الكولونيل شربل بركات: هل يعد النظام الإيراني العدة للحرب؟

103

هل يعد النظام الإيراني العدة للحرب؟…
الكولونيل شربل بركات/15 تموز/2019

التصعيد الجاري حول الوضع في الخليج وخاصة من الجانب الإيراني لا يزال يشغل العالم اليوم. وما قلناه في تعليقنا على الأحداث أصبح موقفا يجاهر به الكثير من المحللين السياسيين. فالعقوبات الأمريكية على إيران تتشدد وتتزايد حتى وصلت إلى أركان النظام، وخاصة رأس الهرم الامام خامنئي، ما يعتبر تحديا كبيرا لهؤلاء. اضافة إلى ذلك قامت بريطانيا مؤخرا بتوقيف ناقلة نفط إيرانية عملاقة في مضيق جبل طارق كانت قادمة نحو سوريا بعد أن دارت حول راس الرجاء الصالح. وقد اعتبرت خطوة جديدة من الضغوط تزاد على ما سبق، ولو أنها في العلن تطبيقا للعقوبات الأوروبية ضد نظام الأسد لا ايران. فهل كل هذا سيدفع بالنظام الإيراني إلى الرضوخ للضغوط؟ أم انه سوف يهرب إلى الأمام ويقوم باعتداءات ستجر عليه ضربة عسكرية، ولو محدودة، تؤدي إلى الرضوخ القسري؟ أو أقله التخلي عن كل رسائل التشاوف وأعمال الغطرسة والعودة إلى خيار التفاوض القابل بالشروط الأمريكية؟..

العالم الذي يتفاهم حول العلاقات الاقتصادية والذي يبدو وكأنه قد أسقط وسائل الحرب ويسير نحو نوع من التفاهم وتوزيع الثروات بقيادة مجموعة العشرين التي تجتمع دوريا لبحث أماكن التعاون وتنظيم التنافس بين الدول بشكل أفضل لا يؤدي إلى الأزمات الكبرى والتي تجر الصراعات والحروب، لم يعد بامكانه غض الطرف عن الاندفاع الإيراني عبر الحدود ومحاولته العودة إلى زمن التوسع على حساب الآخرين. من هنا فقد أعطيت إيران عدة فرص لتعود إلى النظام العالمي الجديد من الباب الواسع وتدخل ضمن مجموعة الدول المتعاونة على الانتاج والتبادل بشكل مقبول ضمن أطر النظام العالمي. ولكن قيادتها اختارت طريقا يتصادم مع التفاهم العالمي الحالي. وقد كان الاتحاد السوفياتي اضطر إلى الانحلال لأن شعاراته وطروحاته تجاوزها الزمن. فقامت روسيا الاتحادية لتصبح أحد أركان هذا النظام. ومن ثم دخلت الصين الشيوعية، والتي يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة، بكل ثقلها الاقتصادي وبدون عقد لتصبح واحدة من أهم اللاعبين. كما التحقت الهند، التي توازيها بعدد السكان، بالقافلة لتستقطب رؤوس أموال ومشاريع انتاجية لشعوبها وتكون شريكا فاعلا في هذا النظام. فيما تشارك دولا مثل اندونيسيا والعربية السعودية وجنوب افريقيا وتركيا، وربما مصر، وأغلبية الدول الفاعلة في القارتين الأميركية والأوروبية اضافة إلى استراليا واليابان وكوريا. بينما تقف إيران وحدها مجترة أفكار ومشاريع بقدم الأمبراطوريات البائدة وتحلم بالسيطرة على شعوب ومقدرات وهي لم تقدّم لشعبها بعد مصفاة نفط أو اكتفاء ذاتيا بالحاجات اليومية. وبدل ذلك تسعى إلى تطوير الطاقة النووية للوصول إلى امتلاك الأسلحة الفتاكة وانشاء خلايا ارهابية في الدول من حولها معتبرة بأنها الطريق لفرض تطلعاتها لمستقبل تكون فيه قوة قاهرة تفرض الخوة على المنتجين وتتمتع بالخير الذي يعمل له غيرها. من غير المقبول إذا على العالم أجمع أن يماشي التعنت الإيراني أو يسكت عنه. وهو لن يقبل بأقل من كف يد الطغمة الحاكمة وأذنابها عن التلاعب بمصير شعوب المنطقة وتأثيراتها حول العالم. ولذا فإن الوضع لا بد إلى تصعيد ستتولاه إيران نفسها، وسيؤدي بدون شك إلى التخلص من الداء الذي يتحكم بالشعب الإيراني لتنتقل إيران إلى مرحلة التفاهم والتعاون مع العالم، بدءً بجيرانها، من أجل زيادة الانتاجية والتأقلم مع التنافس الصحي الذي يحرّك الأسواق العالمية إيجابيا. فموقع إيران وخيراتها وخبرات بنيها في البازار هي خصائص يحتاج لها تقدم شعوب المنطقة. لا تلك الشعارات الفارغة والتعبئة التي مر عليها الزمن وتجاوزتها أسس القرية العالمية وبديهياتها.

