الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري: ما كان “اتّفاق الطائف” إلّا لِكَسرِ المسيحيين

324

ما كان “اتّفاق الطائف” إلّا لِكَسرِ المسيحيين.
الكاتب والمخرج يوسف ي. الخوري/15 تشرين الثاني/2022

تقول الأكذوبة التي يصدّقها معظم اللبنانيين، إنّ اتّفاق الطائف (وثيقة الوفاق الوطني) فتح المسار لإعادة بناء الدولة، وأوقف الحروب بين اللبنانيين بعدما استمرّت من العام 1975 إلى 1990. ويرسخ في أذهان البعض أنّ “الطائف” ما كان لِيَمرّ لولا هزيمة المسيحيين جرّاء اقتتالهم وانقسامهم على بعضهم البعض في “حرب الإلغاء” (1990) بين الجيش اللبناني والقوّات اللبنانيّة.

لو أنّ اتّفاق الطائف (1989) حصل بعد هزيمة المسيحيين وسقوط مناطقهم الحرّة، وليس قبلهما، لكنّا وافقنا على أنّ هزيمتهم هي التي أتَت بـ “الطائف”. أمّا وقد أُبرم الاتّفاق والمسيحيون في أَوْجِ قوّتهم العسكريّة، وما كانوا قد انقسموا بعد، يتأكّد جليًّا أنّ اتّفاق الطائف ليس ناجمًا عن هزيمة المسيحيين، بل هزيمتهم هي الناجمة عنه، إذ هم تقاتلوا عليه، وبسببه وقع الشرخ بينهم، فهانوا واستسلموا للمجهول.

وهناك أكثر، فاتّفاق الطائف أمّن الغطاء الشرعي، والضوء الأخضر الدولي، لاجتياح السوريين البعثيين للمناطق المسيحيّة، والذي جرّاءه احتلّوا 75% من الأرض اللبنانيّة، وتسلّطوا على قرار وسيادة ودستور اللبنانيين بموجب “التنسيق والتعاون” المدرجان في متن وثيقة “الطائف” (الباب رابعًا)، وتحت عنوان: “العلاقات اللبنانيّة – السوريّة”.

ما لم يأخذه الاحتلال السوري من اللبنانيين بالنصوص، أخذه لاحقًا من خلال ما يُعرف بـ “معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق” التي استُتبعت باثنتين وأربعين اتّفاقية “أُخوّة” كانت كفيلة بإحكام ربط مصير لبنان بإرادة سوريا لاسيّما في القضايا المتعلّقة بالأمن، وهو الأمر الذي أضعف سيادة الدولة اللبنانيّة على أراضيها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، من تبعات “اتّفاقيّة الدفاع والأمن” بين الدولتين اللبنانيّة والسوريّة:
1. ليس بمقدور الدولة اللبنانيّة الذهاب إلى “الحياد” طالما سوريا تعتبر إسرائيل عدوّة لها.

2. في “مؤتمر مدريد 1991″، توصّل الوفد اللبناني إلى اتّفاق مع الإسرائيليين على انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان الجنوبي، لكنّه عاد ونكث الصفقة بضغط من السوريين، ما أخّر الانسحاب تسع سنوات، وبالتالي برّر إبقاء سلاح حزب الله بحجّة مقاومة “العدو”.

3. بعد تورّط حزب الله في الحرب السوريّة، أصبح سلاحه حاجة أخويّة إقليميّة لا يمكن الاعتراض على بقائه حتّى ولو كان ذلك على حساب لبنان وشعبه.

4. نصّ اتّفاق الطائف، في بابه الثالث – الفقرة (ب)، على “التمسّك باتّفاقيّة الهدنة مع إسرائيل الموقّعة في 22 آذار 1949″، كيف يُطبّق هذا النصّ وحزب الله مُغطّى بـِ “التعاون والتنسيق” مع سوريا، وهو الذي لا يزال يدعو إلى تحرير القدس، ولم يعترف أخيرًا بالحدود البحريّة المرسّمة مع اسرائيل؟

5. … وغيرها من التبعات.

“اتفاقيّة الدفاع والأمن” المُشار إليها، هي الأساس في إبقاء لبنان أسير مشيئة حزب الله وسوريا، علمًا بأنّ هناك اتفاقيّات مثلها في القضاء، والعمل، والشؤون الاجتماعيّة، تكبّل هي الأخرى آليّة صنع القرار اللبناني، وتنتهك سيادة واستقلال لبنان.

