علي الأمين/”قائدنا”.. من الخميني إلى خامنئي إلى سليماني

188

“قائدنا”.. من الخميني إلى خامنئي إلى سليماني
علي الأمين/العرب/03 كانون الثاني/2020

“سليماني قائدنا” هذا ما كتبته عناصر من الحشد الشعبي على جدران السفارة الأميركية في بغداد قبل يومين، وهذه العبارة التي تشكل في جوهرها مفتاح فهم الدور الإيراني وطبيعة نفوذه في المنطقة العربية. من “الخميني قائدنا” إلى “خامنئي قائدنا” وصولا إلى “سليماني قائدنا”، لا يمكن للقيادة الإيرانية أن تقبل بعلاقة نديّة مع أيّ دولة ولا جماعة أو شعب، فالتبعية المطلقة شرط بل مبدأ وركيزة العلاقة التي بنتها على أسس الأيديولوجيا الإيرانية في محيطها العربي والإسلامي، هذا حال العراق ولبنان واليمن ومناطق النفوذ الإيراني المتآكلة في سوريا.

الرد بشعار سليماني قائدنا، بعد قصف الطائرات الأميركية قاعدة تابعة لفصيل حزب الله العراقي في الأنبار، جاء ليؤكد ما ذهب إليه المسؤولون الأميركيون إلى وزارة الخارجية، بأن إيران هي المسؤولة عن أيّ محاولة تصعيد عسكري أو سياسي ضد الوجود الأميركي في العراق، ولم يخف سليماني تظهير أدواته العراقية أمام مدخل السفارة الأميركية القيادي في الحشد أبومهدي المهندس، ومسؤول عصائب أهل الحق قيس الخزعلي ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض ورئيس تحالف الفتح هادي العامري وغيرهم ممن كان نزولهم مع المحتجين، جاء بناء لطلب سليماني نفسه، الذي كان معنيا بأن يستعيد بعضا من معنويات أهدرتها الضربة الأميركية لأتباعه في الحشد الشعبي وتحديدا حزب الله العراقي.

ما كشفه المشهد العراقي أن الإدارة الأميركية ردت على الاستفزاز الإيراني الذي سبق الغارة على الأنبار، بالتلويح بردّ يطال إيران نفسها، وأظهر للقيادة الإيرانية أن واشنطن لن تتساهل في الرد على إيران في حال تعرض جنودها ومصالحها لأيّ أذى في العراق.

وفي المعلومات أن واشنطن التي كانت تقوم بمفاوضة حركة طالبان في أفغانستان بوساطة إيرانية، سحبت ممثليها عشية الضربة التي استهدفت الأنبار وأوقفت المفاوضات، وهي الرسالة التي جعلت إيران تدرك أن واشنطن لن تخضع للتهويل والابتزاز في العراق، وكانت تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطيرة بالنسبة إلى القيادة الإيرانية، عندما اعتبر أن الشعب العراقي أمام فرصة الخلاص من السيطرة الإيرانية اليوم.

ليس الحال مختلفا عمّا هو في لبنان الذي بدأ النفوذ الإيراني فيه يدخل مرحلة جديدة أبرز معالمها الانتفاضة المستمرة في لبنان ضد السلطة التي يشكل حزب الله سلطة الوصاية عليها، ورغم محاولات الحزب تشكيل حكومة جديدة يريد من خلالها إنهاء الانتفاضة، فإن حجم الأزمات التي يعاني منها لبنان، بات من الصعب السير في معالجته دون الخروج من المسار الذي رسمته الوصاية الإيرانية للدولة ونظام علاقاتها القائم على تقويض السيادة اللبنانية لصالح سلطة حزب الله من جهة، وعلى تقويض علاقات لبنان الخارجية الذي جعل لبنان دولة معزولة عن محيطها العربي والدولي من جهة ثانية.

من المتوقع أن يشكل مرشح حزب الله حسان دياب لرئاسة الحكومة، حكومة تعكس نظام المحاصصة المرفوض والذي قامت الانتفاضة لإسقاطه. فالسجالات التي تطفو على السطح بين أطراف الفريق الواحد الذي يشكل الحكومة بإشراف حزب الله، تظهر أمام اللبنانيين أن الخلافات لا تتصل بالرؤى السياسية أو الاقتصادية، بل بالحصص الوزارية لكل حزب وجهة من حلفاء الحزب وأتباعه، وهو ما يدلل على أن فرص الخروج من الأزمات المتوالية غير وارد في حسابات تأليف الحكومة.

