحدة تم شراؤها مقابل 43.6 مليون جنيه إسترليني (61.5 مليون دولار) على الأقل، بحسب تحليل occrp لأوراق الملكية، وتم شراء غالبية الأصول خلال السنوات الماضية، ما يعني أن سعرها اليوم ارتفع بصورة كبيرة.

من ضمن العقارات المرتبطة بسلامة في بريطانيا، شقة بقيمة 3.5 مليون جنيه استرليني – نحو 4.1 مليون دولار، ويملكها ابنه ندي وتطل على حدائق كينزينغتون في أحد أكثر الأماكن غلاءً ورفاهية للعيش في العالم. تم شراؤها للمرة الأولى من قبل شركة وهمية في بنما، والتي نقلت العقار في عام 2017 إلى رياض سلامة مجاناً. وبعد يوم واحد، تم نقل الملكية مرة أخرى – هذه المرة إلى ابن سلامة، ندي.

الشقة هي واحدة من ست عقارات استهدفتها هيئة الادعاء الملكية في المملكة المتحدة بقرار ضبط في نيسان/ أبريل 2022 بموجب قانون عائدات الجريمة في البلاد – وبالتالي منع بيع الممتلكات. كما صدرت أوامر ضبط لخمسة مبان تجارية في لندن وبرمنغهام وبريستول مملوكة لشركة سلامه Fulwood invest S.a.r.l التي تتخذ من لوكسمبورغ مقراً لها. “حسب ما ذكرت هيئة الادعاء الملكية لـ OCCRP.

تستهدف العقوبات أيضاً، مجموعة من 10 شقق إضافية في لندن مملوكة لرجا سلامة عبر شركات وهمية في جزر فيرجن البريطانية. وتشمل العقارات شققاً في منطقة تشيلسي الراقية، وتبلغ قيمتها مجتمعة ما لا يقل عن 10.66 مليون جنيه إسترليني (نحو 15 مليون دولار) بحسب ما تظهر سندات الملكية العقارية.

ناصر سعيدي الذي كان يشغل منصب النائب الأول للحاكم سلامة في عام 1993، ووزير الاقتصاد والتجارة اللبناني السابق ووزير الصناعة، قال في مقابلة مع OCCRP إن “هذه العقوبات هي رسالة واضحة وتحذير للمسؤولين المحليين الفاسدين بأنهم قد يتمكنوا من خنق نظام العدالة في لبنان وقمعه، لكنهم لا يستطيعون السيطرة على العدالة الخارجية والمساءلة الدولية”.

جاءت العقوبات المنسّقة في أعقاب قرار وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال العدالة الجنائية (يوروجست) العام الماضي، بتجميد ممتلكات وحسابات مصرفية في ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ بقيمة 120 مليون يورو (132 مليون دولار) في دول أوروبية عدة.

تم كشف عن عدد من الأصول التي تم تجميدها من السلطات الدولية للمرة الأولى، في تحقيق مشترك بين OCCRP و Daraj في عام 2020 وتحقيق ثان نُشر في وقت لاحق من ذلك العام.

بعد ساعات من الإعلان عن العقوبات، نفى سلامة مزاعم الفساد وقال لرويترز إنه سيتصدى لها، رافضاً التعليق على أسئلة occrpِ و”درج”.

لكن مجال حركته للمناورة بات محدوداً للغاية ويضيق يوماً بعد يوم، إذ بات النقد يلتهم الحاكم السابق بعد الإشادة به لسنوات لـ”دوره” المزعوم في استقرار الاقتصاد اللبناني بعد الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990. ويُتهم سلامة على نحو متزايد بتحويل لبنان إلى “مخطط بونزي” على مستوى الدولة.

بعد انهيار الاقتصاد اللبناني في عام 2019، فتحت السلطات في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وليختنشتاين ولوكسمبورغ وسويسرا تحقيقات جنائية في المزاعم عن اختلاس سلامة وغسله الأموال العامة. وقد استشهد كثر من المحققين بسلسلة تحقيقات OCCRP-Daraj في تعاملات سلامة.

