أحمد الأسعد/كاريكاتور الإسلام

267

كاريكاتور الإسلام
أحمد الأسعد/المستشار العام لحزب “الإنتماء اللبناني

08 كانون الثاني/15

لم يكن الإسلام الدين الوحيد الذي تتهكم عليه مجلة “شارلي ايبدو” الفرنسية، فهي درجت على نشر رسوم ومقالات تتهكم فيها أيضاً على الكاثوليكية واليهودية، من دون أن يعترض أحد، أو يتعرض لفريق عملها بسوء.

ولكن إذا سلّمنا جدلاً بأن الرسوم التي نشرتها مجلة “شارلي ايبدو” الفرنسية مسيئة إلى الإسلام ونبيّه، فإن مجزرة باريس التي هزت العالم أمس، ككل الأعمال الوحشية التي يرتكبها الإرهابيون باسم الإسلام، تشكّل فعلياً الإساءة الأكبر للإسلام، أكثر مما يفعل أي رسم أو مقال أو كتاب.فهؤلاء المتأسلمين، الذين ينتمون في الواقع إلى الإجرام لا إلى الإسلام، هم أنفسهم كاريكاتور عن الإسلام وليسوا الإسلام الحقيقي. أنه كاريكاتور مؤلم يدفع إلى البكاء.

هؤلاء الإرهابيون يجعلون العالم كله يسخر من الإسلام ويكرهه ويعاديه.

هؤلاء يرسمون بدماء ضحاياهم صورة مشوهة وبشعة ومتخلفة وهمجية وبربرية عن الإسلام.

إن قتلة رسامي”شارلي إيبدو” لم ينتقموا للنبي محمد كما ادعوا، ولا للإسلام كما زعموا، بل انتقموا من المسلمين في فرنسا وكل أنحاء العالم، وسببوا لهم مزيداً من المشاكل.

وإذا كانت فرنسا بكل أطيافها السياسية أدركت ضرورة عدم التسرع في الخلط بين الإرهابيين والمسلمين الثلاثة ملايين الذين يعيشون على أرضها، وعدم تعميم الإتهام، فإن الإرهاب باسم الإسلام يجعل عملياً كل مسلم مشبوهاً، ومشروع إرهابي، وهذا أمر شديد الضرر.

لقد هزّت الجريمة الفرنسيين جميعاً، فهبّوا للدفاع عن حرية التعبير المقدّسة عندهم. اندفعوا بالآلاف إلى الشارع دفاعاً عن القيم الجمهورية التي يتمسكون بها، ويبدو أن موجة غضبهم الراقي إلى اتساع.

المطلوب الآن من فرنسا، بعد هذا الـ”11 أيلول” الذي ضرب “برج” حريتها، أن تدفع بقوة نحو تفعيل مواجهة الإرهاب. والقضاء على هذا الإرهاب يتطلب مواجهة “القاعدة” و”داعش” وأمثالهما حتماً، لكنه يجب أن يبدأ قبل ذلك بانهاء النزاعات التي نبتت بسببها هذه التنظيمات، وأهمها النزاع السوري، والدور الإيراني المتعاظم في تغذية بؤر اللااستقرار في العالم العربي.

لقد كان على المجتمع الدولي منذ البداية أن يتدخل بفاعلية أكبر في سوريا، وأن يساهم في دعم الثورة لانهاء نظام بشار الأسد. لكنّ التأخير في الحسم أدى إلى سيطرة التنظيمات المتطرفة على الأرض، ونشوء “داعش” ومن لفّ لفّها، وإلى تغيير وجه الثورة.

لا وقت بعد اليوم للتردد. الوسيلة الأفضل للقضاء على الإرهاب هي انهاء البؤر التي ينمو فيها، ومنها الحرب في سوريا.