أسعد حيدر: إيران رفسنجاني ـ روحاني غير إيران خامنئي/خيرالله خيرالله: بوتين وفن التعاطي مع أوباما

246

إيران رفسنجاني ـ روحاني غير إيران خامنئي
أسعد حيدر/المستقبل/08 نيسان/16

الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية في ايران، التي ستُجرى في نهاية نيسان الجاري، لن تشهد مواجهة حادة ولا تصعيداً في المنافسة. لائحة «أوميد» (الأمل) التي تعود الى الجبهة المشكّلة بقيادة الرؤساء: هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني ومحمد خاتمي والتي انضم إليها علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى بعد انفصاله عن المحافظين المتشددين، ضمنت الفوز فيها. الفائزون سيشكلون «فائض قوة» للجبهة. التنافس في الدورة الثانية محدود لأنه بين مرشحَين. التقديرات الجدية تؤشر الى ضمان «أوميد» فوز 40 مرشحاً، وأنها ستتنافس على 29 مقعداً. لائحة «أوميد»، فازت في الدورة الأولى بالأغلبية المطلقة. «الحرس الثوري» والمحافظون المتشددون لم يحصلوا على أكثر من 50 مقعداً في حين كانوا يمسكون بالأغلبية المطلقة. يؤكد مصدر إيراني وطني ملتزم الإصلاح والديموقراطية، أن «زمن الملا- العسكر، قد شارف نهايته». المقصود بذلك أن المعممين الذين مروا على الحوزات ليضعوا العمامة ثم انخرطوا في الأمن والعسكر، قد تراجع موقعهم. هناك وقائع كثيرة على «تعب المجتمع المدني من دورهم ومواقعهم طوال العقود الثلاثة الماضية». ضمور حصة «الملا الحرس» في مجلس الشورى برز في فوز لائحة «أوميد» في كل المدن التي يزيد عدد سكانها على 200 ألف نسمة. طهران، المثال الصارخ، لائحة «أوميد» فاز منها 30 مرشحاً على 30 «فأنجبت» «أخوات» لها كثيرة. المفاجأة الكبرى كانت في أصفهان، التي تُعرف بمدينة «القرار والرجال». لأصفهان ستة مقاعد. الفائز الأول والكبير هو «فولادكار» وهو إصلاحي معروف. «سالك»، نائب أصفهان منذ 12 سنة وهو ممثل المرشد خامنئي منذ سنوات والحرس، جاء ترتيبه الخامس.
تبقى المفاجأة الكبيرة أن سيدتين فازتا بالموقعين الثالث والرابع، علماً أن السيدة خالقي في سن الـ27 من عمرها. ضحايا حملة الأسيد من فتيات أصفهان، ضخت «القوة» و«الأمل» في لائحة «الأمل». الى جانب ذلك فإن الرئيس محمد خاتمي أثبت أنه «رجل التكتيك والتواصل البارع«. لقد جرى توجيه 27 مليون رسالة نصية الى الناخبين في كل المدن بأسماء مرشحي لائحة «أوميد»، لأن اللوائح لا توزع مطبوعة في مراكز الاقتراع. وشكلت الفتيات والشباب صلة الوصل مع الناخبين الذين لا يعرفون المرشحين، حيث كانت كلمة «السر» «أوميد».أما في «مجلس الخبراء»، فقد أثبت رفسنجاني، رغم كل الحرب التي شُنّت ضده، أنه ما زال «الفيل» الذي لا يوازيه ولا يواجهه أي «بيدق« أو «مجنون». لم يحصل رفسنجاني على الأغلبية المطلقة، لكنه جعل المعارضين له و«المحافظين المتشددين« «جنوداً بلا جنرالات»، ومن أبرز هؤلاء مصباح يزدي الطامح لخلافة المرشد والمدعوم منه الى درجة تأسف خامنئي علناً لخسارته.