قدرة سلامة على السفر الى الخارج مقيّدة بمذكرتي توقيف صادرتين عن الإنتربول أصدرتهما فرنسا وألمانيا في وقت سابق من هذا العام. وتطلب مذكرات التوقيف من أجهزة إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم، تحديد مكان سلامة واعتقاله موقتاً في انتظار اتخاذ مزيد من الإجراءات القانونية، ما يحد بشكل كبير من قدرته على السفر.

لبنان لم يعد واحة أمان له، فبعد صدور العقوبات الثلاثية أعلنت لجنة التحقيق الخاصة التابعة لمصرف لبنان المكلفة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عن تجميد الحسابات المصرفية للأخوين سلامة وندي سلامة والحويك وكوساكوفا. وقال مسؤول لبناني إن السرية المصرفية المنصوص عليها في القانون اللبناني، رُفعت أيضاً عن حسابات الخمسة تماشياً مع التزام لبنان بالعقوبات الأميركية الجديدة.

جاءت هذه الخطوة بعد نشر تقرير تدقيق مسرب انتقد غياب الرقابة والحوكمة في البنك المركزي خلال فترة سلامة، وسلط الضوء على 111.3 مليون دولار من مدفوعات عمولات مشبوهة من حساب مصرف لبنان لمستفيدين مجهولين. كما قرر مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات إحالة التقرير إلى القضاء المالي.

وفي شباط/ فبراير، اتهم قاض لبناني سلامة ورجا والحويك بالاختلاس وغسل الأموال والتهرب الضريبي. وفُتح تحقيق محلي بعد طلب للمساعدة القانونية المتبادلة من المدعين السويسريين الذين يحققون في أكثر من 300 مليون دولار من مدفوعات العمولات التي سلمها البنك المركزي إلى شركة يملكها رجا.

ومن المقرر أن يمثل سلامة أمام محكمة تحقيق في 29 آب/ أغسطس بعدما استأنفت الدولة اللبنانية قرار تركه حراً من قبل قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا. وإذا لم يحضر في الجلسة المقبلة “يمكن المحكمة الاتهامية إصدار مذكرة توقيف غيابية، وعندها يصبح فاراً من وجه العدالة”، حسبما قال مصدر قضائي لبناني طلب عدم الكشف عن هويته لـOCCRP.

وقال مصدر سياسي لبناني آخر، إن سلامة لم يعد يتمتع بالحصانة كحاكم للبنك المركزي منذ تركه منصبه في نهاية تموز، كونه “أصبح مواطناً عادياً”. وأضاف: “بحكم الأمر الواقع، هو موجود قيد الإقامة الجبرية حتى يتم تحديد مصيره من خلال هذه التحقيقات القضائية الداخلية والخارجية الجارية”.

من المتوقع أن تكون ألمانيا أول دولة أوروبية تصدر حكماً ضد سلامة وشركائه، ربما في وقت مبكر من شهر أيلول (سبتمبر)، حسبما قال المصدر السياسي لـ OCCRP بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل بالكشف عن المعلومات.

فرنسا لندن نيويورك
ما لا يقل عن 10 عقارات، تم تجميدها جميعاً، اشتراها سلامة وشركاؤه المقربون في فرنسا بين عامي 1999 و2014. تستهدف العقوبات أيضاً، مجموعة من 10 شقق إضافية في لندن مملوكة لرجا سلامة تم تجميد ثلاث شقق في مانهاتن، احدى ارقى مناطق نيويورك، تم شراؤها بمبلغ إجمالي قدره 5.62 مليون دولار وتملكها شركتان مقرهما جيرسي.

الممتلكات المجمّدة
بعد تولّيه منصبه في عام 1993، بدأ سلامة الاستثمار بكثافة في العقارات في جميع أنحاء أوروبا. ويظهر تقرير تحقيق قضائي فرنسي، اطلعت عليه OCCRP وموقع “درج”، كيف اشترى سلامة وشركاؤه عقارات مختلفة أثناء محاولتهم إخفاء ملكيتها. ويتضمن التقرير ما لا يقل عن 10 عقارات، تم تجميدها جميعاً، اشتراها سلامة وشركاؤه المقربون في فرنسا بين عامي 1999 و2014.

تشمل هذه الشقق ثلاث شقق في جادة الشانزليزيه الشهيرة بقيمة إجمالية تبلغ 8.8 مليون يورو (9.6 مليون دولار)، وفيلا بقيمة 2.6 مليون يورو (2.8 مليون دولار) في أنتيب، والكثير من الشقق في حي نويي-سور-سين الراقي في باريس.

