نديم قطيش: سليمان فرنجية حارس تركة الأسد/نبيل بومنصف: الجد والحفيد اي استعادة/الياس الديري: طبخة التسوية لم تنضج بعد

687

الجد والحفيد… اي استعادة؟
نبيل بومنصف/النهار/27 تشرين الثاني 2015
لا تنطبق المعالم الصاعدة لترشيح سليمان فرنجية الحفيد مبدئياً على أي من التجربتين اللتين انتخب في الأولى منهما سليمان فرنجية الجد في العام 1970 رئيساً واسقط انتخابه في الثانية عام 1988. لا يزال انتخاب الرئيس الجد يُدرج حتى اليوم في اطار سابقة انتخابية نادرة في تاريخ الديموقراطية اللبنانية اذ فاز فيها بفارق صوت واحد. اما تجربة اسقاط ترشيحه على أيدي المعسكر المسيحي في زمن الحرب فأسست لاحقاً للفيتو المسيحي الشهير على انتخاب مرشح التسوية الاميركية – السورية مخايل ضاهر أيضاً. ولكن وبصرف النظر عن المتغيرات الهائلة منذ السبعينات والثمانينات ترانا أمام إحدى مفارقات القابلية اللبنانية لاستعادة التجارب الصدامية التي تتوارثها اجيال الساسة. والحال ان “عملية ترشيح” فرنجية الحفيد تبدو في ذاتها من العوامل المثيرة لاشتعال سياسي واسع بفعل “البرمجة” التي اتبعت في “نصف ترشيح” أريد له ان يشكل رأس كاسحة الألغام فألهب كل الريبة المعتملة منذ اللقاء الباريسي “النصف سري”. قبل ان تبلغ معالم الذهول اسم المرشح وحيثياته وموقعه والأسئلة والشكوك الضخمة المثارة على كل جنبات الترشيح بدأت عملية الترشيح بذاتها تقيم أسساً لا يمكن تجاهلها لاحتمال قيام “جبهة الممانعة” لوصوله الى قصر بعبدا، وهذه المرة قد تكون ممانعة متطورة للطراز الذي أقام الحواجز التي افقدت الرئيس سليمان فرنجية فرصته الرئاسية الثانية. بطبيعة الحال سيكون التسرع في رسم سيناريوات متعجلة لما يمكن ان يؤول اليه مشروع انتخاب فرنجية الحفيد مغامرة غير مضمونة النتائج. ولكن ترشيح فرنجية بما يمثله من رأس السقوف اطلاقا في جبهة 8 آذار أولاً وإسقاط ترشيح العماد ميشال عون بالضربة الصاروخية ثانياً وبقلب ميزان القوى رأسا على عقب وسط متغيرات متسارعة اقليميا ثالثا لا يبقي شكاً في ان هذه المغامرة أيضاً من شأنها ان تتسبب بشيء مستعاد من حلف الرافضين لانتخابه على غرار الحلف الذي منع انتخاب جده. ولسنا واهمين اطلاقاً في ترقب “معركة الصوت الواحد” الديموقراطية التي تأتي بالحفيد رئيساً بعد فراغ السنة والنصف في ظل لبنان آخر لم يعد فيه من ذاك اللبنان الغابر أي أثر الا بمقياس الفراغات الدستورية والازمات المستعادة وصياغة المغامرات غير المحسوبة والمعارك المجانية والأحلاف التي لا تقوم الا على تقاطع الخسائر والمكاسب. بذلك تهرول البلاد، وعسانا نكون واهمين ومخطئين، نحو المقلب المجهول الجديد من أزمة الفراغ الرئاسي وسائر مشتقاتها ولكن مع أحلاف جديدة طارئة لا ننصح احدا بتهميش قدراتها على قلب المشهد ما دامت الأيام القليلة من الانقلاب الترشيحي كانت كفيلة بتفجير كل هذا المخزون الذي كان معتملا وراء الأبواب الموصدة للحلفاء والخصوم هنا وهناك.

 