الى جانب ذلك، فإن كتلة «الحرس الثوري» داخل المجلس لم تحصل الا على 20 «خبيراً« بينما كانت تمسك بالقرار في المجلس السابق. الامتحان الأول الذي سيواجهه خامنئي هو في انتخابات رئاسة المجلس. السؤال الكبير: هل يترشح رفسنجاني أم يتمهل للمعركة الكبرى وهي خلافة خامنئي؟. في طهران يقال علناً إن المسألة أصبحت في يد القضاء والقدر. إذا كان رفسنجاني حياً عند غياب خامنئي فإنه سيكون المرشد أما اذا لم يكن أو متعباً فإن حسن روحاني هو الخليفة وهو المرشد القادم.
رفسنجاني الذي قاد معركة انتخاب خامنئي خليفة للإمام الخميني، قادر بعد كل هذه السنوات على أن يقود معركة انتخاب الخليفة القادم بسهولة أكبر وبراعة أقوى.. ويربحها.
فوز لائحة «الأمل» بالأغلبية المطلقة في مجلس الشورى، يمنح الرئيس روحاني «راحة نفسية وسياسية واقتصادية واسعة». خلال 16 شهراً، وهي الفترة المتبقية لروحاني في رئاسة الجمهورية، يستطيع أن يضمن تعاون المجلس حتى لو كان برئاسة علي لاريجاني، وبالتالي تمرير كل مشاريعه الاقتصادية التي توفر مصداقية الوفاء بوعوده بالنمو الاقتصادي مما سيؤهله للفوز بالرئاسة بدورة ثانية من دون منافسة حقيقية. الرئيس روحاني، الذي بدأ يشعر بالقوة نتيجة لفوز «الخيار الشعبي»، والمساندة الصلبة له من رفسنجاني وخاتمي، يعمل على ترجمة قوته في تصليب قرارات الدولة على باقي مراكز القرار. لا يدخل روحاني، الذي يثبت يوماً بعد يوم أنه «رجل دولة يعرف بعمق مفاتيح إدارتها»، في مواجهة «كسر عظم» مع المرشد. القرار الأخير الذي أعلن تكليف اللواء 65 من الجيش النظامي بالتدخل المباشر في سوريا، جزء من هذا التحول.
يقول روحاني بهذا لقيادة «الحرس الثوري»، «إن القرارات المتعلقة بأمن إيران وبعلاقاتها الخارجية من اختصاص الدولة». إن زمن إرسال قوات الى سوريا وغيرها من دون العودة الى الدولة وسلطاتها دخل مرحلة انسياب ساعة «الرمل» الى نهايتها.
الجنرال محمد جعفري قائد «الحرس الثوري» الباحث عن موقع بعد تقاعده، اعترف بطريقة غير مباشرة بعمق التحولات السياسية الجارية في البلاد، إذ قال: «ان التيار الجديد المؤيد للغرب يضم عناصر التسلل الأميركي، والأفكار المنافية للثورة الإسلامية لن تدوم…» ما أكده «الخيار الشعبي» أن خياراته التي فوضها الى رفسنجاني روحاني وخاتمي ستدوم وتتطور مع المواجهات… إيران القادمة بالتأكيد ليست إيران اليوم.

 

بوتين وفن التعاطي مع أوباما
خيرالله خيرالله/المستقبل/08 نيسان/16

بات ثابتاً انه صار لروسيا الكلمة الفصل في سوريا. هذا الوضع ليس عائداً الى قوّة روسيا ونفوذها، بمقدار ما انّه عائد الى فراغ استطاعت روسيا – فلاديمير بوتين شغله بالسياسة والسلاح في آن. لم يعد نظام الأسد سوى ورقة مساومة لدى الرئيس بوتين الذي عرف كيف يستغلّ الى حدّ كبير رغبة باراك اوباما في الابتعاد عن الشرق الاوسط ومشكلاته وازماته. يقدّم غاري كاسباروف، بطل العالم السابق في الشطرنج والمعارض الحالي لبوتين في كتابه «الشتاء قادم»، شرحاً مفصلاً، بالتفاصيل المملّة، لشخصية الرئيس الروسي الذي اقام نظاماً قويّاً يتحكّم بأدق تفاصيله وذلك منذ خلف بوريس يلتسن في العام 2000.