يكشف المحققون الفرنسيون كيف حول سلامة الكثير من هذه الممتلكات إلى أبنائه على شكل “تبرعات”، فضلاً عن أسهم في شركاته، في ما وصفوه بأنه محاولة “لغسل عائدات” جرائمه.

أظهر المحققون أيضاً كيف أن البنك المركزي اللبناني، على الرغم من عدم امتلاكه ترخيصاً للعمل في فرنسا، استأجر لمدة 10 سنوات مكاتب عدة في وسط باريس تملكها آنا كوساكوفا، عشيقة سلامة ووالدة أحد أطفاله.

ووجدوا أن كوساكوفا اشترت المكاتب باستخدام أموال تم تحويلها من شركة في بيليز يمتلكها سلامة، ثم أجّرتها الى مصرف لبنان.

لم ترد كوساكوفا على أسئلة أرسلتها إليها OCCRP، كما رفض رجا وندي سلامة التعليق على أسئلتها.

التدقيق الجنائي
بعد فرض العقوبات الثلاثية، تم تسريب تقرير تحقيق جنائي سري أعدته شركة التدقيق Alvarez & Marsal ومقرها نيويورك، وتمت مشاركته على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. أُعد هذا التقرير بناءً على طلب من الحكومة عبر وزارة المالية إلى الشركة في آب 2021.

التقرير يصف أيضاً البنك المركزي الذي عمل فيه سلامة بصلاحيات واسعة وغالباً من دون رقابة. ويسلط الضوء على عدم وجود معارضة من قبل نواب حاكم البنك، وغياب التدقيق الداخلي، وغياب التدقيق من أصحاب المصلحة الخارجيين، وغياب الرقابة من مفوض الحكومة الذي “لم يمارس السلطات الموكلة إليه في وظيفته”.

“بناء على تقييمنا والمعلومات التي تم تزويدنا بها، نعتبر أن حاكم مصرف لبنان قد مارس سلطة غير خاضعة للتدقيق إلى حد كبير. وقد كان ذلك ممكناً بسبب ضعف إطار الحوكمة والرقابة داخلياً، وآلية الإشراف الخارجي غير الفعالة إلى حد كبير، والتي تعاني من نقص الموظفين”.

“كانت كل جلسة من جلسات مجلس الإدارة تبدأ بخطاب من الحاكم، الذي يشكل الخلفية لاتخاذ أي قرار… بعد ذلك، تتم الموافقة على القرار. لم نجد أي اعتراض أو آراء مختلفة في محاضر تلك الاجتماعات”، هذا ما كتبه المدققون.

يحدد التقرير 107.7 مليون دولار في شكل عمولات “غير قانونية” تم دفعها بين عامي 2015 و 2020 من حساب البنك المركزي لمنتفعين مجهولي الهوية.

لم تتمكن شركة Alvarez & Marsal في تحقيق جنائي سري من تحديد المستفيدين من هذه المدفوعات لأن مصرف لبنان قام بحذف السجلات، مستشهداً بقوانين السرية المصرفية في لبنان. لكن التقرير الذي يقع في أكثر من 300 صفحة جاء فيه: “هذا يبدو وكأنه استمرار في مخطط يزعم أنه بدأ في العام 2002 عندما وافق سلامة على عقد يسمح لشركة Forry Associates المحدودة ومقرها جزر العذراء البريطانية يملكها شقيقه رجا، أن تحصل على عمولات لقاء شراء أدوات مالية من مصرف لبنان لصالح بنوك لبنانية.

وفي الأسبوع الماضي، قالت وزارة الخزانة الأميركية إن شركة Forry Associates لم تقدم أي فائدة واضحة لهذه المعاملات”، التي شهدت تحويل مئات الملايين من الدولارات إلى حسابات يحتفظ بها سلامة ورجا وشركات وهمية أخرى.

وقال البيان إن ماريان الحويك، المساعدة الشخصية لسلامة في البنك المركزي، انضمت الى “سلامة ورجا في هذا المخطط من خلال تحويل ملايين الدولارات (قيم تفوق راتبها الرسمي في البنك المركزي) من حسابها البنكي الى حساباتهما”، فيما لم ترد حويك على طلب occrp للحصول على توضيح.

