د. منى فياض/سوريا وحقوق المرأة في مجتمع إسلامي

42

سوريا وحقوق المرأة في مجتمع إسلامي
د. منى فياض/30 كانون الأول/2024

ما صدر حتى الان عن القائمين على الثورة في سوريا، يستحق كل التقدير والاحترام. وهم يؤكدون على اعادة بناء الدولة. السؤال أي دولة؟
ولا تمنع المخاطر المحيقة بسوريا، من ضرورة متابعة بعض الظواهر، لفهم حقيقة موقفهم من شكل الدولة التي يعملون على تكريسها.
سوريا مجتمع متعدد، بالمعنى الديموقراطي، وليس بتعابير أقليات وأكثرية. وبالرغم من تأليب النظام السابق لمكوناته ضد بعضها البعض، نجدها تتمتع بمجتمع مدني قوي. ظهر منذ الاشهر الاولى من الثورة عام 2011، وقبل عسكرة الثورة وبروز التيارات الاسلامية. ولكنه مجتمع تغلب عليه سمة المحافظة.
في هذا السياق، عبّرت تظاهرة ساحة الامويين المختلطة رجال\نساء والتي حصلت بكل حرية، عن وجود قيم لتيارات وثقافات واتجاهات منوعة مؤثرة؛ تطالب بدولة مدنية (بمعنى لا دينية ولا عسكرية) وتعددية، تتشارك فيها النساء الى جانب الرجال، في الحياة العامة والسياسية، مع احترام الحريات الشخصية والحريات العامة وخصوصاً السياسية. وصف البعض التظاهرة بالمتسرعة، لكن أهميتها تمكن في ممارسة الرقابة المبكرة لمنع ظواهر، قد تحصل الآن بشكل متسرع وللضرورات الأمنية، كي لا تتحول لاحقا الى حق. كما انه من الاجحاف انتقاد من كان صامتاً تحت حكم المستبد ويشارك الآن. ان جميع مكونات المجتمع السوري دفعت اثمانا باهظة، ولدينا شهود عيان تبرر الصمت، بسبب معاقبة افراد الاسرة كبديل عمن يتمرد منها.
انها مهمة الشعب السوري الآن في ممارسة الرقابة والضغط لحسن سير الامور، وتشجيع الظواهر الايجابية، مع مواجهة اي اتجاه لحكم شمولي، من اجل التوصل الى دستور ديموقراطي تعددي.

لذا مطلب المجتمع المدني من السلطة القائمة، توضيح مواقفهم من المرأة، ومن الحريات السياسية والشخصية والمدنية. لقد عاينّا بعض الارتباك، وعدم وضوح الاسترايجيا، التي سيعتمدونها في هذا المجال. وهل ان المرونة التي ابدوها في تفهمهم لتنوع المجتمع السوري، وعدم تقييد الممارسات اجتماعية السائدة، ستكون القاعدة المستقبلية! كما ظهر فيما يتعلق بالمرأة بعض الارتباك والتهرب من مطلب تأمين حقوقها؛ بحجة ان هناك مواضيع أخطر وأهم للنقاش. وهو موقف يحتاج الى مراجعة، نظراً لأن النساء يشكلن نصف المجتمع، وبالتالي تعتبر حقوقهن من أهم وأخطر القضايا. ان كسب ثقة النساء هو في مصلحة التغيير، لكي يصبحن من أهم الداعمين له. وهذا ما يتماشى مع الموجة النسوية – الاسلامية تحديداً، التي تدعو الى تفعيل دور المرأة وحقوقها ودخولها الوظائف العامة التعليم ومطالبتها بدور في الدعوة. وهو توجه يدعم التصالح مع الآخر، والانفتاح على مراجع ثقافية جديدة، لخطاب اسلامي جديد يمد الجسور مع العالم.

من هنا تأكيد النسويات الاسلاىميات على الأمور التالية:
إن الحقوق المشروعة للنساء، في العدالة والمساواة والإقرار بعقائدهن وتنوع ثقافتهن، لا تتعارض مع مبادئ الشريعة واجتهاداتها الأصلية.
والحركة النسوية الاسلامية اوضحت ان وضع المرأة يتأسس في الإسلام على مساواتها بالرجل في المكانة والعضوية في الأمة والمجتمع، وعلى المسؤولية المشتركة بينهما، وهما مبدءان قرّرتهما آيات واضحة.

إن المرأة المسلمة فاعل أساسي في «العقد الاجتماعي»، الذي تأسست بموجبه الأمة الإسلامية، من خلال ما يعرف بـ «بيعة النساء» في صدر الدعوة، التي تم تعميمها فصارت أساساً للبيعة العامة. وبالتالي فإن لها حقوقاً سياسية واقتصادية مساوية للرجل متى ما توافرت لهما الكفاية والمقدرة.
وللمرأة في الاسلام الأهلية الكاملة، ولها ذمتها المالية المستقلة ومسؤوليتها القانونية، وحق التصرف الكامل المستقل فيما تملك. كما لها حق شرعي في الميراث. مع ضرورة الأخذ هنا بعين الاعتبار منظومة الحقوق والالتزامات.

أما حق التعليم فلقد أكدته النصوص الإسلامية، ولا مجال للزعم بأن الإسلام يفرض على المرأة مجالات تعليمية معينة بحجة أنها تلائم طبيعتها الأنثوية ومهمتها الأمومية، أو الحظر على التحاقها ببعض التخصصات. فهذه أعراف وعادات لا علاقة لها بالإسلام، وعلى الدولة والمجتمع تأمين حق التعليم دون تمييز. اما فيما يتعلق بالعمل، فيتوجب على الدولة والمجتمع، الالتزام بقاعدة تكافؤ الفرص والعدالة، من اجل تأمين معيشة كريمة بشكل متساوٍ بين المرأة والرجل انطلاقاً من حقوق المواطنة. كما يحق للمرأة تولي الوظائف العامة عندما تتأهل لذلك، مع ضرورة تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بشكل متساو بين المرأة والرجل. ولها حق أصيل في الجماعة الوطنية وفي المشاركة في العمل العام ناخبةً ومنتخِبةً، ومشاركة في القرار، لإيصال ما تراه صحيحاً من آراء وحقوق ومصالح عامة. ولا نغفل عن ان القرآن الكريم، كان أول كتاب “جندري” بالمعنى الحديث، لأنه يتوجه الى “المؤمنين والمؤمنات”. ما يعني مسؤولية المرأة الكاملة عن سلوكها.
ملاحظة
والمقصود بتعبير الدولة المدنية الدولة التعددية المحايدة تجاه الدين دون أن تعاديه، بمعنى انها تحترم القيم الدينية وتحمي الدين من الدولة ومن السياسة كما حرية الاعتقاد، لكنها تحمي أيضاً حقوق وحريات كافة المواطنين وتكفل المساواة بينهم. من هنا شعار: فصل الدين عن الدولة.