أضرّ اتّفاق الطائف بالمسيحيين أكثر من غيرهم بأشواط، لكن ممّا لا شكّ فيه، انجرّت ويلاته فيما بعد على الشرائح اللبنانيّة كافة؛ الدساتير هي آليّة تنظيميّة تُشبه إلى حدّ كبير آليّة تحكّم رأس الإنسان بمهمّات جسده وأطرافه، ولبنان كان الموارنة رأسه، فأتى الطائف وقطع هذا الرأس من دون الإتيان بالبديل الصالح عنه! تخيّلوا النتيجة؛ حفلة جنون وخيانة وعمالة للخارج، وحفلة انفصال تام بين رأس الهرم والقاعدة:

– المسيحيون دفعوا الثمن الباهظ هجرةً وفقرًا واستباحة لثقافتهم وأراضيهم بسبب “الطائف”، بينما بطاركتهم، وأحزابهم، ووسائلهم الإعلاميّة، ومرشّحوهم إلى رئاسة الجمهورية، هم جميعًا وبالتكافل والتضامن، والغباء حينًا، والاستغباء أحيانًا، من أشرس المدافعين عن دستور “الطائف” الذي نحر شعبهم.

– السنّة مُفترض أنّهم أكثر الكاسبين من “الطائف”، غير أنّ دراسة ميدانيّة حديثة، أُجريت بالتعاون بين “الدوليّة للمعلومات” و “مؤسّسة أديان”، تُبيّن أن أكثر المتحمّسين لنظام لامركزي يسمح لكلّ منطقة بأن “تُشرّع قوانينها وتُدير شؤونها بما يُلائم أهلها”، أي أكثر المتحمّسين لفدراليّة من دون تسميتها، هم السنّة، بينما مفتيهم، وسفير المملكة الراعية لشؤونهم، وفلول الحريريّة السياسيّة من أصحاب الثروات، يتمسّكون “بالطائف” والمدن وقرى الأطراف السنّية تئنّ جوعًا، وشبابها ضحايا الهجرات غير الشرعيّة في ظلّ حكم “الطائف”.

– الشيعة كطائفة هم الأكثر تهميشًا بعد المسيحيين في اتّفاق الطائف، بيد أنّ الثنائي الشيعي هو الأكثر استفادة منه.

– الدروز كانوا رأس الحربة في المطالبة بإسقاط النظام خلال ثورة 17 تشرين، لكنّ زعيمهم الزئبقي وليد جنبلاط هو من أكثر المستفيدين من النظام، ومن أشدّ المحذّرين من المسّ به.

– أمّا الأقليات، فحدّث ولا حرج، يكفيهم أنّ “الطائف” مسَحَ هويّة عشرة مذاهب منهم بمجرّد إقراره عروبة لبنان وانتمائه، بينما هم ليسوا من أصول عربية. هذا من دون حسبان الموارنة إذ بات بطريركهم يعتقد أنّهم عرب.

إذًا هذا “الطائف” أوجد شرخًا وهوّة عميقة بين القيّمين عليه والشعب، وبتعبير آخر، أخفق الطائف في إحقاق أقلّ وظائفه، وعنيت بها التنسيق بين الحكّام وعمل المؤسّسات من جهة، والشعب ومصالحه وخدمته والمساواة بين أفراده من جهة ثانية.

باختصار، الطائف هو جسد بلا رأس، ما يعني بالمباشر أنّه ميّتُ لا يُعوّل عليه، وبالمجازي هو فاقد للعقل، وفاقد العقل هو مجنون مكانه في العصفوريّة ويجب استبداله بأصحّاء.

أخيرًا وبناءً على كلّ ما سبق هنا، وفي مقالتي السابقة، وردًا على الخائن حسن الذي تجرّأ على مقام الموارنة، أحدّد:
نُريد رئيسًا يجمع اللبنانيين خلفه، وليس رئيسًا يلهث خلف توافق نوّاب قُصّر.
نريد رئيسًا لا يقول بدستور “الطائف” انجيلًا أو قرآنًا منزلًا، بل يتجرّا على الإفصاح بضرورة قبعه من جذوره، كما وقبع اتفاقيّات “الأخوّة” مع سوريا.
نُريد رئيسًا مدركًا أنّ الطائف انتزع من المسيحيين تفوّقهم بـِ 6 مقابل 5 للمسلمين في البرلمان، وفرض المناصفة فرضًا، ولم ينعم عليهم بها.
نُريد رئيسًا لا يخشى الذهاب إلى عقد اجتماعي جديد بعد تحرير آليّة صنع القرار اللبناني من حزب الله ومن المنظومة الكليبتوقراطيّة، ومحاكمة هؤلاء من دون استثناءات، وتنفيذ الأحكام الصادرة بحقّهم.
نُريد رئيسًا يرفع ساطور “العمالة” المسلّط على رقاب المسيحيين وهم برّاء منها كما يتأكّد يومًا بعد يوم.
نُريد رئيسٍا يُعلي مصلحة اللبنانيين على رغبات السفارات والمجتمع الدولي.
نُريد رئيسًا مارونيًّا لا يخجل بمارونيّته، ومستعدًّا للشهادة في حال لم تكن ساعته قد حلّت بعد.
#hezbollah_delendum
#systema_delendum_est
#constitutio_taif_delenda_est