شارل الياس شرتوني/اوقفوا البلف، الانتخابات الرئاسية الوهمية

61

اوقفوا البلف، الانتخابات الرئاسية الوهمية

شارل الياس شرتوني/22 آب/2022

الجنرال شارل دوغول: “المؤسسات والدستور هي غلاف، السؤال ماذا يحوي في داخله”.

ان اطرف ما في ترهات الكلام السياسي في هذا البلد المحتضر، هو الحديث عن الاستحقاقات الدستورية في دولة اسمية قامت منذ ٣٢ سنة على نقطة ارتكاز وهمية تمحورت حول سياسات النفوذ الاقليمية المتعاقبة ومتكاءاتها الداخلية، المتمثلة بالاوليغارشيات المافيوية التي حكمت على خط التواصل بينها وبين اوليائها الاقليميين (بدءا بسوريا ومرورا بسياسات النفوذ السنية ووصولا الى السياسة الانقلابية الشيعية التي تديرها ايران على المستوى الاقليمي). لقد انقضت الانتخابات النيابية وتلاها الفراغ الحكومي والاستحقاق الرئاسي المزعوم، الذي يدور بمعظمه حول كيفية تثبيت سياسة السيطرة الشيعية من خلال رئاسة صورية، أو من خلال احالة البلد الى حالة من الفراغ المؤسسي في حال التعذر عن الاتيان بصنو لميشال عون وسلسلة الرؤساء المتواطئين والمستخدمين  الذين عرفتهم جمهورية الطائف الصورية (الياس الهراوي، اميل لحود، ميشال سليمان).

التداول يجري بين اقطاب الاوليغارشيات السياسية المهيمنة بتحكيم نهائي من قبل اقطاب الفاشيات الشيعية، وبمعزل عن أية إشكالية تطال الازمات الحياتية والسياسية التي عطلت الدولة وجعلتها اداة، ليس الا، في خدمة مراكز النفوذ على تنوع محاورها الداخلية والخارجية. كما أن اداء المرشحين فلا يعدو كونه مناورات وايحاءات باهتة لمصلحيين آتين من الوسط الاوليغارشي المالي والعائلي-المافيوي والحديث النعمة والانكشاري (نعمة افرام، سليمان فرنجية، ميشال معوض، وجبران باسيل)، وبضعة اسماء من الوسط المهني المالي والحقوقي (سمير عساف، جهاد ازعور، زياد بارود).

اين الانتخابات الرئاسية من المسائل المحوريةً التي تدور حولها الازمات الكيانية والحياتية في البلاد، سؤال لا جواب عليه لان معالجتها ليست في دائرة الاهتمامات الاوليغارشية التي تدور حول مشاريع السيطرة والقضم والمحاصصة -بين قوارض تتصرف على قواعد سلوكية ايتولوجية (علم سلوك الحيوانات) تنأى عن السلوك الاجتماعي الذي يدرسه علم الاجتماع- التي افضت الى هذه الهمجية التي تسود الحياة الاجتماعية التي تتماثل مع المثل الانجليزي “عالم الكلاب التي ينهش بعضها البعض”،  ومع مفهوم الداروينية الاجتماعية (Social Darwinism).

كفى تزويرا للواقع عبر استعمال مبتذل للمفاهيم الدستورية والديموقراطية من قبل هذه الاوليغارشيات الدنيئة في قدرها المعنوي والاخلاقي والثقافي. ما الذي يمكن توقعه من نبيه بري، ووليد جنبلاط ونجيب الميقاتي، وسعد الحريري ، وميشال عون وجبران باسيل وحسن نصرالله والفاشيات الشيعية واصناؤهم من اعضاء الاوليغارشيات المافيوية التي نهبت البلاد، والمصرة على المضي في توسيع حيازات النهب والسيطرة والزبانية في بلد بات بفتقد الاصول الاولية للعلاقات السوية بين البشر. ان الاحجام على مدى ثلاث سنوات عن معالجة الازمة المالية عبر الاصلاحات الهيكلية في القطاعات المصرفية والمالية والاشغال العامة، واليات الحوكمة والتدقيق الجنائي المالي، واستعادة الاموال الخاصة والعامة المنهوبة، ليس من باب الصدفة بل يقع على خطين متقاطعين: خط متابعة سياسة القضم الشيعية وسياسة حماية مكتسبات النهب الذي قامت به الاوليغارشيات على مدى عقود ثلاثة.

اختم هذه المراجعة السريعة بالكلام على تثبيت موضع لبنان كدولة رهينة ومنصة للمواجهات الاقليمية البديلة والتمدد السكاني السوري مع كل تداعياته الديموغرافية والسياسية، وموقعا لادارة الجريمة المنظمة التي تديرها المافيات الشيعية واجرامها انطلاقا من لبنان، وسياسات استهداف الاستقرار الاقليمي والتسوية الديموقراطية للنزاعات.

انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان استحقاق وهمي لا مضمون له، ولا مجال للبلف بعد اليوم، لقد انتهت جمهورية الطائف وانتهى معها المشروع الاستقلالي والليبرالي اللبناني.