يلفت تحقيق Alvarez & Marsal الى أن 107.7 مليون دولار تم دفعها على شكل عمولات بين 2015-2020، وهي السنوات التي غطاها التدقيق المحاسبي الجنائي من حساب البنك المركزي نفسه الذي كان يدفع لشركة Forry Associates. لكن التقرير لم يتمكن من تحديد هوية المستفيدين بسبب قانون السرية المصرفية التي استغلها المصرف المركزي عند شطب معلومات من سجلات قام بتزويدها لشركة التدقيق.

خلال الفترة التي يغطيها تقرير التدقيق الجنائي، تم إيداع 95.9 مليون دولار في حسابات سلامة الشخصية في البنك المركزي في شكل إيداعات شيكات لم تتمكن Alvarez & Marsal من إثبات مصدرها. خلال الفترة نفسها، نقل سلامة ما لا يقل عن 75 مليون دولار إلى حسابات بنكية في سويسرا وألمانيا ولوكسمبورغ والمملكة المتحدة ولبنان والولايات المتحدة وفرنسا ونطاقات أخرى غير معروفة، حسبما وجد مدققو الحسابات.

وحط تقرير ألفاريز ومارسال رحاله على طاولة حكومة تصريف الأعمال في بلد لم يفلح في انتخاب رئيس جمهورية جديد منذ نحو عام. وقال وزير الإعلام زياد مكاري لـ occrp إن جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت يوم الأربعاء الماضي “اطلعت على التقرير لكنها لم تدخل في التفاصيل لأنه لم يكن موجوداً على جدول الأعمال في جلسة أقرت مشروع قانون الموازنة للعام 2023”. وأضاف، “كان في انزعاج” في المجلس من موضوع نتائج التدقيق، وأن رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال طلب تشكيل لجنة من كبار الحقوقيين لإعادة النظر في قانون النقد والتسليف.

من جهته، قرر نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي كسر حاجز الصمت، وطالب في بيان وزعه على أعضاء الحكومة والإعلام وصف فيه نتائج التقرير بـ “الاكتشافات الصادمة”، وطالب بإبلاغ القضاء بجميع المعلومات الواردة في التقرير وإضافتها إلى الملفات قيد التحقيق.

كذلك، طالب الشامي بالتعاقد مع شركة ألفاريز ومارسال لمواصلة التدقيق الجنائي من خلال إتاحة جميع البيانات المطلوبة وتمديد فترة التغطية الى الفترة المتبقية مع عمل المحافظ 2021 – 2023.

وقال: “تقرير ألفاريز ومارسال يؤكد أنه لم يسمح لهم بالوصول غير المقيد إلى المعلومات المطلوبة ولا إجراء المقابلات مع الكثير من مسؤولي مصرف لبنان الذين يمتلكون معلومات قد تفيد عملية التدقيق. إذ لم يسمح لهم بالحصول إلا على إجابات خطية من 14 من أصل 47 موظفاً توخوا مقابلتهم، لذلك لا يمكن اعتبار التدقيق منجزاً”.

وعن الأسباب التي دفعته الى إصدار البيان، لفت الشامي لـ occrp الى أنه شعر بأن هذا “واجب عليه ليعطي رأيه كتابة”.

من جهته، وصف سلامة في مقابلة مع صحيفة “الفاينانشال تايمز” اللندنية يوم 11 آب، نتائج التدقيق بـ” وجهات نظر ذاتية”، وأضاف أنه لم يكن هناك أي “سوء سلوك” خلال فترة حاكميته. وقال إن كل القرارات والتصرفات الخاصة بالمصرف، بما فيها العمولات المثارة، حكمتها “قرارات المجلس المركزي”، وهو الهيئة الحاكمية الرئيسية للبنك، وكانت “قانونية”.

من التجميد إلى الاستيلاء
كغالبية الشعب اللبناني، رحّب خبراء قانونيون واقتصاديون بأنباء فرض عقوبات جديدة على سلامة ودائرته الداخلية.

