الدكتورة منى فياض: الإرهاب بين العلم والتكنولوجيا والمعرفة/عبد الرحمن الراشد: المفتاح السوري في الخليج/أحمد محمود عجاج: ماذا ربحت إيران باتفاقها النووي وماذا عن السعودية

287

الإرهاب بين العلم والتكنولوجيا والمعرفة
الدكتورة منى فياض/العرب/27 كتنون الثاني/16

قرأت مؤخرا مقالة بعنوان “علميون ولكن إرهابيون”. بمناسبة الهجوم الإرهابي الأخير في كاليفورنيا يعبر كاتبها عن دهشته من أن يكون من قاما بها من ذوي التخصصات العلمية الرفيعة. ويلاحظ عن حق أن معظم من ينفذون عمليات إرهابية ومن ينتمون للفكر الأصولي عموما، هم مهندسون وأطباء وفيزيائيون ومختصون في المعلوماتية. هل حقا من المثير للاستغراب أن يكونوا تقنيين ومن ذوي الاختصاصات العلمية؟ أصل المشكلة يكمن في أن مجتمعاتنا لا تقدّر العلوم الإنسانية من أدب وفلسفة وفنون وتعتبرها من الدرجة الثانية بينما تقدس العلوم البحتة. استمعت مرة إلى مدير إحدى أنجح الثانويات يشدد على أهمية العلوم، مشيرا بصراحة إلى أن طلاب أحد صفوف الرياضيات رفضوا أن يضيعوا وقتهم وذكاءهم في دراسة السخافات كالتاريخ والجغرافيا. ورغم ذلك نجحوا بتفوق. هذه ذهنية تسود المنطقة، احتقار الإنسانيات والآداب بحيث يتساءل مسؤولون، في غمرة حماسهم للعلم، عن مدى ضرورة اختصاصات مثل علم النفس وعلم الاجتماع والأدب والتاريخ. كما يحق لحاملي الشهادات العلمية دخول جميع الفروع، بينما الآخرون تنحصر خياراتهم في بعض الاختصاصات. العلم هو الحل السحري لما نعاني منه.
المشكلة لا تكمن في اعتبار العلم الطريق الأقصر نحو السعادة المطلقة، بل في الخلط بين العلم وابنته الشاذة التكنولوجيا. ويكتب جيلسون “اهتمام الناس المتعاظم بنتائج العلم، هو شيء مفهوم وشرعي، لكنه ساهم في نسيان أن العلم معرفة قبل كل شيء”.
من الملاحظ أن التوجه نحو العلوم كما هو حاصل اليوم يؤدي إلى شكل من أشكال التجهيل. إن أيا من القادة والساسة ومن يوجهون العالم لن نجده متخصصا في العلوم البحتة. هذه الاختصاصات قد تؤدي إلى الانقطاع عن دورة الحياة وإلى نوع من السذاجة، عندما لا تترافق مع تربية متكاملة تطال الأفكار مثلما تطال المعلومات. نريد أن نقلد الغرب بتقليد منتجاته متناسين أن لغز نجاح العلم في الغرب وإخفاقه في الحضارات غير الغربية يفسر بدراسة مجالات غير علمية كالقانون والدين والفلسفة والآداب وغيرها. ما يساعدنا على فهم مغزى حياتنا هو التربية التي تنقل الأفكار التي تسمح باختيار أمر ما عوض آخر هل سمع أحدكم عن القانون الفيزيائي المعروف بالترموديناميك الثاني؟ هل سوف تؤثر عدم معرفته على مجرى حياتنا؟ في المقابل يمكن أن تشكل الإجابة بالنفي عن سؤال مثل؛ هل قرأتم أعمال شكسبير أو المتنبي أو الخيام؟ شعورا حقيقيا بالنقص. لا يستطيع العلم أن ينتج أفكارا مؤهلة لإدارة حياتنا، الأفكار العلمية العظيمة تصلح لبحث متخصص، لكنها غير قابلة لأن تساهم في سيرورة حياتنا وتأويلنا للعالم.
