فارس سعيد: كيف نعبر اليوم؟

273

 كيف نعبر اليوم؟
فارس سعيد/الجمهورية/04 تشرين الثاني/15

في العام 2005 على أثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري الذي شكّل حدثاً تأسيسياً لانتفاضة شعبية غير مسبوقة أدت إلى خروج الجيش السوري من لبنان، واكبنا تلك الإنتفاضة المبارَكة من خلال إطار سياسيّ تمثّل بـ»لقاء البريستول» الذي ضمّ إضافة إلى لقاء «قرنة شهوان» (الذي أطلق مع نداء المطارنة الموارنة عام 2000 مطلبَ خروج الجيش السوري)، «المنبر الديموقراطي» والحزب التقدمي الاشتراكي ومشاركة الرئيس الحريري.
أخذ «لقاء البريستول» على عاتقه متابعة الأحداث لحظةً بلحظة، وتواصل مع الناس والقوى السياسية الفاعلة، وشكّل مرجعية الإنتفاضة لدى دوائر القرار الوطنية والإقليمية والدولية.
واجهت «الإنتفاضة» ومعها «لقاء البريستول» معضلة إنتقال الدولة من مرحلة الوصاية واحتلال الأرض والمؤسسات إلى تحريرها، بما في ذلك وعلى رأسه إعادة تكوين السلطة. هذا في ظلّ تمسّكٍ واضح من «حزب الله» وفريق ما سمّي فيما بعد «8 آذار» بإبقاء الوضع على ما كان رغم خروج «السوري».
كانت المصلحة الوطنية – من وجهة نظرنا – تقضي بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، أيْ في ربيع – صيف الـ 2005 وفقاً للدستور. ومن أجل إجراء هذه الإنتخابات كان لا بدّ من التفاهم مع الأطراف المعطّلة، وعلى رأسها «حزب الله» و«أمل» والرئيس اميل لحود، التي سعت إلى أعادة تكليف الرئيس عمر كرامي رغم إسقاطه في الشارع في 28 شباط 2005، في خطوة كانت تهدف إلى إضاعة الوقت ونسف الإنتخابات بحجة عدم القدرة على تأليف حكومة.
لا ننكر المكاسب الإنتخابية التي حققها بعض أطراف المعارضة في بعض أقضية جبل لبنان، إنما في الجوهر دخلنا في تفاهم سياسي مع «حزب الله» و«أمل» بُنِيَ على نقطتين مترابطتين:
1- التبريد السياسي مع «حزب الله» و»حركة أمل» من أجل تأمين الإستقرار الداخلي رغم الزلزال الذي أصاب لبنان في 14 شباط 2005 وما أعقبه من انسحاب سوري في أواخر نيسان.
2- إجراء الإنتخابات في موعدها على اساس قانون الـ 2000.
هذا التفاهم – الذي سُمّي خطأً وتضليلاً «التحالف الرباعي الإسلامي في وجه المسيحيين»، والذي لم يكن «تحالفاً» بأيّ معنى سياسي – كانت الغايةُ منه في تفكيرنا واضحةً جداً، وهي إرسال إشارة قوية إلى الطائفة الشيعية مفادُها أنّ الفريق الذي اعتُبر، أو اعتبَرَ نفسه، منتصراً بخروج جيش الوصاية السورية لا ينوي التصرُّف بذهنية ثأرية في الداخل اللبناني، على غرار الانقلابات البعثية السيّئة الصيت والسمعة في المنطقة العربية، خصوصاً وأنّ صراع الطائفيات السياسية في لبنان غالباً ما كان يخلط بين الطائفة كمكوّن أهلي ميثاقي هو من لزوميات العيش المشترك، وبين الحزب السياسي المتسيّد على هذه الطائفة والذي يدّعي تمثيلها الحصريّ.
بنى العماد ميشال عون شرعيته الإنتخابية على قاعدة رفضه ما سمّي «التحالف الرباعي»، باعتبار أنّ قانون الإنتخابات هو «قانون غازي كنعان» (رغم خلافه مع البريستول على الحصة وليس على المبدأ)، وتضامنت معه مجموعة محترمة من رجال الفكر والسياسة الشيعة، اعتبروا أنّ تفاهم المعارضة مع «حزب الله» على التبريد وعلى الإنتخابات، هو ضربة في خاصرة الذين شاركوا من الشيعة في «انتفاضة 14 آذار». دون أن ننسى أنّ البطريرك مار نصرالله بطرس صفير (وقد أُعذر مَن أَنذر)، الذي كان أب «الإنتفاضة»، اعتبر أنّ قانون الـ2000 خالف توجّهات الكنيسة.
