كلمة الكولونيل شربل بركات في رثاء ابن عمه الأب اتيان بركات

166

كلمة الكولونيل شربل بركات في رثاء ابن عمه الأب اتيان بركات
21 كانون الأول/2020

ونحن نودعك اليوم، أيها الراحل الكبير ابن العم العزيز الأب اتيان، تذكرت ذلك المقال الذي كنت كتبته عن المرحوم بنوا في ذكرى استشهاده الخمسين سنة 2008، وفيه الكثير من روح المحبة التي حملت ووزعت علينا. وقد كنت أضفت بعضا من ذكريات الطفولة البريئة والحلوة التي أمضيتها في بيت جدي بركات في عين إبل، قبل أن تذهب إلى الدير وتبدأ رحلتك الطويلة في الخدمة العامة. فمن خلال عملك الرهباني واندفاعك للمساعدة الغير المشروطة، استطعت أن تسهم في تخفيف العبء عن الكثيرين، بالامكانيات والوسائل المتاحة، ولكن مع تلك الروح التي نشأت عليها منذ الصغر، في عهدة الوالد المرحوم العم حنا، وفي ذلك البيت الذي حمل هم البلدة، وقد عمل من فيه دوما على زرع بذور الخير والاندفاع في سبيل النجاح. وها أنت تلتحق اليوم بقافلة من سبقك من الأحبة، ولكن بحمل كبير ومضاعف من الوزنات التي أعطاك الرب. فتاجرت بها وربحت محبة الكل وصلاتهم. وها هي ترافقك في رحلتك الأخيرة صوب الحياة الجديدة التي علمتنا أن نعمل من أجلها. فهنيئا لك أيها المسافر الحبيب، ورحمة الله تظللك، ولقاء وجهه المشرق يكون من نصيبك، فقد حملت صليبك بكل فخر وثبات وكان معبرك من دار الفناء هذه إلى دار الخلود…
الأب اتيان
في وداعك ابونا يصعب البوح وتقف الكلمات حائرة، فقد كنت، بسلاسة تعابيرك المحبة تفيض بلاغة وعمقا وقد زينها ايمان عتيق وثقافة واسعة وحضور فعال عند كل مفترق صعب.
أمس الأول عندما أعلمني فادي بأنك لست على ما يرام، مع أني كنت أتابع الاتصال بك دوريا، شعرت وكأن حدثا ما يدور حولنا في فترة الأعياد تلك، وبادرت فورا للاتصال، وتعجبت بأنك جاوبت وكلمتني ولو بصوت خافت. قلت لك لا تجهد نفسك ودعني اتكلم وعندما جاوبتني في نهاية الحديث كان صوتك قد عاد مسموعا وواثقا فاطمأنيت بأنك سوف تجتاز هذه المحنة ايضا وتكمل المشوار، فتستقبل طفل المغارة الآتي مع أجواق الملائكة تنشد السلام، ذلك الحلم الذي تشتاق إليه أرضنا الطيبة وبلدنا الذي أحببت.
أبونا، بالرغم من فرق العمر وبعد المسافات، كنت أكثر من ابن عم وقريب ومرشد، كنت صديقا عزيزا يمكن الحديث معه بكل صراحة وبدون تكلف. وكنت دوما من يعرف أن يصغي ويفهم بسرعة دقائق الأمور وحساسيات العلاقات ومشاكل المجتمع الحديث. وكانت نصائحك مجدية ودقيقة.
ابونا اتيان ابن العم الرياضي والمثل الصالح في علاقاته الاجتماعية والانسانية، الذي طالما وددنا الاقتداء به أو متابعة مساره المنفتح والقادر على استيعاب الكثير من مشاكل العصر وتعدد لا بل اختلاف المفاهيم، أمضى سنين طويلة من عمره في بلاد الانتشار بين بروكسل وليون يخدم اللبنانيين وغيرهم. هو الذي تربى في ظل افواج من الأوروبيين المندفعين لعمل الخير في الأربعينات، صار في الثمانينات أحد هؤلاء الذين ردوا الجميل، وأعادوا زراعة الخير في أوروبا الملحدة، والتي افتقدت بعضا من رحمة الله، وأعادوا إلى الأذهان مرحلة السمعاني والحاقلاني وغيرهم من العلماء الموارنة الذين ساهموا في تنوير أوروبا حتى ساد ذلك المثل الفرنسي المهم : “عالم كماروني” ) Savant comme un Maronite (…
نودعك أبونا ونحن بحاجة لصلواتك ولمثالك في الاقدام والمثابرة، في الانفتاح والتفهم، في زرع الخير اينما حللت ونشر المحبة بين كل البشر فعالمنا يضيع في زحمة المال والشهوة من جهة، والأوبئة والتعنت من جهة أخرى، ولا مجالا للتخفيف من قساوة وصعوبة المرحلة إلا مع ذلك الإيمان العميق المتجذر في النفوس والداعي إلى التحلي بالرجاء وأنتم خير مثال على هذا التعلق والتمسك ونشر الفرح الآتي من نبع الله الفياض مصدر المحبة والخير.
سوف تستقبلك العذراء مع فرح ميلاد ابنها نور العالم وستضمك إلى جماعة الصالحين الذين أعطوا من ذواتهم على مثال الرب بدون منة، ونشروا تعاليمه بكل محبة واخلاص وبدون تعصب وتذمت، فكان الله، عنوان الخير والمحبة، ينوّر بوجوههم وطلتهم وبسمتهم التي تريح كل متعب وتعين كل متألم ليكمل المشوار. وقد تحمّلت في آخر ايامك بعضا من ذلك الألم الذي يغسل النفوس ويحضرها لكي تعبر نحو الخالق نظيفة من كل درن حاضرة لملاقاة وجهه المشرق بكل بهاء.
ونحن واثقون بأن أم النور التي أحبها ابن العم العزيز سوف ترافقه برحلته هذه وتستقبله مع الأخيار والأبرار في جنات النعيم…
تعازينا إلى الرهبنة الأنطونية التي ربت وزرعت أمثال الأب اتيان ليكونوا القدوة في عالم يغلفه الكثير من الحقد والأنانية ويسوده الظلم والتفرقة أحيانا كثيرة فكانوا خير بذرة صالحة أنبتت المحبة والخير وخففت قساوة الأيام على الكثيرين ولا تزال وعلى راسها الأباتي مارون أبو جوده الذي أمضى اياما طويلة بيننا والاب وليد ورهبان الأنطونية هنا في كندا.
وتعزيتنا أيضا إلى أبناء العم وعائلاتهم بيار وساميا وحنان وعائلات جوريف وموريس وليلى وبول وإلى أولاد العم جميعا وخاصة امراة العم نيلي خالة الفقيد أطال الله عمرها وعائلة بركات والعائلة الكبرى عائلة دياب وجميع أهالي عين إبل في الوطن وبلاد الانتشار…
الله يرحمو…