منير الربيع:السعودية تتوسط بين الحريري وبري/حسان الزين: بري أقوى من عون

138

السعودية تتوسط بين الحريري وبري
منير الربيع/المدن/الجمعة 28/10/2016

ماذا وراء زيارة الموفد السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان إلى لبنان في هذا التوقيت؟ كثرت الأسئلة والاحتمالات والتكهنات حول الزيارة، خصوصاً أنها الأولى من نوعها منذ قررت المملكة العربية السعودية اتخاذ إجراءات عقابية بحق لبنان بسبب مواقف حزب الله. هل تعني الزيارة عودة السعودية إلى لبنان من البوابة العريضة، أي بوابة التسوية وإنجاز الاستحقاق الرئاسي ومباركة إنطلاقة العهد؟ الاحتمال قائم، خصوصاً أن المقربين من الرئيس سعد الحريري يعتبرون أن اللقاءات التي سيجريها السبهان ستتركز على مباركة أي مبادرة تُخرج لبنان من أزمته وتؤدي إلى التوافق بين الأفرقاء.

ووفق قراءة المستقبليين، فإن هدف الزيارة هو إعطاء الحريري دفعاً معنوياً، بعد فترة طويلة سادتها أجواء تشي بسوء العلاقة مع الرياض. ويعتبر المتفائلون بعودة المياه إلى مجاريها مع المملكة، أن السعودية لا تريد أن يكون الحريري وحيداً في هذه المبادرة، بل تريد إلتفاف أوسع فئة من اللبنانيين حوله. وثمة من يذهب أبعد من ذلك، إلى حد وضع السبهان في موقع العامل على خطّ الوساطات، ولاسيما بين الحريري والرئيس نبيه برّي، لضمان بداية عهد سلس يكفل فيه الحريري تشكيل الحكومة بشكل هادئ وبلا أي تحفّظات، عبر إقناع برّي بالسير في التسوية كي لا يفقد الحريري الميثاقية.

لا يحمّل السبهان الزيارة أوجه التكهنات اللبنانية. ببساطة يعبّر عن جوهر جولته وهدفها، وفق ما ينقل عنه من التقاه، بأن السعودية مازالت على موقفها الداعم للبنان الدولة وتفعيل المؤسسات، وإبعاده عن المحاور والتجاذبات الإقليمية، والحرص على العلاقة الجيدة مع الشعب اللبناني. وفيما يتجنب البعض اعتبار الزيارة تدخلاً في الشأن اللبناني، ثمة من يشير إلى أن السبهان أكد حرص المملكة على إعادة العلاقات مع لبنان إلى سابق عهدها. والنقطة الأهم أنها ستدعم الرئيس الذي يتّفق عليه اللبنانيون.

هذا الكلام، يطمئن الحريري والدائرة المحيطة به، بل أكثر من ذلك، سيعزّز موقفه الانتخابي في جلسة الإثنين، إذ إنه من المفترض أن يؤثر على المعترضين على هذه التسوية، وبالتالي سينخفض عدد أعضاء كتلة المستقبل الرافضين انتخاب عون. وفي مقابل وجهة نظر المستقبل هذه، تعتبر أطراف أخرى أن الزيارة تأتي في ختام مبادرة تأخذ طريقها إلى النجاح تقدّم بها الحريري وسط صمت سعودي ثقيل، لكنها الآن تأتي بعد التأكد من نجاح المبادرة وقبول الجميع بها. وبالتالي، إشارة سعودية إلى العودة من الباب العريض، وبأنها مازالت موجودة في لبنان وقادرة على التأثير وصنع المبادرات والحلول.

ورغم كثرة المواقف التي تشير إلى أن إنجاز الاستحقاق سيكون بنكهة لبنانية مئة في المئة، وبلا أي تدخّل خارجي، ثمة من يرفض التوقف عند هذا الكلام، معتبراً أن لحظة المبادرة وإعلانها وكيفية نسجها، جاءت في ظروف إقليمية مؤاتية، خصوصاً أن الوضع اللبناني ارتبط بالوضع اليمني وفق نظرية الرئيس نبيه برّي التي أعلنها قبل أشهر. وبالتالي، تم فصله عن الملفين السوري والعراقي، وما إن لاحت مبادرة الحوار ووقف النار في اليمن في الأفق، بدأت تلاويح التسوية اللبنانية بالظهور. وبالتالي، استفاد لبنان من هذا الحراك الدولي المنصب على اليمن، لسد الشغور. مع الإشارة إلى الجولة الخارجية التي قام بها الحريري، بالإضافة إلى الحراك الديبلوماسي الذي شهده لبنان مؤخراً، منذ زيارة رئيس دائرة أفريقيا والشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية جيروم بونافون، وحراك السفراء والمنسقة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ في لبنان وخارجه خصوصاً الزيارة التي قامت بها إلى كل من الرياض وطهران.