يعطي الكتاب فكرة عن قدرة بوتين على المناورة. صحيح ان الجزء الاكبر منه مخصص لانتقاد الرئيس الروسي، الضابط السابق في الاستخبارات السوفياتية، إلّا أن الصحيح أيضاً أنّ الكتاب يوفّر تحليلاً دقيقاً، من المفيد لكل متابع للسياسة الروسية قراءته بتمعّن. يتهم كاسباروف بوتين بأنه اعاد روسيا الى ما كانت عليه ابان الحرب الباردة، وهو يشير صراحة الى انه لم يكن ممكناً اعادة روسيا الى حقبة الاتحاد السوفياتي لولا التراخي الغربي الذي بدأ في عهد جورج بوش الابن، ان بحياء وخفر، واستمر في عهد باراك اوباما بشكل مفضوح. تكمن البراعة السياسية لبوتين في قدرته على الاستفادة من اي نقطة ضعف لدى خصومه.
عندما وجد ان الولايات المتحدة لن تردّ عليه في اوكرانيا، كما لن تردّ على اعادة ضمّ جزيرة القرم الى روسيا، لم يتردّد في التدخل في سوريا. وجد طريق التدخل العسكري خارج الحدود الروسية مفروشاً بالورود، خصوصاً أن اوروبا منقسمة على نفسها ومنشغلة بأوضاعها الداخلية وليس لديها موقف موحّد من سياسة الكرملين وطموحاته. وصل الامر ببوتين الى إنقاذ نظام بشّار الاسد عندما بلغ مرحلة «الموت السريري» في ايلول/سبتمبر الماضي. ارسل وقتذاك طائرات وقوات وخبراء الى الساحل السوري الذي صار بمثابة منطقة تقع تحت الحماية الروسية، وهو ما رحّب به العلويون من اهل الساحل الذين يتخوفون من الوقوع تحت سطوة ايران. هؤلاء العلويون، وبينهم موالون للنظام، يتحدّثون الآن عن السيادة الوطنية والدفاع عنها، لم يعد يهمّهم شيء غير تفادي حصول مجزرة تبيد الطائفة التي تشكل نسبة اثني عشر بالمئة من السكان والتي تحكم البلد منذ العام 1970 بشكل مكشوف، ومنذ 1966 بشكل مبطن… او باطني، على الاصحّ.
ثمّة نقطة تحوّل في العلاقة بين روسيا وسوريا ما بعد الثورة الشعبية على النظام العلوي الذي اتخذ شكل النظام العائلي اكثر فاكثر منذ ورث بشّار الاسد سوريا عن والده. كانت نقطة التحوّل هذه في آب/ اغسطس من العام 2013، عندما استخدم بشّار الاسد السلاح الكيميائي ضدّ شعبه. حصل ذلك بعدما كان الرئيس باراك اوباما اعلن ان مثل هذه الجريمة تعتبر «خطاً احمر». تبيّن بكل بساطة ان الاحمر هو اللون الوحيد الذي لا تراه عينا اوباما. التقط بوتين اهمّية اللحظة واهمية تردد اوباما وتراجعه عن مواقفه المعلنة. فأميركا في عهد اوباما ليست دولة تحترم كلمتها… اذ لا يهمّها امتلاك صدقية من اي نوع في العالم باستثناء مع ايران! درس بوتين شخصية اوباما بدقّة. قدّم له مخرجاً لقضية مخزون السلاح الكيميائي السوري الذي يهمّ اسرائيل. نُقل هذا المخزون الى خارج الاراضي السورية لمعالجته. في الوقت ذاته، نشر الرئيس الروسي مقالاً في «نيويورك تايمز» يقدّم فيه نفسه كرجل سلام يحارب الارهاب بكل أنواعه ويبحث ايضاً عن حلول للأزمات العالمية، بما في ذلك الازمة السورية.