من يشعر بفقدانه وجهة واضحة، لن يحصل عليها سوى في الإنسانيات. فهناك بإمكانه إيجاد الأفكار الرئيسية التي تسمح له بتأسيس فكره، بحيث يتخذ العالم والمجتمع وحياته الشخصية معنى. كتب داروين في مذكراته كيف أنه حتى سن الثلاثين كان يقرأ الشعر ويتذوقه ويقرأ شكسبير بلذة ويحب رؤية اللوحات وسماع الموسيقى. لكنه اكتشف فجأة بعد سنوات أنه لم يعد يحتمل قراءة بيت واحد من الشعر. وكتب “حاولت حديثا قراءة شكسبير لكنه صار مثيرا للملل. يبدو أن فكري قد تحول إلى آلة تختزل مجموعات الوقائع العريضة وتحولها قوانين عامة… يمكن لذلك أن يضر بالذكاء أكثر من ضرر بالطباع الأخلاقية، لأن ذلك يضعف الجزء الانفعالي من طبيعتنا”. يمكن القول إن أسس العلم الحديث من حيث الفكر ومن حيث المؤسسات قامت في مجالات خارج نطاق العلم حيث يتأمل الإنسان في طبيعة الكون بأعمق معانيه؛ وحيث شكل الإنسان المؤسسات التي تسمح للأفراد بأن يستمتعوا دوما “بالفضاء المحايد والمتحرر من غارات الرقابة الدينية والسياسية”. إن الطريق إلى العلم الحديث هو الخطاب الحر المفتوح، وهذا هو اللغز الذي عجزنا عن حلّه.
هذا عن طلابنا في المدارس العادية، أما طلاب الدين والعلوم الإسلامية فالمشكلة في ما يخصهم أكبر. يشير عبدالفتاح مورو، نائب رئيس حركة “النهضة” والنائب الأول لمجلس نواب الشعب التونسي في حديث لجريدة النهار إلى أن التصدي لظاهرة التطرف الديني “بما يتجاوز الأمن إلى التربية والثقافة” يتطلب أو يُوجّه “الإسلاميين إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية والفلسفة والاقتصاد والعمران والصحافة والاتصال. ورجال الدين حاليا جزء من المشكلة، فمعرفة أصول الدين لا تكفي لفهم الوقائع الاجتماعية. وهذا سبب قصورهم عن التأثير وصعود الجاهلين بثقافتي العصر والإسلام معاً”. فكما يلاحظ مورو، كما نعرف من معاينتنا لواقعنا، أن “أي شاب فقير ومهمش يمكنه أن يصبح شيخا وداعية بين ليلة وضحاها”. يكفيه الانتساب إلى أحد المراكز أو الحوزات الدينية المنتشرة. فيتحول إلى إنسان ذي هالة من القداسة أو ينتسب إلى داعش كأداة للترقي والتنفيس عن قهره الاجتماعي. علينا فضح استغلال الدين كوظيفة للترقي والاعتياش وكغطاء للإرهاب.
وهذا يتطلب إنجاز مهمة الإصلاح الديني، وإعطاء الحرية للعلميين بما فيها حرية النقد الديني الذي عرفته حركة الإصلاح البروتستانتي التي دعت إلى حرية تأويل النصوص المقدسة، وحاربت الطغيان الكنسي، ورفضت فكرة التوسط بين الرب وعباده، كما قامت هذه الظاهرة على تأكيد أولوية الإنسان ودعم استقلاله وإرادته، ورفعه إلى مستوى يكون فيه مرجع سلوكه، والقاعدة المعيارية لممارساته الاجتماعية، بإزاحة أنماط الشرعية السياسية المتعالية و”الحق المقدس. فأن نكون علميين يعني أن نتقبل نتائج الأبحاث العلمية التي لا تحمل صفة معينة، فكما أن ليس هناك ماء ديني أو غير ديني حسب عبدالكريم سروش، فليس هناك علم إسلامي وعلم غير إسلامي. وكما أن للحكومات وظائفها وأدوارها فللعلم وظائفه وأدواره. وهو يشير إلى أن نتيجة ذلك تؤدي إلى الخلط بين الدين والمعرفة الدينية ويرى ضرورة الفصل بين الاثنين، فالدين كنصوص يختلف عن فهم الدين. وهذا يتطلب من الباحثين نوعا من الاستقلال والحرية. لم يتطور العلم في الغرب إلا من خلال مجموعة صراعات فكرية من قبل أفراد مثل غاليلو، عندما اشتبكوا مع السلطات الكنسية من أجل ضمان قضايا تتعلق بمعرفتهم العلمية كما أنجزتها مقدرة الإنسان. فلم يكن قيام العلم الحديث مجرد انتصار للاستدلال التقني، وإنما كفاح فكري، فالعلم كبنية مؤسسات، إنما هو تجسيد لأدوار أفراد وأدوار مجموعات