طبخة التسوية لم تنضج بعد؟
الياس الديري/النهار/27 تشرين الثاني 2015
أسئلة كثيرة حول “اللقاءات الرئاسيّة”، ومواقف الكتل النيابيّة والتكتلات السياسيّة، وما إذا كان الوضع اللبناني يتهيّأ لمتغيّرات جديّة، سواء تم التوافق على مرشّح معيَّن أم انفخت الدفُّ وتفرّق العشاق؟ في رأي سياسي أن ما حصل في باريس أدى في لبنان إلى خلط أوراق سياسيّة وعلى نطاق واسع، وبسرعة فائقة، ولا بدّ أن تتّضح صورته، وتفاصيله، وتوجهاته خلال الفترة المقبلة. حتى لو تأخّر التوصّل إلى تفاهم على شخص الرئيس والتسوية السياسية الشاملة التي كثر الحديث عنها واللغط حولها. إنما المهمّ الآن هو مواجهة الفراغ الذي يتحوّل تدريجاً إلى مخاطر ومحاذير وعواقب معقّدة، سيكون من الصعب جداً على اللبنانيّين مداراتها، أو معالجتها، ولا حتى تخفيف أضرارها، ما لم يصل العلاج الرئاسي سريعاً. وهنا بيت القصيد. حقاً، لا بدّ من ملاقاة هذا الفراغ، بل هذا الوحش الذي يكاد يفترس البلد الصغير، بحلول مقنعة تبدأ بانتخاب رئيس للجمهوريّة حيث تنقشع للحال تلك الغيوم السوداء وتلك الأفكار والهواجس الشيطانيّة. ولكن، كيف ومتى وعلى أي برّ سيرسو المركب التائه؟ أما ماذا عن التسوية السياسيّة الشاملة، وهل تكون البداية قبل الرئيس، أم معه، أم بعد تشكيل حكومة إنقاذ تزرع الثقة في صدور الناس، فهذا ما لم يتبلور بعد. وما لم يتمّ التوصّل إلى توافق على رئيس معيَّن، فإن الوضع السيئ للغاية سيظلّ يراوح مكانه. كثيرة هي الأسئلة، وكثيرون هم الذين يلحّون لمعرفة “الحقيقة” بالنسبة إلى ما حصل في اللقاءات المعروفة وتلك التي لم يعلم بها أحد، غير أن الكلام لا يزال يدور في حلقات شبه مفرغة. وهذا يعني أن لا مفرّ من الانتظار مرّة أخرى ومن الآن حتى ظهور قرارات الأحزاب والتكتّلات النيابيّة الكبيرة، وذات التأثير المباشر على خطوة سياسيّة بهذا الحجم. آراء متعدّدة، ومتناقضة جداً سمعتها من سياسيّين ونواب وحزبيّين ومحايدين، تصبّ جميعها في سلّة التخمينات القديمة التي لا تقدّم ولا تؤخّر. لم تنضج التسوية المطلوبة بعد؟ ربما. إلا أن الأوان لم يفت. فباب الحلّ فُتِح أمس الذي عبَر. والناس منهم مَنْ فوجئ وتوخّى الخير مما حصل. ومنهم مَنْ لم يبدِ اهتماماً، استناداً إلى اقتناع راسخ لدى معظم اللبنانيّين بأن لا حلّ للبنان إلا متى بدأت الحلول في المنطقة. وحالات المنطقة معقّدة للغاية. وهيهات أن تطلّ ملامح انفراجات أو حلول في المدى المنظور… من هنا، من هذه الصورة، من هذه الحقيقة، يجب النظر إلى ما أنتجته وأنجزته لقاءات باريس، وما يمكنه أن يؤدّي إلى جلاء الوضع السياسي عاجلاً لا آجلاً. وقبل أن ينقلب سحر الفراغ على السحرة.

 