عندما يتفرّج اوباما على عملية الذبح الممنهجة للشعب السوري بواسطة البراميل المتفجرة وشبيحة النظام والميليشيات المذهبية اللبنانية والعراقية والافغانية التي تعمل لدى ايران، هل من يستغرب ذهاب بوتين الى الحدّ الذي ذهب اليه في سوريا؟ بعد ما يزيد على ستة اشهر مضت على التدخل العسكري الروسي في سوريا، يبدو ان روسيا باتت في مواجهة الواقع المتمثل في ان لا حلّ عسكرياً في المواجهة مع الشعب السوري. هناك ثورة شعبية حقيقية في سوريا. هذا كلّ ما في الامر. لا يمكن إلغاء شعب بكامله، لا لشيء سوى لانه يرفض ان يكون افراده عبيداً في خدمة عائلة معيّنة.
نجحت روسيا نسبياً بتحويل بشّار ورقة في يدها، وذلك من دون الاستهانة بالنفوذ الايراني الذي يفرض تنسيقاً بين وقت وآخر، بين طهران وموسكو. لكنّ الجديد هو أنّ بوتين، الذي يعرف تماماً فنّ التعاطي مع ادارة اوباما وحدود ما تستطيع ان تفعله، بات في ما يبدو مقتنعاً بان لا مفرّ في نهاية المطاف من حلّ سياسي. لعلّ اكثر ما يقتنع به الرئيس الروسي ان لا جدوى منّ استمرار الوجود العسكري في سوريا في غياب النتائج السياسية الملموسة. لا يمكن ان تكون هناك اي نتائج سياسية ملموسة، من ايّ نوع، في ظلّ وجود بشّار الاسد في دمشق. في مرحلة معيّنة، مثل المرحلة الراهنة، لا يعود من مجال للتذاكي. لن يقبل اي سوري ببقاء بشّار الاسد من جهة، فيما هناك كل الاسباب التي تدعو روسيا الى تفادي حرب استزاف لقواتها في سوريا من جهة اخرى. بكلام اوضح، ليس في استطاعة موسكو تحمّل مثل هذه الحرب في ظلّ هشاشة الاقتصاد الروسي والمشكلات العميقة التي يعاني منها المجتمع على كلّ المستويات. يكفي ما اوردته مجلة «ايكونوميست» المحترمة عن معدل راتب الفرد في روسيا الذي هبط بين العامين 2014 و2015 من ثمانمئة وخمسين دولاراً الى أربعمئة وخمسين دولاراً. مهما سجّل الرئيس الروسي من نقاط على اوباما، ومهما استفاد من ابتعاد الرئيس الاميركي عن الشرق الاوسط وعن اوكرانيا، يظلّ ان بوتين لا يستطيع الابتعاد الى الابد من الواقع الروسي. هذا الواقع سيدفعه عاجلاً ام آجلاً الى اعادة جيشه الى البلد والى معالجة مشكلات روسيا التي لا يمكن الّا ان تتفاقم في غياب ارتفاع سعر النفط والغاز. تعود مشكلة روسيا أساساً الى أنهّا لم تستطع ايجاد بديل من الاعتماد على الدخل الآتي من النفط والغاز. والى اشعار آخر، لا مفرّ من إيجاد تفاهم مع دول أخرى منتجة للنفط في حال كان مطلوباً رفع السعر. من سوء حظ بوتين أن لا استجابة لأي جهد يبذله من اجل رفع سعر النفط في غياب قبوله بأنّ لا مكان لبشّار الاسد في سوريا الغد. متى سينفّذ المطلوب منه مستوعباً انّ للحل السياسي، الذي يؤمن به، شروطه المعروفة في مقدّمها الاعتراف بان النظام انتهى وان في الامكان ايجاد شخصية اخرى تحلّ مكان بشّار من دون ان تثير ايران، الى حدّ ما، طبعاً…