تستمد جذورها من روح فكرية خاصة وكذلك من سياق مشروع. أبطال النهضة اليابانية الحقيقيون للدولة الميجية هم “تجار المعرفة”؛ أولئك الباحثون عن المعارف والطلاب الذين يذهبون إلى القارات الأخرى بحثا عن المعرفة؛ المربون أمثال فوكوزاوا يوكيتشي الذي لم يحمل معه من رحلاته الحماس للعلم وللتقدم الغربيين فقط، لكن أيضاً المنظور من أجل بناء البنية التحتية المفاهيمية والمادية والاجتماعية، لكي يستطيعوا تأويل المعرفة وإنتاجها. وكان للإصلاح هدف آخر أساسي، إدخال أنظمة تربوية قوية وصلبة يتطلبها بناء الأوطان. فأين نحن من هذا؟

المفتاح السوري في الخليج
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/27 كانون الثاني/16
وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي كثَّف نشاطه في الأيام القليلة الماضية من أجل عقد مؤتمر جنيف الموعود، يحاول أن يحصل على تنازلات تؤدي في الأخير إلى حل سياسي للأزمة والمأساة السورية، في مشوار طويل من المفاوضات. وهي مهمة نبيلة لولا أن الوزير كيري لن يحصل على الحل الذي يتمناه، ويتمناه معظم دول العالم، بوقف القتال هناك. فالإصرار على تهميش دور المعارضة السورية الوطنية الحقيقية، وأي قبول باستمرار بشار الأسد في الحكم، لن يجلب سوى الفشل، حتى وإن تم التوقيع على اتفاق مبدئي في المفاوضات المقبلة. والنقطة التي يجب ألا ينساها هؤلاء، لن يكون هناك حل مقبول للشعب السوري ما لم تؤيده دول الخليج وتركيا. لن يستطيع وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا فرض حل من دون دعم وترويج له من قبل هذه الدول، لأنها الوحيدة التي يوثق بوعودها عند غالبية السوريين في الداخل والخارج، بحكم تضامنها والتزامها معهم منذ بداية محنتهم. وبالتالي مفتاح الحل موجود في الخليج وتركيا، وليس في جنيف. وفي الوقت نفسه هذه الدول لا يعقل أن تقبل بتوقيع اتفاق، والدفاع عنه، يبقي الأسد رئيسًا. أمر لن يرضى به أحد في معظم العالم العربي، الذي يعتبر الأسد أعظم مجرم عرفته المنطقة. هذا بالنسبة لمشاعر ملايين الناس الغاضبة هنا. أما من حيث الحسابات السياسية للحكومات فإن دول الخليج تعرف أنه من قبيل الانتحار لها أن تترك سوريا أيضًا للنظام الإيراني الذي يتمدد في منطقتها مثل السرطان. وربما، من المفيد أيضًا تذكير الوزير كيري كيف تبدو الصورة من الجانب العربي. الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن إيران، وتعطيها دفعة أولى خمسين مليار دولار. وتتعاون معها عسكريًا في العراق. وتغمض عينيها عن إدارتها للميليشيات من أنحاء العالم للقتال في سوريا. ولا تكتفي بالتعامل مع نظام الأسد، بل تسكت عن تزوير الإيرانيين هوية المعارضة السورية، التي تريد فرض قائمة شخصيات ومنظمات تدعي أنها معارضة، وهي جزء من النظام السوري؛ أي من خلالها.. الأسد يفاوض نفسه! لم نعرف في تاريخ حوار الأزمات أن يقرر طرف على الطرف الآخر من الطاولة من يمثلهم! وحتى لو ساقوا المعارضة مرغمة إلى النهر فإنهم لن يستطيعوا أن يجبروها على أن تشرب منه. ولو وقَّعت اتفاقًا يقضي بتشكيل حكومة مشتركة مزورة، كما يأمل الإيرانيون، فإن هذه الحكومة لن يسمح لها بجمع القمامة؛ أي لن يعترف أحد بشرعيتها، فما بالنا في وقف القتال وجمع السلاح وعودة اللاجئين، وإجراء مصالحات متعددة. السوريون قد يقبلون بحكومة مشتركة مع نظام يكرهونه حبًا في السلام، لكن لا يعقل أن يطلب منهم أيضًا القبول بأن يستمر في حكمهم بالذي قتل أكثر من ثلث إنسان. وأستبعد أن ترضى بهذا الحل حكومات الخليج وتركيا التي تعرف أن هذا الحل سيرفع من وتيرة الحروب في المنطقة.

