المهندس الفراد ماضي، رئيس اكاديمية بشير الجميل/في الذكرى ال 40 لإستشهاد بشير الجميل: وتبقى رغم السنين، وإن طالت إلى أربعين أربعين، وتبقى يا حلم الأجيال التي لم تولد بعد

179

في الذكرى ال 40 لإستشهاد بشير الجميل: وتبقى رغم السنين، وإن طالت إلى أربعين أربعين، وتبقى يا حلم الأجيال التي لم تولد بعد
المهندس الفراد ماضي/رئيس اكاديمية بشير الجميل/النهار/13 أيلول/2022

كلما ارتفع الصليب حان موعدنا…
فآتي إليك، أنت…
أنت الساكن في غصّتي… في جرحي المفتوح… زادته السنوات الأربعون تقرحا”…
أنت الساكن في حلم أحفادي بوطن حلم…
من تفاهة العادي… إليك آتِ… من نتنِ اليومي…
من أمة فيها أشباه الرجال… على ركابهم وقفوا، بصدور منتفخة حكموا فتحكّموا…
أحلام أجيالنا نهبوا.. ولقمة عيش أهلنا سرقوا وسرقوا وسرقوا ويسرقون، ويجتمعون، ويصرّحون، ويحاضرون بالعفّة والنزاهة والوطنية…
وكأن الكرامة يا بشير لم تعد على جبال الرّب أرزا”، شامخا” ، موقفا”، مخرزا” في عين الزمان، إنما فتات سلطة ترمى عن موائد السلاطين والأسياد…
فهأنذا يا أشرف من أنبتتهم أرضنا الطاهرة…
يا أنصع يّد… يا أعلى جبين…
ها أنذا جئت في ذكرى استشهادك الأربعين، أجرد لك حساب الوزنات علّنا في كشف الحسابات نرعوي ونعود إلى أصالتنا، فنبني الوطن الحلم الذي بدأته وأذقتنا طعمه ولو لأيام. لو يدرك قاتلوك يا بشير أيَة حماقة ارتكبوا بإزاحتك من الطريق بالتواطؤ مع الغريب ، فلو قبلت بالتنازل عن مبادئك وأخلاقك وانخرطت في جوقة الفاسدين، لكنت ما زلت حاكما” حتى اليوم، تتنعم بمغانم السلطة وخيراتها، ولما أصبحت أسطورة دخلت التاريخ، ونموذجا” يدرس لانتظام دولة في عشرين يوم ويوم…
بأية وزنة ابدأ يا بشير والحصاد هزيل؟
1- وزنة الدولة
الدولة صار لنا منها نوعان: الدولة الدولة، وهي أشبه ببيت مهجور مخلّع الأبواب والنوافذ، تسرح فيه الغربان واللصوص و شذاذو الآفاق. الدولة يا بشير أصبحت علّة وحملا” ثقيلا” بدلا” أن تكون الحلّ لمشاكل الناس وحاجاتهم. الدولة منتفخة حتى حدود التخمة القاتلة لكثرة ما “دحوشت” فيها الطغمة الحاكمة زعرانها ومحاسيبها.
أما دولة الدويلة، “فقرارها وسلاحها ومالها ولبسها وأكلها وشربها فهو من ولاية الفقيه”، والتي فرخّت على كعب الدولة فهي بصحة جيدة، تشرّع للصوص سرقاتهم، وتغطي معاصيهم، فأمعنوا في جسد الدولة نهشا”، وفي معاناة الناس إيلاما” ونزفا”، بينما حكامنا ملتهون بالصراع على السلطة.
2- وزنة الشعب
الشعب العظيم الذي ذاع صيته في أرجاء المعمورة كفاءة” وإخلاصا” وكرما” وإبداعا” في كلّ المجالات، بات كقنبلة عنقودية انفجرت وتوزعت شظاياها على كل المطارات والموانئ، ومن بقي من هذا الشعب في الوطن، بات قطيعا” ذليلا” تتقاذفه الأرجل…
على أبواب الأفران يذّل…
على أبواب الصيدليات يذّل…
على أبواب المستشفيات يذّل…
وعلى أبواب المصارف يذّل…
يقف في طوابير طويلة وينتظر…وينتظر…وينتظر…
غريب أمرهم أهلنا يا بشير،
تنهب أموالهم ولا يثورون…
تداس كراماتهم ولا يثورون…
يداهمهم الجوع وتعمي بصائرهم العتمة ولا يثورون…
يصدّرون فلذت أكبادهم إلى بلدان الناس علّ الأبناء يرسلون ما يبقيهم على قيد الحياة، بينما الدولار يتراقص صعودا” ونزولا” ليقضي على ما تبقى عندهم من أعصاب، ولا يثورون…
الشعب يا بشير مسحوق، فقير، مدجّن حتى حدود الهبل. وما سميّ ثورة لم تكن بأكثريتها، إلا أمر عمليات نظمتها بعض القوى الداخلية والخارجية وانتهت كثورة الضفادع: نق وضجة ودربكة بلا نتيجة… ولكن ولو فشلت هذه الثورة أو خفتت، ستبقى ثورتك ضد الفاسدين والعملاء وضد المتزلفين والجبناء في عقولنا وقلوبنا بهدف بناء وطن لطالما أردته وطن الحريات.
3- وزنة القيادة
يمر وطننا بعدك يا بشير بموسم جفاف وقحط وعقم وتفاهة
ما أحوجنا اليوم إلى قائد…
إلى من تعالى عمّا لقيصر واكتفى من دنياه بمحبة الناس واحترامهم، وتفانى في خدمتهم وتأمين رفاهيتهم. قائد لا تهمه القلاع والحصون، يريد ويستطيع لأن قراره في ذاته وفي ضميره، وليس من وراء الحدود.
قائد هو سيّد نفسه … لا ينحني ولا تهمه أدبيات المذعنين في ديارالأقطاب
مشكلتنا معك يا بشير أنك تركتنا نتذوق طعم القيادة والعفة والعنفوان ثم رحلت، فلم يعد بعدك ما يشبّع جوعنا إلى قائد رؤيوي يقود السفينة إلى شاطئ الأمان.
4- وزنة الوفاء
هي الوزنة التي نفتخر بجرد حسابها، لأننا كثرناها وباتت أضعافا مضاعفة.
الوفاء لنهجك لم يكن خيارا” ولا واجبا”، إنما حاجة لحفنة من الذين آمنت بهم وآمنوا بك.
ليس طبيعيا” أن يمرّ أمثالك في حياة الأمم إلا نادرا”…
ولأنك الطاهر، الأبيض، العفيف، الصادق، الرؤيوي…
ووفاء” لكل ما أعطيته لوطنك…
فقد أنشأنا لك أكاديمية تحمل اسمك خرّجت حتى الآن حوالي 500 طالب وطالبة، درسوا نهجك في العمل السياسي، وتعرّفوا إلى إنجازاتك، وطريقة تفكيرك، وجزء من أحلامك
هؤلاء الخريجون يا بشير، الذين تشبعوا من شخصيتك وتجربتك وأخلاقك، هم الخميرة التي نرجو أن تغني حياتنا السياسية والإنمائية والإدارية، فلا يبقى فاسد ومفسدون، ولا راشٍ ومرتشون، ولا كذاب وكذابون، فيصحّ البلد ويستعيد مجده وناسه…
وتبقى…
وتبقى رغم السنين، وإن طالت إلى أربعين أربعين…
وتبقى يا حلم الأجيال التي لم تولد بعد…
وتبقى المِثال والمرجع والأمل…
وتبقى، يا صديقي، حيا” فينا إلى الأبد…