الياس بجاني/نص وفيديو/عربي وأنكليزي: يوم امتدّت يدُ الغدرِ الحاقدةُ لاغتيالِ بشيرٍ الجسدِ، لكنها فشلت في قتلِ الحلمِ والقضيةِ اللذين جسّدهما

22

يوم امتدّت يدُ الغدرِ الحاقدةُ لاغتيالِ بشيرٍ الجسدِ، لكنها فشلت في قتلِ الحلمِ والقضيةِ اللذين جسّدهما.
الياس بجاني/14 أيلول/2025

اضغط هنا لقراءة المقالة باللغة الإنكليزية/Click here to read the English version of the below piece

يوم عيد الصليب المقدّس من سنة 1982 كان يوماً مأساوياً لن ينساه لبنان، ولن يغيب عن ضمير ووجدان اللبنانيين المؤمنين بهويتهم الفريدة . لقد أصبحت ذكرى ذلك اليوم محطة بارزة في تاريخ المقاومة اللبنانية، التي ما زال مشعلها متّقداً يحمله بعناد البشيريون بإيمان لا يتزحزح وعزيمة صلبة كعزيمة القديسين. في ذلك اليوم، امتدّت يد الغدر الحاقدة وقتلت بشير الجسد، إلا أنّها فشلت في قتل بشير القضية، والطموح، والفكر، والوطنية، وروح المقاومة. في ذلك اليوم، ارتفع صليب لبنان إلى السماء وعليه شهيد لبنان الرئيس الشيخ بشير الجميّل محاطاً برفاق دربه الأبرار الثلاثة والعشرين الذين رافقوه في رحلة حياته الأرضية التي وهبها للبنان وقضيته المقدّسة، وكان لهم أن يرافقوه أيضاً في رحلة العودة إلى جنّة الخلد حيث الأبرار والقديسون.

ارتفع البشير على صليب لبنان بعد أن روى ورفاقه بدمائهم الزكيّة والطاهرة تربة وطن الأرز المباركة. ارتفع البشير وهو محاط برفاق دربه الشهداء ليقف معهم أمام وجه ربّه بضمير مرتاح وزوادة إيمانية كبيرة وطهارة مقدّسة. ارتفع إلى السماء بعد أن أدّى رسالته الأرضية، وبعد أن صاغ أُطُراً واضحة للقضية اللبنانية، وزرع في نفوس اللبنانيين روح المقاومة والفداء، وغرس في وجدانهم الإيمان بحتمية انتصار وطن الرسالة الذي أجرى فيه السيد المسيح أوّل عجائبه، والذي باركته السيدة العذراء وجعلت منه محجّة للمؤمنين.

لقد أراد الله سبحانه أن يميّز البشير في مماته كما ميّزه في حياته، فرفعه إلى جنّته في يوم عيد ارتفاع الصليب، الصليب الذي ارتضى عليه الابن الوحيد أن يُسمر فداءً للبشرية جمعاء. وكما قال بولس الرسول: «فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ» (كورنثوس الأولى 1: 18).

البشير احتضن الصليب وجعله نبراساً وطريقاً ونهجاً في نشر رسالته اللبنانية: رسالة التعايش، والمحبة، والأخوّة، والوفاء، والحضارة، والثقافة، والعزّة، والكرامة. ارتفع إلى السماء تاركاً قيمه وتعاليمه وروحه وحبّه للوطن في نفوس وضمائر شعبه الذي أحب، وقدم نفسه قرباناً من أجل خلاصه وحريته. وكما قال السيد المسيح: «لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا 15: 13).

ومن كان الصليب حاميه لن تغلبه الأبالسة، ولن تدنّس قداسته هرطقات الفريسيين والكتبة ومن هم على شاكلتهم. وكما أن السيد المسيح قهر الموت وكسر شوكته وقام من القبر في اليوم الثالث، فإن رسالة البشير الوطنية والإيمانية باقية حتى يوم القيامة، وهي التي ستُقيم لبنان عاجلاً أم آجلاً من قبر التبعية والارتهان والخنوع والأنانية والاحتلال.

لبنان البشير لن يموت، لأنّه حيّ في نضال ومقاومة وعنفوان كل لبناني يؤمن قولاً وفعلاً بحلم البشير — حلم القضية — ويريد أن يعيش مرفوع الرأس بكرامة وعنفوان في وطن حرّ وسيّد ومستقل وديمقراطي، وطن تظلّله العدالة والمساواة والعيش الكريم، وطن محرّر من الجيوش الغريبة ومن المرتزقة والطرواديين والملجميين، وطن يحكمه أهله وتُحترم فيه حقوق إنسانه وتُصان كرامته.

لقد ناضل البشير ليعيد إلى الأرض اللبنانية وحدتها، وإلى وطن الأرز سيادته، وإلى اللبناني حريته وكرامته، وإلى الدولة هيبتها، وإلى المؤسسات فاعليتها، وهو القائل بصوت عالٍ: «نريد أن نعيش مرفوعي الرأس، وما يجب تغييره هو الذهنية وتجديد الإنسان لتجديد لبنان». وكما قال النبي ملاخي في الكتاب المقدّس: «كَانَتْ شَرِيعَةُ الْحَقِّ دَائِمًا فِي فَمِهِ» (ملاخي 2: 6).

إن بشير، وهو يقدّم ذاته ذبيحة حيّة على مذبح الوطن، إنما اقتدى بالمسيح الذي قدّم ذاته حباً للعالم. لقد اختار درب الجلجلة بإرادة حرّة، مؤمناً أن لا قيامة من دون صليب، ولا حرية من دون بذل النفس. إن دمه ودماء رفاقه لم تُهدر، لأنها امتزجت بتراب لبنان لتقدّسه وتمنحه الحياة، كما امتزج دم المسيح بخشبة الصليب ليمنح العالم الخلاص والحياة الأبدية. وهكذا يبقى استشهاد بشير علامة رجاء وإيمان: رجاء بقيامة لبنان من موت العبودية، وإيمان بأن من يبذل نفسه لأجل أحبائه ينال الحياة التي لا تزول. فالبشير حيّ في ضمير شعبه، وحيّ في حضن الآب حيث لا موت ولا وجع ولا بكاء، بل فرح وقداسة ومجد إلى الأبد. ومن كان الله نصيره، فلا غالب له.
**الكاتب ناشط لبناني اغترابي
عنوان الكاتب الألكتروني
Phoenicia@hotmail.com
رابط موقع الكاتب الألكتروني
https://eliasbejjaninews.com

Share