قد أكون الوحيد في الوسط المسيحي الذي دافع عن وظيفة ما سمّي «التحالف الرباعي»، رغم أنّي دفعت الثمن الأغلى إلى جانب شخصيات أخرى، ولم يكن دفاعي من منطلق مصلحة إنتخابية أو شخصية، إنما اندرج في سياق ضرورة الحفاظ على استقرار لبنان في مراحل الإنتقال والأحداث الكبرى.
وإذا كان للتفاهم الرباعي سيئات فهناك أيضاً مكاسب عدّة:
1- نقل لبنان من مرحلة إلى أخرى دون عنف ودم؛
2- تأمين أكثرية نيابية لمصلحة فريق 14 آذار؛
3- تأمين خروج الدكتور سمير جعجع من السجن رغم رفض البعض خروجه قبل انتخابات الـ2005؛
4- تأليف حكومة برئاسة النائب فؤاد السنيورة؛
5- عودة حزب الكتائب إلى شرعيته السياسية؛
6- تأمين الظروف السياسية والقانونية لقيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؛
7- تشكيل توازن سياسي في وجه سلاح «حزب الله» حتى أيار الـ2008.
هذه أحداثٌ مرّ عليها الزمن وذهبت إلى أدراج التاريخ، وهي برسم الأجيال المقبلة التي ستتولّى الحكم عليها سلباً أو إيجاباً.
اليوم، يواجه لبنان مرحلة إنتقالية أكثر صعوبة من الماضي وأكثر تعقيداً، خصوصاً أنها تتزامن مع مرحلة إنتقالية في سوريا وربما في العالم العربي، بين نظام قديم يتهاوى ويسقط وجديد نتلمّس معالمه.
السؤال المطروح: ما العمل من أجل تجنيب لبنان العنف والعودة إلى الإقتتال الداخلي؟
هل نعود إلى التسوية مع «حزب الله» بوصفه الفريق المعطّل لإجراء الانتخابات الرئاسية اليوم، بعد ما كان معطَلاً لإجراء الانتخابات النيابية قبل عشر سنوات؟
هل القوى المسيحية «الوازنة» سترضى بتسوية مع الحزب على حساب «رئيسها القويّ»؟ وإذا رفضت، فهل تتحمّل مسؤولية تعطيل الحلّ؟ أم أنها ستستمرّ تحت عنوان «البراغماتية السياسية» في «تحالف رباعي» يدوم منذ أن أُبرِم في الـ 2005؟
فـ«الدوحة» تحالف رباعي، ولم أسمع صوتاً مسيحياً ضدّه لا بل قيل لنا إنّ «القطار على السكّة الصحيحة». وانتخابات الـ2009 تحالف رباعي، ولم أسمع صوتاً مسيحياً ضدّها لا بل قيل لنا إنّ الحقوق عادت بفضل الصوت الشيعي في جبيل وبعبدا وجزين.
وحكومة الرئيس سعد الحريري تحالف رباعي. وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي تحالف رباعي بمشاركة سورية. وحكومة الرئيس تمام سلام تحالف رباعي ولا اعتراض لا بل توزيع حصص مسيحية. والتمديد للمجلس النيابي مرتين تحالف رباعي. والتجديد للعماد جان قهوجي تحالف رباعي أيضاً.
يبدو هذا «التحالف الرباعي»: مثل «دينة الجرّة» بين يدَيّ «الفاخوري»: إذا جنى منه البعض مكسباً يكون جيداً ولا يكون مجحفاً بحقّ المسيحيين!
ما زلت مدافعاً عن مبدأ الإستقرار والسلم الأهلي، وأرجو أن يغلّب قادتنا دائماً المصلحة الوطنية على المصالح الانتخابية الضيّقة، لكني فقدت الثقة بالذين يربطون مصير لبنان بمصيرهم الشخصي!
وقديماً قال الإمام علي بن أبي طالب «إنما يُعرف الرجالُ بالحقّ، ولا يُعرف الحقُّ بالرجال!»
ونسأل زعماءنا اليوم… كيف نعبر؟