سماحة الدكتور الشيخ مالك الشعار/مسألة الولاء من دعوة الراعي إلى سلاح الحزب…من ذا الذي يصدق ان السلاح الذي يصولُ ويجول في الداخل والخارج هو سلاح مقاومة ضد الإرهاب أو لقتال التكفيريين.. هذه دعاوى وشعارات لتبرير مشاريع خارجية ارتبط السلاح بها إن لم نقل قد وُجد من أجلها

75

مسألة الولاء من دعوة الراعي إلى سلاح الحزب
سماحة الدكتور الشيخ مالك الشعار/اللواء/16 نيسان/2021

*ما علاقة سلاح الحزب باليمن، أو بسوريا أو بالبحرين أو بمطلق بلد وما هي الأنفعية والجزية التي تعود علينا.
*من ذا الذي يصدق ان هذا السلاح الذي يصولُ ويجول في الداخل والخارج هو سلاح مقاومة ضد الإرهاب أو لقتال التكفيريين.. هذه دعاوى وشعارات لتبرير مشاريع خارجية ارتبط السلاح بها إن لم نقل قد وُجد من أجلها..

في رمضان يعم الهدوء النفسي والصفاء، ويتألق الحق ويزداد وضوحاً، وتتشوف النفوس إلى الكلمة الطيبة الهادئة والهادفة ولعل ذلك من أسرار هذا الشهر الكريم، حيث تضح أبوابُ الجنان، وتُغلق أبواب النيران وتصفّد الشيَّاطين. ولأن الإنسان ميَّالٌ بفطرته إلى معرفة الحقِّ وقولها، وإعلانها ورفع رايتها ولوائها، وخاصةً إذا استفحل السداء واسْتعصى ولو أن الأمر يبقى محط رهان إذا كانت الإصابة فردية أو شخصية، أما إذا كان الوباء عاماً قد أصاب الدولة أو المجتمع أو الكيان أو حتى المناخ العام فعند ذلك يكون السكوت أو غض النظر في عداد الكبائر إن لم نقل أكثر.. فما أصاب العالم من فيروس الكورونا قد أقضّ مضاجع المسؤولين والحكام ملوكاً وأمراء ورؤساء ولم يتساهل به رغم انه قد أدى إلى تعطيل الدولة والمؤسسات والجامعات وسائر المصالح حتى دور العبادة وشمل ذلك الحرمين الشريفين وأخذت معظم الدول قراراً بالاقفال ولازالت تقاوم وتصارع دون تردّد أو مساومة لأن الأمر له علاقة بحياة النّاس وبحياة الدولة والبلاد، ورغم ان الكثير من النّاس لم ترق لهم مثل هذه القرارات لما فيها من آثار سلبية على الاقتصاد وعلى حياة النّاس ومعيشتهم.

لكن إذا كان الداء عائداً أو راجعاً إلى تصدع الكيان وزلزلته وإثارة النعرات الطائفية واشعال فتيل الانفجار والحروب بتقديم مطلق مشروع يعرض أمن الوطن والمواطنين أو ينال السيادة والانتظام العام فذاك ليس من الكبائر فقط وإنما يصب في خانة الجرائم الكبرى وربما الخيانة، وعند ذلك لا بدّ من الكلمة بل لا بدّ من المواقف فالدستور والقوانين لا تخضع للامزجة ولا للمصالح الشخصية والمناطقية ولا المذهبية، والطائف كلف الكثير من الدماء والدماء والحروب والجهود العربية والدولية ولذلك سيبقى عصيّا على كل الأمزجة التي تتمنى تغييره لمصلحتها.