الحرس الثوري في إيران الذي يقود البلاد بالتنسيق مع الامام خامنئي لا يزال يعبئ ويحشد الطاقات منتظرا أن يلتهي الرئيس ترامب بالحملة الانتخابية ويتركه يفاخر بنصر جديد على العالم الحر ويتشاوف بقربه من امتلاك القدرة النووية الرادعة من جهة والقاهرة من جهة أخرى. ولكن الغطرسة لا بد أن تؤدي به إلى
خطوة ناقصة ستجعله يسرّع مصيره المحتوم. وها هي القوة البحرية العالمية لحماية حرية الملاحة في مياه الخليج بدأت بالتجمع، خاصة بعد أن حاولت بعض زوارق الحرس الثوري اختطاف ناقلة نفط بريطانية الأسبوع الماضي ما اضطر البحرية البريطانية إلى التدخل لمنعها وابعادها. ومن جانب آخر عاد مبعوث
الرئيس الفرنسي خاوي اليدين من طهران بعد زيارة دامت ثلاثة ايام لاقناع الرئيس روحاني والقيادة الإيرانية بالالتزام بنقاط الاتفاق النووي والتي قررت إيران مؤخرا تجاوزها برفع مستوى التخصيب.

الادارة الأميركية عازمة على المضي في زيادة العقوبات والتي قد تطال هذه المرة يوميات المواطن الايراني في محاولة أخيرة للضغط، بينما تحاول تجهيز قوة دولية لحماية حرية الملاحة في الخليج ما قد يعطل جزئيا محاولات الحرس الثوري للقيام بأعمال عدوانية لمنع الحركة التجارية هناك. فهل سيرضخ الإيرانيون ويقبلوا بالجلوس إلى طاولة المفاوضات بالشروط الأمريكية؟ أم أنهم سيذهبون إلى المواجهة والتي قد تصبح شيئا فشيئا مواجهة دولية؟

الأيام القادمة لا شك دقيقة وكل خطوة فيها يجب أن تكون محسوبة من قبل كل الأطراف ولكن مصير تحكّم الحرس الثوري بمقدرات إيران الدولة أصبحت على المحك. وفي كلا الحالتين ستقلل هذه المواجهة من خطط المجموعة الثورية التي تقود النظام في طهران والتي تعتمد على نظرية هجومية استغلت غياب القوى العالمية الكبرى عن الساحة فخالت نفسها وحيدة في فرض القرارات وسياسات الأمر الواقع. أما بعد هذه العقوبات والمواجهات فإن الأمور ستتحرك بالاتجاه المعاكس لسياسة التفرد بالخطط التوسعية ومشاريع مد اليد والتدخل في شؤون الدول. فهل سيفيق العالم على تغيير في السلوك الإيراني؟ أم سيصحو على تغيير في القيادة الإيرانية نفسها؟ أم إن الهرب إلى المواجهة سيبقى الفرصة الوحيدة لماء الوجه؟ ولكن كيف ستكون عواقبها والنتائج المترتبة على قرارات المواجهة تلك؟…