وقالت هيلين تايلور، كبيرة الباحثين القانونيين في مؤسسة Spotlight on Corruption غير الربحية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، إن العقوبات التي تنسقها ثلاث دول “ترسل رسالة قوية إلى النخبة الحاكمة في لبنان مفادها أنه لن يتم التسامح مع الفساد وأنه يجب أن يكون هناك تغيير”.

وأضافت: “تشجع المملكة المتحدة وحلفاؤها بشكل نشط على تغيير السلوك في نظام طالما تسامح منذ فترة طويلة مع إساءة استخدام المنصب من قبل سلامة وآخرين”. لكنها حذرت من أن العقوبات الاقتصادية ليست سوى إجراءات مؤقتة ولا تؤدي إلى مصادرة الأصول وإعادتها إلى الشعب اللبناني. ولكي يحدث ذلك، “يجب على سلطات إنفاذ القانون وإثبات أن الممتلكات هي عائدات جريمة ويجب أن يمر ذلك عبر المحكمة”.

وقال توم كيتنغ، مدير مركز دراسات جرائم الأموال والأمن في المعهد الملكي للخدمات العسكرية والأمنية ومقره المملكة المتحدة، إن بعض الحكومات يمكن أن تستخدم الأدوات القانونية التي تضع العبء على سلامة لإثبات أن أصوله لم تكن مكتسبة بأموال مشروعة.

وأوضح كيتنغ لـOCCRP، “هنا تأتي أدوات الإثبات العكسي مثل أوامر الثروة غير المبررة، والتي تقول: ‘نحن نعتقد أن هذه الأموال هي من عائدات جريمة. عليك أن تقدم لنا دليلًا يثبت أنها ليست كذلك”.

وأشار ثامر عبيدات، وهو محام أردني يتمتع بخبرة 30 عاماً في تعقب الأصول وإعادتها في الشرق الأوسط، في مقابلة مع OCCRP، الى أن الجهود المبذولة لإعادة الأصول المسروقة ستعتمد على الإرادة السياسية للسلطات اللبنانية، مضيفاً أن الإصلاحات الأخيرة جعلت من الصعب إخفاء الأصول المسروقة عندما يكون كل من الدولة المتضررة والبلدان التي توجد فيها هذه الأموال على استعداد للتعاون.

وتابع عبيدات أن “الجهود الأخيرة التي بذلتها دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بما في ذلك اعتماد معيار الإبلاغ المشترك، ستسهل على الأرجح جهود الدولة اللبنانية في تحديد الأصول التي استولى عليها رياض سلامة”.

ويتفق معه ويليام بوردون، مؤسس منظمة شربا، وهي غير حكومية ومقرها باريس قامت برفع شكوى قضائية على سلامة قبل عامين. وقال إن المسار القضائي في فرنسا لإرجاع الأصول “سيأخذ سنوات”، لكنه أكد “أن الإصرار موجود”.

في الوقت الراهن، يواصل اللبنانيون السير على الحبل اقتصادياً وسياسياً مدركين أن بلدهم ينزلق أكثر فأكثر إلى الفقر والتضخم المفرط والفساد من دون نهاية في الأفق.

وتؤكد التهم الموجّهة إلى سلامة وفريقه أسوأ مخاوف الناس من أن السياسيين المتعاقبين قد تسامحوا مع مستويات مذهلة من الفساد بينما يخوضون معارك مريرة في ما بينهم ويتجاهلون جميع الدعوات إلى إصلاحات جدية.

“إلى جانب الإثراء الفاسد، يتعامل لبنان الآن مع الإرث المدمر لرياض سلامه، الذي ولّدت سياساته الفاشلة ونظام الـ”بونزي سكيم” المفتوح الذي طبقه، أكبر أزمة مالية في التاريخ، ما أدى إلى انهيار سعر الصرف (انخفاض 98.5 في المئة)، ومعدلات تضخم ثلاثية الأرقام تقترب من التضخم المفرط (296 في المئة في عام 2023)، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 40 في المئة، ووصول الفقر إلى 80 في المئة من السكان، وهجرة هائلة لرأس المال البشري واقتصاد غير رسمي بشكل متزايد (أي غير مدفوع الضرائب) قائم على النقد، مع تزايد دولرة المعاملات ونظام مصرفي زومبي “، حسب ما قال ناصر السعيدي، النائب الأول للمحافظ سلامة قبل 30 عاماً.