فلبنان علَّته بعض أبنائه وتارة بعضُ أحزابه.. ولبنان مشكلته ليست اقتصادية ولا تعود إلى خال بالوحدة الوطنية، بل ليست راجعة إلى التعدد والتنوع الثقافي والمذهبي والديني أو الطائفي الذي يعتبر ثروة وغنى ونعمة. وإنما تعود إلى أساس الولاء للوطن الذي يفرض علينا واجبات أولها ان لبنان لا تتقدّم عليه مطلق دولة أو بلد في العالم مهما كانت العلاقة مع الخارج فهي ثانيا وثالثا ورابعا.

اما لبنان فأولاً ودائماً فلا مصالح ولا أطماع ولا مطلق علاقة داخلية أو خارجية يجوز ان تتقدّم على ولائنا للوطن. فلبنان واللبنانيون مُنفتحون على العرب والغرب معا وهذا يصب ايجابا لمصلحة لبنان ولكن هذا الانفتاح لا يجوز ان يربطنا بمطلق دولة على حساب الوطن ومصالحه وامنه واستقراره وهذا معنى لبنان أولا.

الولاء للوطن يعني هذا وأكثر.. فمصالح لبنان الداخلية والخارجية، سيادة لبنان.. أمنه.. استقراره.. الإلتزام التام بالانتظام العام وبالقانون والدستور، كل ذلك ثوابت، لا تخدش، ولا تجرج ولا يغض النظر عنها وبالتالي لا تخضع للتفاوض ولا للنقاش إلا في إطار الفهم والتفسير وكشف النقاب.

أما سائر العلاقات الخارجية (الغربية والعربية أو سواها) فينبغي ان تسخر لخدمة لبنان واللبنانيين والولاء للوطن يعني كذلك الحرص على أبنائه أيا كان انتماؤهم السياسي والثقافي بل والديني أو المذهبي والمناطقي، هذا الحرص وهذا التواصل هو الذي نعبّر عنه عادة بالوحدة الوطنية… بين المسلمين والمسيحيين.. وبين المسلمين والمسلمين وبين المسيحيين والمسيحيين سنّة وشيعة وموارنة وروم وكاثوليك وأرمن ومع سائر المذاهب من الدروز والعلويين ودون تردّد.

الوحدة الوطنية بهذا المفهوم وهذا التواصل ليست قدراً فرض علينا لنعيش مع بعضنا وإنما هي خيار له علاقة بالثقافة والفكر المتحضر.. فضلاً عن سماحة وسعة الدين الذي ينتمي كل واحد منا إليه..

فالوحدة الوطنية تكتسب بذلك ممارسة دينية تدل على فهمنا للأديان والإنسان والأخلاق، هكذا ينبغي ان يكون الولاء للوطن واضحاً إلى هذا الحد في معناه وابعاده ومضمونه ومبناه.

والولاء للوطن هو عين السيادة الداخلية التي تصدر من الأفراد تجاه وطنهم، فإيثار المصالح والعلاقات الخارجية على مصلحة لبنان جرح للسيادة وتصدع لها.

الولاء للوطن هو القضية الأم أو الأساس الذي تقف عنده كل الممارسات التي ينبغي ان نتجاوزها بعفوية.. فالرسالة، والوزارة، والحكومة، والنيابة، ومطلق مسؤولية ينبغي ان تكون صناعة داخلية لبنانية بامتياز ولكن ذلك لا يكون ولا يتحقق إلا إذا تحرر الولاء للوطن.. وكان بالتالي لبنان أمنه واستقراره ومصلحته، مقدما عند كل مواطن وخاصة عند المسؤولين على كل شيء..

الولاء للوطن يعني وجود لبنان وحفظ كيانه ونظامه والحرية والوحدة والعدالة اولا وآخراً.. ودائماً الولاء للوطن يعني أن الجميع تحت القانون من رأس الهرم إلى مطلق مواطن، بل ربما كان المسؤولون والرؤساء وحتى المرجعيات مطالبين بالتزام الدستور والقانون أكثر من غيرهم لأنهم حماته والمؤتمنون عليه.