عمّق المأزق الذي يعاني منه أركان الطبقة الحاكمة باسم مشروع الممانعة والمقاومة في لبنان، أن هذا المشروع وخطابه يفقدان حضورهما ويؤولان في المشهد اللبناني السياسي والاجتماعي، إلى خطاب مذهبي وطائفي، تتصدره شعارات “استعادة حقوق المسيحيين” و”شيعة شيعة”، ومقاومة باتت في وعي اللبنانيين سلطة أمنية ترعى الفساد وتحميه، وفي أحسن الأحوال سلطة استقواء طائفي ومذهبي، غايتها السلطة ورهن الدولة للخارج.

وكما انكفأ خطاب الإعمار باغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، لصالح مشروع إيراني مُقنّع بالمقاومة والممانعة، فإن لبنان اليوم أمام مشهد انهيار هذا المشروع بعدما فقد القدرة على الإجابة على أسئلة الدولة في السياسة والاقتصاد والإدارة، وتحوّل إلى مجرد قوة عسكرية أمنية تحسن البطش والتهويل والترهيب، بعدما فقدت القدرة على الدخول في مغامرة الحروب وصفقاتها سواء مع إسرائيل أو الإرهاب.

هذا ما التقطته الانتفاضة اللبنانية التي أدركت اللحظة التاريخية التي كان لبنان فيها ولا يزال في حالة من اللاتوازن الإستراتيجي، سواء في النظر إلى وظيفته السياسية وما يتبعها في الاقتصاد والاجتماع. الانتفاضة أعادت الاعتبار لخطاب جديد من معالمه دولة المواطنة والدولة المدنية مقابل سلطة المحاصصة والفساد، والانفتاح والتفاعل مع العالم العربي والعالم، في مقابل العزلة العربية والدولية، والتشبث بالدولة الوطنية مقابل مشاريع تحالف الأقليات وإعلاء الهوية الطائفية أو الدينية على الهوية الوطنية.

هي بالتأكيد لا تشكل في مجملها خطابا متكاملا ليملأ فراغ خطابي المقاومة والإعمار، لكنه فضح خطاب المقاومة الذي كشف عن مشروع غايته حماية الخلل في بنيان النظام والدولة وتعميقه، بمقولة التوافق التي تعني لدى اللبنانيين اليوم المحاصصة والفساد وتجاوز القانون، وكشف عن وظيفة السلاح، الذي يحمي نظام الفساد القائم ويستظل بالمذهبية.
التحدي المطروح أمام الانتفاضة، هو إعادة بلورة الوظيفة والمشروع للبنان الدولة والوطن في محيطه وفي العالم وعلى مستوى الحياة السياسية والاقتصادية، لذا فهي تدرك أن هذه المهمة التاريخية والتي فجرتها انتفاضة 17 أكتوبر، لن تتحقق خلال أشهر، وإن أنجزت الكثير خلال أقل من 80 يوما، على مستوى تشكل وعي وطني لبناني غير مسبوق، في الشرخ الذي توسع بين السلطة والشعب، وفي فرض شروطها على أيّ دور دولي لمساعدة لبنان ماليا واقتصاديا، وفي تحديد وجهة التغيير في مفهوم السلطة والشأن العام.

على وقع هذه التحولات تبدو واشنطن مستمرة في عملية تطويع إيران وإضعاف نفوذها الإقليمي، ففي لبنان كما العراق لم يعد أمام الأيديولوجيا الإيرانية غير الدفاع عن الأنظمة التي فقدت الكثير من شرعيتها الشعبية ولا تزال، وها هي تفقد سطوة خطاب المقاومة بعدما حولته إلى مجرد خطاب سلطة يستقوي على الداخل ويلتزم بالخطوط الحمر التي وضعها الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر من سفارة واشنطن في بغداد إلى حدود إسرائيل من لبنان إلى الجولان.