غسان الإمام/صعود الإسلام الحربي وانكفاء الإسلام الإخواني

282

 صعود الإسلام الحربي وانكفاء الإسلام الإخواني
غسان الإمام/الشرق الأوسط/06.01.15

قراءة في فنجان عام 2014 المقلوب، كقراءة في كف عفريت. سنة من الفوضى. والتقلبات العاصفة التي ألمّت بالعرب والعالم. وقراءة في عام واحد لا تكفي لإصدار أحكام على عام مقبل. هل هو خير أم شر؟ لكن بالنسبة لعفاريت سني الانتفاضة، يبدو أن عام 2015 لن يكون أفضل من سابقيه. لن أقلّب أوراق «الروزنامة». لأذكر تاريخ كل حدث. فهذه مهمة محرر الأخبار. إنما أذكر جملة أحداث شكلت ظاهرة سياسية تميز بها العام الماضي. ولعل صعود الإسلام الحربي، وانكفاء الإسلام السياسي و«الإخواني» هما أول تلك الظواهر. نحن أيضا في هذا العام الجديد ما زلنا أمام تنظيم ديني يطرح نفسه «دولة دينية» هي أشد تزمتا ودموية من «القاعدة» و«طالبان». فهو لا يملك شرعية البيعة لخليفة. ولا القدرة على تشكيل جهاز دولة. أو تحقيق انسجام اجتماعي. فقد انهار سلامه المدني بممارسته «التطهير الديني». والعرقي، ضد المسيحيين. والأكراد الإيزيديين.

غير أن هذا التنظيم يشكل خطرا على النظام العربي. فقد حاول الاقتراب من حدود السعودية والأردن. ونجح حيث فشل المشروع القومي! بإسقاط الحدود بين العراق وسوريا. وسوريا ولبنان. وسوريا وتركيا. وهو جزء لا يتجزأ من ظاهرة الفوضى الدولية والعربية.

لكن خطر «داعش» الأكبر يكمن في قدرته على استخدام أحدث مواقع الاتصال الاجتماعي الإلكترونية، في تجنيد وتجييش المخدوعين المتطوعين من سوريا. والعراق. والعالم (التقديرات الأميركية: 15 ألف متطوع. بمعدل ألف متطوع شهريا. وجيش يضم 30 ألف جندي). وله أنصار وخلايا في مجتمعات متعددة (تركيا مثلا)، نتيجة ضعف التربية والتعليم في التوعية. وانتشار الأمية السياسية، في غياب الحرية. وتزييف الديمقراطية. أو إلغاء الحزبية والسياسة.

أقول إن الدعاء على «داعش» باللعنة والابتهال لا يكفي للقضاء عليها. ولا حتى بالحرب الجوية. أدركت إدارة أوباما ذلك. فهي تخضع «داعش» لدراسات علمية، لمعرفة ثغرات ضعفها. ونقاط قوتها. وسر قدرة المقاتل الداعشي على الصمود والقتال في ظروف قاسية. ولكشف لغز خضوع المجتمع المدني الذي تحتله.

بقي أن يدرك النظام العربي ذلك. فالملاحقة الأمنية والحملة الدعائية أسلوبان خاسران. لا بد من تحصين الأجيال بالوعي. وتنفيذ مشاريع اقتصادية لتشغيل الشباب. وملء الفراغ السياسي لديهم. ومنحهم أملا بحياة أفضل.

البنتاغون «يبشّر» العرب بأن الحرب على «داعش» سوف تستمر سنوات!. «داعش» ستخسر الحرب حتما. وسيتم تقويض دولتها في العراق وسوريا. لماذا؟ لأن استراتيجيتها في استفزاز النظامين الغربي والعربي مكلفة وخاسرة. وألّبَت العالم عليها.

«داعش» لا تقرأ التاريخ. لا تدرك خطأ اجتذاب الجيوش الغربية الجرارة للقتال على الأرض العربية والإسلامية. فقد دمرت الحروب الصليبية التي دامت 3 قرون في ديار العرب العمران. وقتلت الناس. وتسببت بنشوء فقه ديني حربي شديد التزمت والانغلاق. وبتخلف العرب قرونا وراء أوروبا.