ماذا ربحت إيران باتفاقها النووي وماذا عن السعودية؟
أحمد محمود عجاج/الشرق الأوسط/27 كانون الثاني/16
يعتقد كثيرون أن إيران قد فازت بعد مصالحتها مع أميركا، وأن السعودية خسرت حليفها الأميركي الوثيق، وأن إيران ستسيطر على المنطقة كلها. يؤكد الواقع أن إيران لم يكن أمامها خيار سوى الاتفاق مع الغرب، ولم يكن أمام السعودية خيار سوى البحث عن آلية بسبب انكفاء الحليف.
تيقنت إيران بعد تمددها في المنطقة، ووصولها إلى حافة القدرة النووية، أنها لن تستطيع تجاهل الغرب، وتثبيت نظامها، والاحتفاظ بمكاسبها. وصل الأمر بإيران بسبب الحصار إلى أنها لم تعد قادرة على دفع رواتب موظفيها، ووصل التضخم لمستويات عالية، واشتد الخناق عليها، وأدركت أن اجتيازها العتبة النووية سيؤدي إلى مواجهة عسكرية خاسرة مع الولايات المتحدة. ومما يعزز هذه الفرضية أن الرئيس أوباما قال، بعد رفع العقوبات: «إننا تجنبنا حربًا مع إيران، وإن تراجعها يثبت خطأ المشككين في قوة الدبلوماسية. هذه الدبلوماسية لم تكن مجرد كلام، بل تجسدت بعقوبات خانقة، وتهديدات مبطنة، وقابلها إغراءات لإيران، مثل الاعتراف بمصالحها في العراق، وفي أفغانستان، وسوريا وغيرها»، وكذلك مناصرة أوباما (بعدم التدخل) لحكام طهران في قمعهم للثورة الخضراء عام 2009، بعد انتخاب (بالتزوير) محمود أحمدي نجاد رئيسًا للبلاد.
هذا الواقع أقنع القادة الإيرانيين بأن أميركا قد تقبل بتركيبة نظامهم شرط اعترافهم بمصالح الغرب، والدخول في النظام الرأسمالي، وتخفيف سقف طموحاتهم الإقليمية. كما أنهم اقتنعوا أن الدبلوماسية الغربية بتلميحاتها، وتوفير الفرص للتمدد الإيراني، والتغاضي عن تهريب الأموال، والتكنولوجيا لإيران، سيعقبها، في حال عدم تلقفهم المبادرة، تطبيق أميركا وحلفائها دبلوماسية العصا، وما تحمله من تهديد للنظام الإيراني. ولمن لا يصدق، فلينظر إلى التاريخ ليرى كيف سحق ملوك أوروبا الثورة الفرنسية، وكيف طوق الغرب روسيا البلشفية، وكيف انهارت، ثم انبعثت لتتبنى اقتصاد السوق، وكيف تحولت حتى الصين من «الاشتراكية الشعبية» إلى النظام الرأسمالي.
نالت إيران بعد توقيعها الاتفاق الشرعية الدولية بأنها دولة مقبولة بنظامها الديني شرط أن تسير في الركب الرأسمالي، ولا تعادي مصالح الغرب، وشرط أن تفتح أسواقها للشركات الغربية، وتقبل بالتركيبة الدولية للنظام الدولي، وتتخلى بالتدريج عن النغمة الثورية، وتبدأ رحلة ما يمكن تسميته العودة إلى الوراء، لتتمثل من جديد بإيران المتعايشة مع جيرانها وفق ترتيبات معينة تفرضها طبيعية التطورات. بالطبع ثمة خلافات داخل النظام الإيراني، لكنها خلافات ليست حول الآيديولوجيا، كما يظن كثيرون، بل حول تقاسم الكعكة لأنهم جميعًا يريدون العودة للحضن الأميركي ويريد كل منهم الفوز بقصب السبق لضمان صورته في الداخل الإيراني. اقتنع قادة إيران بهذا المسار، لأنهم رأوا بأم عينهم ماذا حدث لروسيا البلشفية، وسمعوا بآذانهم ما قاله بوتين، بأن خطأ الاتحاد السوفياتي هو أنه أنفق أموالاً طائلة على شعوب لم تحفظ له ودًا، وأن الحل هو ببناء نظام رأسمالي روسي، وخلق طبقة رأسمالية تتصارع مع طبقة الغرب الرأسمالية، وفي هذا الصراع تتحقق مصلحة موسكو. لقد توصل حكام طهران، حتى الآن، لهذه القناعة، وهم سائرون بها، لكنهم يتخفون، ويمشون على استحياء!