سليمان فرنجية.. حارس تركة الأسد
نديم قطيش/الشرق الأوسط/27 تشرين الثاني/15
دخل المشرق العربي في زمن الحسم بلا شك. وما تفصلنا عن الاستحقاقات وبدايات التأسيس للجديد المقبل علينا، إلا أسابيع قليلة أشار إليها الرئيس الأميركي باراك أوباما في كوالالمبور على هامش فعاليات اجتماع رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان). كان الرئيس الأميركي يتحدث عن فسحة الزمن المتاح أمام موسكو لتحسم خيارها بالتخلي فعليًا عن بشار الأسد. سبقت ذلك إشارات عدة تفيد بأن موسكو تهيئ «البنية التحتية» لهذا القرار، من خلال ما كشفته الصحافة الإسرائيلية من أن فلاديمير بوتين أبلغ الأسد ضرورة التخلي عن صلاحياته. وقد أكدت التسريبات الإسرائيلية كلامًا نسب إلى الدبلوماسي الإيراني جاويد قربان أوغلي، مدير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية الإيرانية، قال فيه إن الرئيس الروسي طلب من الأسد الاستعداد لحزم حقائبه، لأنه في أي لحظة قد يحين وقت رحيله أو يُطلب منه ترك السلطة. عوامل عدة ساهمت في تسريع الاتجاه نحو مرحلة جديدة في سوريا تفتتح، من دون مبالغة، عصرًا جديدًا في المشرق. أول هذه العوامل الصمود الأسطوري للشعب السوري، وصلابة الموقف العربي المتمسك بألا يكون الأسد جزءًا من مستقبل سوريا، معطوفًا على قِصر نفس المغامرة الروسية وحاجتها إلى ترجمة المجهود الحربي في سوريا إلى نتائج سياسية سريعًا، وأخيرًا هزيمة إيران في المشرق العربي، وهو ما استدعى أصلاً دخول موسكو على خط الأزمة السورية! لن يتأخر غروب حكم آل الأسد عن سوريا كثيرًا، غير أن مرحلة ما بعد الأسد ليست ماءً رقراقًا، لا في سوريا ولا في لبنان، وهو ما عجل من إدارة محركات التسوية بين اللبنانيين.
يشبه سقوط الأسد، أيًا تكن الفترة التي سيستغرقها، غرق سفينة «تايتانيك»، مع ما يعنيه ذلك من قدرتها على سحب السفن الصغيرة القريبة منها إلى أعماق العتم والموت. وعليه، فالتحدي الأول المطروح على الحياة السياسية والوطنية اللبنانية هو كيفية حماية لبنان من أن تجذبه طاقة انهيار النظام السوري، ولو أتى على شكل خروج مشرف ترعاه وتصونه موسكو، كما هو مرجح. الواقع يقول إن التسوية التي نحن مقبلون عليها، نحن اللبنانيين، هي في مكان ما تسوية بين خاسرَين، مهما زُين لأي من الطرفين أنه رابح. سوريا المدمرة، المصدرة لكل أشكال النزوح والفقر والتخلف والانهيار الاجتماعي والأفكار ال اديكالية، هي خسارة للفريقين. وهي بالتأكيد ليس ما راهن عليه أي منهما. رهان فريق سوريا الأسد في لبنان على حماية الأسد لا يعدو وهمًا، ورهان خصومه على اقتلاع سهل للنظام ونقل سوريا من موقع إلى موقع وهم موازٍ ما لم يكن أكبر.
ككل تسوية، لا بد لها أن تتعرض للقنص، إما من متضررين وإما من حالمين، لا سيما إذا كان عنوان التسوية انتخاب صديق بشار الأسد الشخصي الوزير سليمان فرنجية رئيسًا للجمهورية بعد عشر سنوات من الانتفاضة ضد سوريا، بل وفي لحظة سقوط الأسد الآتية لا ريب فيها.
غير أن اللبنانيين ما عادوا يملكون ترف إبقاء البلاد معلقة بلا نصاب دستوري ومؤسساتي، وتشريع هيكل الدولة على مزيد من التآكل والانهيار، إلا من كان منهم مستفيدًا من حال التآكل والانهيار كحزب الله. وهم لا يملكون ترف الحلول الوسط التي استُنزفت مع حكومة الرئيس تمام سلام، وما عادت قادرة على إنتاج مطمر للنفايات، دعك من معالجة أي عنوان سياسي أو سيادي من العناوين الكبرى. وبالتأكيد ما عادوا يملكون ترف الأوهام بأن فريقًا سيلغي الآخر بموجب نتائج الحرب في سوريا أو يغير موازين القوى لصالحه بشكل دراماتيكي.
أما في ما يعني قوى «14 آذار»، أو ما بقي منها بأي حال، فثمة حاجة ملحة إلى إعادة الصراع إلى داخل النظام السياسي بدلاً من إبقائه خارج النظام. أيًا تكن التسوية، فإن في إعادتها الاعتبار للنظام السياسي وهيكل الدولة مكسبًا قد لا يستشعره من لا يزالون على الجبهات. وأزعم أن ليس ثمة كثير مما يمكن أن يكسبه حزب الله من تسوية تأتي بحليفه رئيسًا.. ليس بوسعه أن يربحه من إدامة الفراغ والتهرؤ واستنزاف النظام ومؤسساته والتسلط بسلاحه على البلاد، في حين أن إنهاء الفراغات المتتالية هو مكسب لديمومة الدولة اللبنانية في واحدة من أدق اللحظات التي تمر بها المنطقة.
لماذا سليمان فرنجية؟ العارفون بالتركيبة اللبنانية يعرفون أن فرنجية، على عكس حليفيه حزب الله والجنرال ميشال عون، ينتمي إلى فصيلة قوى النظام أو الـ«استابلشمنت»، في حين يقع حلفاؤه خارجها تمامًا. هو أقرب بمعنى من المعاني إلى الرئيس نبيه بري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، منه إلى هوية حلفائه. ثم إن التوازن السياسي في البلاد لا يسمح إلا برئيس حكومة من «14 آذار» ورئيس جمهورية من «8 آذار»؛ يرعى الأول مصلحة الدولة اللبنانية، ويقف الثاني «حارسًا قضائيًا» على تركة نظام الأسد. اختبار التسوية في لبنان هو تمهيد للتسوية الكبرى في سوريا. هو تقاطع الحد الأدنى بين الفيلة المتصارعة في المشرق، وتثبيت للتوازن اللبناني، بالأصالة وليس بالوكالة، وفرصة جديدة لحماية لبنان من الالتحاق بانهيار سوريا الأسد.