الطريف أن «داعش» ثبتت أقدام أميركا في الشرق الأوسط. صحوة أوباما أنجبت استراتيجية لمكافحة الإرهاب في المنطقة والعالم. فحققت نجاحات وإخفاقات متناقضة. نجحت أميركا في إقامة ائتلاف عربي – غربي ضد «داعش» والإرهاب. نجحت في ترحيل حكومة نوري المالكي التي دعمتها 8 سنوات. فكادت تقسم العراق باضطهادها السنة، وإزعاج الأكراد حلفاء أميركا. غير أن حكومة حيدر العبادي لم تنجح إلى الآن في كسب ثقة السنة والنظام العربي. بسبب وطأة الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا. هذه الميليشيات تشارك الآن الجيش العراقي الذي تعيد أميركا بناءه، في غزو المناطق «الداعشية». وتنافس «داعش» في ارتكاب مخالفات إنسانية ضد المدنيين والأسرى، فيما السنة العراقية تتناوشها الانقسامات. سنة مع «داعش». سنة ضد «داعش» وحكومة الشيعة. سنة مع الحكومة منتظرة حق المساواة مع الشيعة في المواطنية. والميزانية. والإعمار. والعمل. والدمج في الجيش. وقوى الأمن والإدارة. أكراد العراق حلفاء أميركا هم الكاسب الأكبر، رغم أنهم لم يحققوا وحدتهم الإدارية والعسكرية، بسبب الصراع المزمن بين القوى التقليدية التي يتزعمها مسعود بارزاني، وحزب جلال طالباني المريض المعتكف في ألمانيا. آوت كردستان العراق المهجرين العرب والمسيحيين والأكراد الإيزيديين الهاربين من «داعش». لكن لم يعرف، بعد، مصير المناطق العربية التي احتلتها قوات البيشمركة.

بضغط أميركي، توصلت حكومة العبادي إلى اتفاق مع كردستان لاقتسام نفط حقل كركوك (400 ألف برميل يوميا)، والحصول على 17 في المائة من الميزانية العراقية. ومليار دولار لشراء أسلحة أميركية للبيشمركة التي تتلقى مرتباتها من الإدارة المركزية، في مقابل حصول حكومة الشيعة على خبراء أميركيين عسكريين لإدارة الحرب ضد «داعش». ولاستعادة بناء الجيش العراقي الذي قوضه ميلاد الدولة «الداعشية».

أما الإخفاقات الأميركية فيأتي في مقدمتها فشل الوزير جون كيري في إدارة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية. وتوتر العلاقة مع السلطة الفلسطينية المهددة بقطع المساعدة الأميركية (700 مليون دولار سنويا). وعجز أوباما عن الضغط على إسرائيل، لوقف الاستيطان الذي تتسارع وتيرته، كلما دخل عباس في جولة تفاوضية جديدة، بحيث بات حل الدولتين مهددا.

لغز العلاقة مع إيران يشكل هما للنظام العربي. هل تنسق إيران مع أميركا في العراق؟ هل التوصل إلى تسوية نووية يلغي الرهان الإيراني على حيازة القنبلة المخيفة، في مقابل القبول الأميركي بهيمنة إيران على المشرق العربي بعدما حوّل بشار حلف أبيه الجهنمي مع إيران، إلى تبعية خالصة لطهران؟

هل الحرب على «داعش» ستنتهي بصدام أميركي محتم مع نظام بشار قد يقوضه. أم أن القضاء على «داعش» سوف يمكن النظام من استعادة حلب وشرق سوريا؟ انسحاب أميركا وأوروبا من أفغانستان، من دون القضاء على طالبان الباكستانية والأفغانية، يوحي بعدم رغبة أميركا في خوض حروب جديدة في المنطقة. ويترك باكستان وأفغانستان عرضة لتقلبات خطيرة على استقرار الشرق الأدنى (غرب آسيا) المجاور لشرق أوسط ملتهب.

بعد ظاهرة صعود الإسلام الحربي، تأتي ظاهرة الاهتزازات الخطيرة التي تتعرض لها المؤسسة الرئاسية العربية. لا شك أن عودة المؤسسة العسكرية المصرية للسيطرة على المؤسسة الرئاسية إنجاز باهر وضع حدا، بدعم خليجي، لمحاولة الإسلام السياسي (الإخواني) ربط مصر برباط التبعية للإسلام التركي، وللاقتراب من إيران، في سعيها لهز استقرار الخليج، عبر إثارة شيعة البحرين، والهيمنة على النظام الرئاسي اليمني الضعيف، من خلال إثارة الحوثية الزيدية (الشيعية) التي تستنزف زخمها في الصدام مع «القاعدة» اليمنية وحزب الإصلاح الإخواني. الإسلام السياسي يخسر لصالح الإسلام الحربي، أو لمصلحة النظام العربي. بعد المصالحة مع مصر، قد تحاول قطر التوسط لإنقاذ «إخوان مصر» من الالتحاق بالإسلام الحربي الذي يهز أمن مصر بدعم «حماس» لتنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي نجح في التسلل من سيناء إلى مناطق الكثافة السكانية في القاهرة. والإسكندرية. والدلتا.

حزب النهضة خسر لحساب النظام القديم في تونس. استوعبت المغرب حزب «العدالة» الديني الذي بات الشريك في الحكم. يبقى أن يثبت الرئيس الباجي قائد السبسي أن أعوامه التي تقترب من الـ90 قادرة على الاستدارة بتونس من الفرنكفونية المتوسطية، نحو العرب والعروبة.

يبقى لبنان بلا رأس مسيحي، في انتظار حسم حيرة «حزب الله» المتخوف من عفريت مرشحه ميشال عون. الحزب الذي ورطته إيران في وحل المستنقع السوري، يحول دون مقايضة عفاريت «داعش» و«جبهة النصرة» المسجونين، بالجنود اللبنانيين المخطوفين على الحدود المنهارة بين لبنان وسوريا..