إن الهريان والفوضى وما أصاب من ويلات يعود في تصوري إلى هذا الأساس وإلى هذا الفهم لمعنى الولاء، وإلا فهل يمكن ان يختلف اثنان من العقلاء وأهل الدراية والمسؤولية على فكرة الحياد الإيجابي الذي أعلنه أو ذكّر به اللبنانيين صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال البطريرك الراعي. هذا الأمر البديهي الذي يحفظ الوطن في حدوده وأمنه واقتصاده واستقراره.. ولا أدري لِمَ لَمْ يعم الاحتفال والتأييد سائر المناطق.. من الشمال إلى الجنوب.

ما معنى الحياد.. يعني لبنان أولاً.. نحن لسنا مكلفين ولسنا مسؤولين عن مطلق دولة الا من خلال القانون والدستور ومن خلال تأمين المصلحة والأنفعية لبلدنا (لبنان).

نعم، نحن لا يحق لنا ان نأخذ مطلق موقف لا يعود بالخير لوطننا لبنان، فكيف إذا كان الأمر عكس ذلك كما يحدث هذه الأيام التي تقطعت فيها أواصر العلاقات مع معظم الدول العربية الداعمة لنا، والمساعدة والمؤيدة.

ما علاقة سلاح الحزب باليمن، أو بسوريا أو بالبحرين أو بمطلق بلد وما هي الأنفعية والجزية التي تعود علينا.

من ذا الذي يصدق ان هذا السلاح الذي يصولُ ويجول في الداخل والخارج هو سلاح مقاومة ضد الإرهاب أو لقتال التكفيريين.. هذه دعاوى وشعارات لتبرير مشاريع خارجية ارتبط السلاح بها إن لم نقل قد وُجد من أجلها..

وكم كنت أود أن تلقى دعوة صاحبَ الغبطة والنيافة الكاردينال مار بطرس بشارة الراعي مواقف وصدى على مساحة الوطن باعتبارها تعبّر عن الضمير الوطني والولاء للبنان وما الذي من شأنه ان يحرّك ويفجر المشاعر الوطنية عند عموم اللبنانيين أكثر من ذلك..

تحيةً إليك يا صاحبَ الغبطة.. وألف ألف تحية إلى وطنيتك ولبنانيتك.. أعطيت الموقف الذي يليق بك وبموقعك الذي تمثل وبالصرّح الذي أعطيت مجده وليس هذا غريباً عنكم ولا عن سلفكم بل ولا عن صاحب المئوية الأولى البطريرك حويك فلتتكن أنت بطريرك المئوية الثانية، فالتاريخ لن ينسى، ولبنان لا يحيا إلا بالمواقف المسؤولة الهادئة والهادفة وهذا الذي تتميزون به..

وثقوا يا صاحب الغبطة أن عامّة اللبنانيين يزدادُ أملهم وتقوى ثقتهم بمستقبل وطنهم كلما عبَّرتم عن ضمائرهم وتطلعاتهم..

في الختام، لا بدّ من العودة إلى أساس الهم وأساس المشكلة التي لا بدَّ ان تعالج ضمن مشروع توعوي وطني ربما يحتاج إلى زمن لكن نكون قد بدأنا الحل باستئصال المشكلة والأزمة لا بإدارتها أو تحنيطها..

الوعي الوطني.. ثم الوعي الوطني.. ثم الوعي الوطني.. الولاء للوطن.. ثم الولاء للوطن.. ثم الولاء للوطن.. لبنان أولاً.. ثم لبنان أولاً.. ثم لبنان أولاً.. التعدد والتنوع ثروةٌ ونعمةٌ وغنى من شأنه أن يجعل لبنان وطناً ورسالة.. وأن يكون نموذجاً للسّلم الأهلي والداخلي..

وأن يكون حجرَ الأساس للسّلم العالمي كل ذلك يجعل لبنان سيّداً، وحراً ومستقلاً.

*سماحة الدكتور الشيخ مالك الشعار/مفتي طرابلس والشمال السابق.