د. حارث سليمان/نصرالله لشعب لبنان … اي ميليشيا ستناصرون!؟

112

نصرالله لشعب لبنان … اي ميليشيا ستناصرون!؟
د. حارث سليمان/23 تشرين الأول/2021

أسست ثورة ١٧ تشرين لتيار خرج من وجدان الشعب اللبناني حاملا قيما جديدة، قيم تدعو الى نبذ الانقسام الطائفي، والى الخروج من عباءة زعيم الحزب وسطوته، والى ادانة الفساد كجريمة موصوفة بحق الوطن والشعب، وتلتزم النضال من أجل قيام دولة مدنية على قاعدة مبدأي المواطنة والمساواة، واعتمدت الانتفاضة وحراكها الوسائل السلمية والديموقراطية كممارسات مشروعة قانونا، لإحداث التغيير المطلوب واعادة تكوين السلطة، ونبذت الانتفاضة اللجوء الى العنف طريقا للتغيير، كما ادانت العنف المفرط للسلطة واحزابها، في مواجهة فعاليات الانتفاضة وساحاتها.

القيم هذه لم تكن جديدة، لكنها اخذت مداها من الاتساع والشمول، خلال ثورة تشرين، فامتدت عابرة الانقسامات الطائفية، ومتجاوزة المناطق والطوائف والاجيال، ومختلف قطاعات المهن وبيئات الاعمال، وشاركت المرأة والشباب في فعالياتها بشكل بارز.

كانت المواجهة بين قوى الحراك الثوري ومنظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج متعددة الاشكال والميادين والوسائل، فمن القمع البوليسي الممنهج عبر فرق مكافحة الشغب؛ التابعة لوزارة الداخلية او بعض قطاعات الجيش التي نفذت تعليمات مباشرة من رئيس الجمهورية، الى الاعتقالات المنهجية للناشطين في الساحات والتي قامت بها الاجهزة الامنية الرسمية المختلفة، الى قيام مجموعات ملتبسة الصفة بين الرسمي والميليشياوى كشرطة مجلس النواب، بفقأ عيون المتظاهرين ورميهم بالرصاص المطاطي وذخائر صيد الطيور، الى الاستنابات القضائية التي لاحقت محركي الثورة والفاعلين على صفحات التواصل الاجتماعي، بدعاوى القدح والذم وتحقير الرئاسات، الى الدراجات النارية التي تقتحم خيم الاعتصامات وساحاتها، وتعتدي بالضرب والتخريب على نشطاء الثورة ومناصريها، بعد كل هذه الممارسات جميعا، حاول كل طرف من أطراف المنظومة بشكل افرادي ان يستثني نفسه من الشعار الذي يجمل كل اطرافها مجتمعة ” كلهن يعني كلهن ” في موقع الاتهام والمساءلة و الادانة …

على خط مواز آخر، كان يتم ترداد شعار غريب ومستهجنٍ: هتاف يردد شيعة … شيعة… شيعة…
وهو شعار تعالت الحناجر صائحة به ايضا، خلال صدامات الطيونة الاخيرة وترددت اصداؤه على دوي الاشتباكات المسلحة قبل اندلاع المواجهات وبعدها… فلماذا انطلق هذا الشعار؟ ولماذا استمر كرد دائم ومستمر على كل حدث جديد او قديم، سواء لتخريب خيمة في ساحة، او لمنع مظاهرة من قطع طريق، او لمواجهة اعتصام في ساحة الشهداء او اللعازارية، او لفض اعتصام في مناطق صرف شيعية، في النبطية او صور او بعلبك… والى ماذا يهدف مطلقوا الهتاف، ومن يقف وراءهم؟، وما هو تأثير هذا الهتاف وتأثيره ووقعه على الناس في ضفة السامعين في مواجهة ضفة الهاتفين؟…
في واقع الأمر فإن اطلاق هتافات في تظاهرة سياسية يعتبر امرا مألوفا وطبيعيا، لكن الطبيعي أنَّ يكون هدف الهتاف في تظاهرة ما، هو شرح اهدافها ومطالبها ومحاولة كسب السامعين والمحيط من الناس الذين يسمعون الهتاف، ومحاولة اقناعهم بأهداف المظاهرة، واكتساب تأييدهم ودعمهم.