على الضفة الأخرى، قبلت السعودية النظام الرأسمالي، وفتحت أسواقها، ومارست سياسة التحالف مع الغرب، وتقيدت بالنظام الدولي وشروطه، وحققت الرفاهية المعقولة والأمن لمواطنيها. لم تكن مشكلة السعودية يومًا في نظامها، بل في المحيط العربي، وفي الصراع مع إسرائيل، وفي التناقض التام بين نظامها والأنظمة العربية، وتضادها مع حلفائها الغربيين في القضية الفلسطينية، مع ذلك، تمكنت السعودية، بمسايرة الأنظمة العربية، ومعارضتها حيثما ثمة مصلحة، من تجاوز قطوعات صعبة، لكنها وجدت نفسها في أعقاب الربيع العربي أمام خيارات أكثر صعوبة. انهارت دول عربية، ودخلت في حروب أهلية، وانسحب الغرب متعمدًا، واختار التفرج، فتعمقت الأزمات، ودخلت إيران طرفًا فاعلاً في العراق من خلال ميليشيات (طائفية)، وكذلك في سوريا واليمن ولبنان. كان طبيعيًا في غياب مصر، أن تتصدر السعودية المشهد، وأن يتخذ الصراع منحى طائفيًا، وكان طبيعيًا أن يُصعِّد الغرب حملته ضد السعودية بأنها وراء التطرف، لمسايرة إيران، وكان طبيعيًا أن تغيب عن مشهد المفاوضات النووية، فالسعودية، واقعيًا، ليست دولة عظمى، ولذلك تواجه بعد انهيار المنظومة العربية، والعدوان الإيراني، أثقالاً تنوء بحملها. لقد صور الغرب، لأسباب تكتيكية، المملكة بآيديولوجيتها، ودخولها النزاع في اليمن، وسوريا، بأنها معرقلة للتسوية في المنطقة، مع علمه أنها تحاول حماية الذات، والاستجابة لصرخات الناس المنكوبة المتماهية معها في المعتقد والنظرة، والتاريخ. ليس بإمكان السعودية أن تفعل أكثر، والذهاب أبعد، في ظل التعقيدات الدولية، وبعد دخول الروس إلى الساحة السورية، والتفاهم الإيراني الأميركي النووي، والتعقيد الكردي التركي، والتراجع المذهل في أسعار النفط. ما تفعله السعودية هو أقصى ما تقدر عليه!
باختصار، لم تغير السعودية شعاراتها، وحافظت على صداقاتها وتحالفاتها، وثبتت على موقفها من فلسطين، واستمرت بالمواجهة مع إيران. لكنها لم تنل دعم الدول الغربية الصديقة المباشر، واستنزفت ماليًا وبشريًا. أما إيران فإنها رغم كل الضجيج، والأموال المهدورة، ومحاربة الشيطان الأكبر، والاستعمار، ومناصرة الشعوب المستضعفة، وشعار الوحدة الإسلامية، لم تحز على القنبلة النووية، وصادقت الشيطان الأكبر، وناصرت المستعمر الروسي (بوتين) في حروبه على المسلمين، وولغت في دماء الشعب السوري، وفتتت وحدة المسلمين.
حروب إيران هذه سببت لنا ولها مآسي لن تنسى، واستنزفت طاقاتنا، وفي النهاية، قبلت إيران بالنظام الدولي، وبالغرب، وستقبل مرغمة بتسويات تتراجع فيها عن كل هذا العبث الطائفي، والهوس التوسعي.