روزانا بومنصف/أوهام أو تَوَجّسات حول الحوار المسيحي؟ احتمال تسوية رئاسية يثير شكوكاً واسعة

247

أوهام أو تَوَجّسات حول الحوار المسيحي؟ احتمال تسوية رئاسية يثير شكوكاً واسعة
روزانا بومنصف/النهار

09 كانون الثاني 2015

يتم التسويق في بعض الاوساط السياسية لمنطق يفيد بوجوب عدم الاستهانة بالحوار المرتقب بين رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع من زاوية ان هذا الحوار مبني على منطق الحسابات الداخلية الذي يفيد بالآتي: ما دام حزب الله معرقلا للانتخابات الرئاسية وهو يستخدم ورقة دعم العماد عون للرئاسة ذريعة للعرقلة على رغم انه قد لا يكون او يرجح انه ليس خياره المفضل وفق ما يفترض اصحاب هذا المنطق، فان من هؤلاء من يقول بالدفع في اتجاه انتزاع هذه الورقة من يد الحزب من خلال منعه من الاستمرار في عرقلة الانتخابات الرئاسية وفي الاستثمار فيها او المفاوضة عليها من جهة والذهاب الى تسوية يحصل بموجبها جعجع على الاثمان المناسبة التي تسمح لعون بالوصول للرئاسة من جهة اخرى بحيث يماثل الوضع ما يشبه اقتسام النفوذ الحاصل او القائم لدى الطائفة الشيعية بثنائية “امل” – “حزب الله” عبر ثنائية عون – جعجع وعلى ان يؤدي وصول عون الى اعطاء جعجع حصصا وافية في الحكومة العتيدة ومجلس النواب المقبل عبر قانون انتخاب مناسب. وهذا المنطق مبني على ما يعتقد انه عامل بات يجمع بين الطرفين وهو استياء كل منهما من حلفائه المسلمين والخشية من وجود مصالح متضاربة لكل منهما مع هؤلاء الحلفاء ولو لم يكتب او يثار الكثير من هذا التضارب علنا حفاظا على موقع القوة الذي يتمتع به كل منهما، الامر الذي يمكن ان يشكل جامعا مشتركا دافعا من اجل التوافق بين الاثنين. كما ان هذا المنطق وفق ما يقول اصحابه من شأنه ان يحرج الافرقاء جميعهم تقريبا باعتبار ان هؤلاء عمدوا في محطات مختلفة الى رمي كرة الرئاسة في مرمى المسيحيين عبر تحميلهم مسؤولية عدم اتفاقهم على مرشح يقدمونه للآخرين على انه من يرونه مناسبا لتمثيلهم في سدة الرئاسة الاولى، فضلا عن انه قد لا يلزم افرقاء سياسيين بالتصويت له بل بتأمين النصاب فقط لجلسة الانتخاب كما انه ينهي ازمة الرئاسة لا بل ازمة طويلة في العلاقات الثنائية بتسوية مقبولة بين التيارين الابرز على الساحة المسيحية.

يثير هذا المنطق في المقابل علامات استفهام تنقضه وتتصل بالافتراض القائل ان عون ربما قد لا يكون المرشح المفضل للرئاسة لدى الحزب في حين ان الافتراض المعاكس قد يكون صحيحا فتكون المساهمة في دعم وصول عون للرئاسة مكسبا صافيا للحزب من زاوية ان هذا كان هو موقفه المعلن منذ الاساس وفي حال وصول عون للرئاسة يمكن ان يستثمر ذلك سياسياً ولمدى بعيد في حال كان ذلك هو الاخراج الذي يعمل عليه البعض لتسوية بين عون وجعجع. في حين ان مصادر سياسية عدة من افرقاء غير مسيحيين لا ترى ان عون قد يستعيد احتمال فرصة وصوله وخصوصاً بعد تبني حزب الله ترشيحه علنا باعتبار انه غدا عنوانا لمحور محلي واقليمي من شأن وصوله ان يعبر عن انتصار هذا المحور خصوصاً ان هذا الاخير مرتبط بالرئيس السوري بشار الاسد بما يعنيه ذلك من منحه مكسبا في لبنان عبر ايصال مرشح يدعمه هذا الاخير اقله ظاهريا وعلنا.

ولا يقيم اصحاب هذا الافتراض اي اهمية للعملية الاعتراضية التي قادها رئيس حزب القوات اللبنانية قبل اشهر للحوار الذي كان قائما بين تيار المستقبل والتيار العوني والذي كان يمكن ان يؤدي على الارجح الى انتخاب عون رئيسا علما ان جلسة طويلة جمعت جعجع والرئيس سعد الحريري في باريس حاول فيها الاخير بجهد تسويق فكرة احتمال انتخاب عون لكن من دون اي رد فعل ايجابي من جانب جعجع لا بل قوبلت برفض كلي تردد انه يعود في اسبابه الى التجربة التي مرت بها العلاقات بين الطرفين في العام 1988 واحتمال مواصلة عون سعيه الى انهاء القوات اللبنانية سياسيا. فيعتبر هؤلاء ان بعض المعطيات قد تغيرت مع العرقلة المتمادية التي قد تساهم في ابقاء موقع الرئاسة شاغرا لمدة طويلة ما ينعكس سلبا على المسيحيين ويبقي ورقة الرئاسة خارج ايدي اللبنانيين. كما يهمل مسوقو منطق احتمال التسوية الرئاسية المعطيات الخارجية والتي تمثلت في شكل اساسي بالموقف الايراني الذي تم التعبير عنه لرئيس دائرة الشرق الاوسط في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو والذي يفيد على عكس غالبية ما تم توزيعه في هذا الاطار من ان المسؤولين الايرانيين كانوا ابلغوا الوسيط الفرنسي دعمهم لكل ما يوافق عليه اللبنانيون وليس المسيحيين تحديدا ما دفع مطلعين على المفاوضات التي حصلت الى العودة بالذكرى الى المواقف التي كانت ترفعها سوريا في هذا الاطار لدى مراجعة اي دولة لها في اي موقف يتعلق بلبنان والتي تفيد بانها تتمسك بما يتفق عليه اللبنانيون في حين ان هذا الشعار كان عنوانا للامساك بناصية القرار اللبناني والتفاوض عليه. وفي الوقت نفسه فان الضجة التي رافقت احتمال تحقيق جيرو خرقا محتملا في موضوع انتخابات الرئاسة اللبنانية مع المسؤولين الايرانيين قد تراجعت كثيرا في الآونة الاخيرة ومن مؤشراتها محاولات مقاربة الموضوع عبر الحوار الداخلي اكان على سبيل ملء الوقت الضائع او على سبيل مواكبة ما يمكن ان يطرأ اقليميا في الوقت المناسب.