واذا قبلنا هذا المقياس لنجاح الهتاف وجدواه، فسنكتشف ان هتاف شيعة… شيعة! هو هتاف غبي واستفزازي ولا فائدة منه، فمن ينكر على راكبي ارتال الدراجات انهم شيعة، حتى يرددوها في كل مشكلة، وماذا يثير الهتاف من شعور لدى الناس غير الاشمئزاز والسخط !!… فهل التبس الامر على ثنائية امل وحزب الله فخاب هتافهم بكسب التأييد؟، ام ان الهتاف كان اصلا هتافا يسعى للاستفزاز ولاستدراج الصدام في الشارع، واعادة اطلاق الانقسام الاهلي والتوتر الطائفي المذهبي؟…

يحسن حزب الله مهارة تغيير جدول الاعمال الوطني، في كل ازمة تواجه خياراته، ويجيد تغيير الاولوية الوطنية التي تسم المشهدية السياسية اللبنانية، فعل ذلك سنة ٢٠٠٥ ، حين كانت الاسئلة المركزية اللبنانية تتمثل ب : من مع الوصاية السورية ومن هو ضدها؟ من هو ضد جريمة الاغتيال السياسي؟ ومن يسعى لطمس حقائقها ومساعدة جناتها على الافلات من الادانة!؟ فلجأ الحزب سنة ٢٠٠٦ الى اشعال حرب تموز ليصبح جدول الاعمال الوطني يناسبه ويحميه؛ من مع اسرائيل؟ ومن هم ضد اسرائيل!؟

احداث الطيونة وما تلاها هو محاولة جديدة يقوم بها حزب الله لتغيير جدول الاعمال الوطني الذي طبع المشهدية اللبنانية منذ ١٧تشرين ٢٠١٩ ومشهد الحراك هو : ما العمل لاعادة تكوين السلطة وترحيل منظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج، التي يقودها حزب الله ، وللشروع ببناء دولة مدنية سيدة على حدودها وداخل حدودها؟…

يريد حزب الله التخلص من هذه الاولوية الوطنية التي رسختها ١٧ تشرين مخترقة حدود الطوائف وحواجز المناطق، واعتبارات الاجيال، وتنوع المهن وقطاعات الاعمال والفئات العمرية والجندرية، يريد خلق جدول اعمال وطني جديد على قاعدة تعميق الانقسام الاهلي، واستحداث التوتر المذهبي والطائفي ليصبح السؤال العام: الى اي ميليشيا يتوجب الانتساب وينعقد التأييد؟…، والى دعوة الناس للمفاضلة بين ميليشيا واخرى في الطريق للحرب الاهلية!!!
لذلك يصبح هتاف شيعة… شيعة… هتافا ليس غبيا، بل يحمل شرا تاسيسيا لتعميق الانقسام الطائفي وتلويحا بحرب اهلية ممكنة!!…

كثيرون قالوا ان السيد نصرالله قدم لرئيس القوات اللبنانية هدية سياسية غالية، بان صنفه خصما عنيدا وقائدا مسيحيا اولا، قد يكون هذا صحيحا، لكن الارجح ان ذلك لم يغب عن بال السيد وحساباته، لكنه ثمن قبل السيد نصرالله دفعه، مقابل أن ينتزع من قلوب اللبنانيين وعقولهم اجندة ١٧ تشرين، التي تجاوزت الطائفية وسعت لإعادة تكوين سلطة، بديلة لمنظومة الفشل والفساد والارتهان للخارج، تبني دولة مدنية سيدة على حدودها وداخل حدودها.
ومهما تكن تفاصيل او وقائع ما جرى في ١٤ تشرين الماضي فان العبرة الاساسية هي في تزييف وعي الناس لمصالحها، وفي محاولة كي وعي الجماعة لاستيلاد انقساماتها.