 

saudia.thamer sabhan0

بري أقوى من عون
حسان الزين/المدن/الجمعة 28/10/2016
ليست أعمال “العنف الأسري” التي مارسها سائقون من اتحاد النقل البري برئاسة بسام طليس (حركة أمل) ضد زملاء لهم لم يشاركوا في إضراب الخميس، 27 تشرين الأول، هي الدليل على أن التحرك في الشارع سياسي وليس نقابيّاً. فهذه السلوكيات تحصل في الاستحقاقات النقابية. ويزيد من احتمالات وقوعها أن غالبية السائقين في لبنان ليست على علاقة بالنقابات. وهناك شعور لدى فئات واسعة منهم بأن النقابات تلك سياسيّة وحزبيّة ولا تقدّم شيئاً لهم ولا تناضل لأجلهم بل “تتذكّرهم” في الاستحقاقات السياسيّة، ومنها التحرّك الحالي، فتدعوهم إلى وقف العمل والإنضمام إلى تحرّكها، وبالتالي “خسارة” رزق يومهم.
الدلائل على سياسيّة التحرّك “النقابي” تكمن في توقيته وفي هويّة النقابات المتحرّكة وفي أهدافه، الظاهر منها والخفي على حد سواء، وهي تبدأ بالمطالبة بوقف “صفقة” الميكانيك ولا تنتهي بسعي جهات سياسيّة للحصول على تلك الصفقة الرابحة من بين صفقات المحاصصة والفساد التي تُمرّر. ولعل “النضال” السياسي- النقابي يندرج في إطار “الحرص” على استمرارها في العهد الجديد.
ومن الإشارات السياسية للتحرّك النقابي أن تيار الرئيس المقبل للجمهورية، ميشال عون، لا “يمتلك” نقابات. فهو ولد في زمن تفتيت النقابات وإمساك الوصي السوري وقواه السياسية المحليّة بهذه الورقة. والبيئات الاجتماعيّة التي خاطبها التيار ضعيفة الصلة بالعمل النقابي. فالفئات الأولى التي شكّلت التيار هي من طلاب الجامعات والمدارس ومن أنصار الدولة والجيش حيث هناك حساسيّة تجاه النقابات “المخرِّبة”. وحين تأسس التيار كان العمل النقابي ميتاً ولا حاجة إليه لدى القوى السياسية، إذ إن العناوين السياسية مذهبيّة وزعامتية تتجاهل البعد الاجتماعي الذي أخفقت الغالبية العظمى من النقابات في الحفاظ عليه. ما جعل التيار الذي تدرّجت قيادته وسياسته من “الخطاب الوطني” إلى سيطرة رجال الأعمال وثقافة الخصخصة عليه، لا يكترث بهذا النوع النضالي.
هكذا، يبدو الاستعمال السياسي للورقة النقابيّة حشراً للتيار و”أبيه الروحي” ورئيسه، وإنذاراً مبكراً من خلال إبراز إحدى أوراق “المعارضة” التي يمكن أن تُلعب في عهد “الأب” ميشال عون. ورغم احتمال أن تكون تلك الورقة مؤقتة قد تسقط الحاجة إليها في الأيام المقبلة، إلا أنّها تبقى رابحة لكونها تنتمي إلى “المعارضة” التي أعلن رئيس مجلس النواب، رئيس حركة أمل، نبيه بري أنه انتقل إليها. فهو قادر دائماً، كما في التحرّك الحالي، على استعمالها في وجه “العهد الجديد” الذي لا يملك وتيّاره مثلها، وقد بات هو الجهة الرسميّة التي تعارضها النقابات تلك وتتحرّك ضدها.
عليه، يبدو أنَّ بري أقوى من عون المكبّل بالرئاسة وتحالفات العهد. والأنكى من ذلك أن بري لا يستخدم سلاحه الثقيل إنّما يناور في ورقة من رصيده المهمل والمنسي. وهذا أحد مؤشرات التوازنات الداخليّة والأحجام والطاقات في السنوات المقبلة.