خيرالله خيرالله: شكراً سوريا/وسام سعادة: الشغور إذا تمدّد لسنوات أو تقلّص لأضغاث أحلام/علي نون: في أشياء النكبة

338

 «شكراً سوريا»
خيرالله خيرالله/المستقبل/14 تشرين الأول/15
كشفت سوريا الجميع. تستحقّ كلّ شكر على ذلك. يمكن الآن قول «شكراً سوريا» من دون خجل أو وجل، وليس لتغطية الجرائم التي ارتكبها النظام العلوي في حقّ لبنان واللبنانيين. كشفت سوريا أوّل ما كشفت بشار الأسد والنظام الذي يرمز اليه والذي عمره من العام 1970 حين احتكر والده السلطة واستخدم البعث كي يصبح أوّل رئيس علوي للبلد. الرئاسة في سوريا حقّ من حقوق أي مواطن سوري مسلم. لكنّه ليس مقبولاً فرض شرعية عن طريق انقلاب عسكري وعن طريق الطائفية والمذهبية والأجهزة الأمنية. ما كشفته ثورة الشعب السوري أن لا شرعية للنظام مهما تلطى بحزب البعث الذي هو في الأصل حزب علماني. كان يمكن لشعارات البعث أن تكون جذّابة لو لم يتبيّن أنّه لا يبقى، في أحزاب فارغة من هذا النوع، سوى المتخلّفين. هؤلاء يعتقدون أن في استطاعتهم التغلّب على منطق التاريخ عن طريق استخدام شعار «العروبة» أو «الممانعة» وكلّ ما له علاقة بمواجهة اسرائيل. تبيّن أيضاً أن البعثي، الذي يبقى بعثياً، لا علاقة له بأي شيء حضاري في هذا العالم وأنّه ليس سوى أحد دعاة حلف الأقلّيات الذي لا مستقبل له في الشرق الأوسط، اللهمّ إلّا إذا كان المطلوب تفتيت المنطقة وجعلها دويلات طائفية ومذهبية تدور في الفلكين الإسرائيلي والإيراني.
كشفت سوريا «حزب الله» أيضاً ومدى ارتباطه بالنظام العلوي السوري من زاوية محض إيرانية. كشفت أن «حزب الله» مرتبط بإيران إلى درجة أنّه كان كافياً أن تأتي تعليمات «المرشد» بالمشاركة في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه، حتّى غرق الحزب، الذي يفترض أنّه لبناني، في الرمال المتحركة السورية. لا مجال لأيّ أخذ ورد في شأن «الكلفة» عندما يتّخذ علي خامنئي قراره. لا يعود أمام الحزب سوى التزام قرار «المرشد» بغض النظر عمّا إذا كان هذا الالتزام يعني خرق ما بقي من سيادة للدولة اللبنانية والحدود الدولية لهذه الدولة. العامل المذهبي يتقدّم، من وجهة نظر «حزب الله» وامينه العام السيّد حسن نصرالله على كلّ ما عداه، بما في ذلك الحدود اللبنانية ومصير مئات الشباب. نعم، كشفت سوريا الجميع. كشفت القدرة التركية المحدودة على التدخل وحجم المشكلات التي يواجهها الرئيس رجب طيب إردوغان في الداخل التركي، خصوصاً مع الأكراد.
كشفت سوريا حقيقة النظام الجديد في العراق الذي فرضته الدبابة الأميركية. ظهر بوضوح أن الحكومة المركزية في بغداد لا تزال تحت الهيمنة الإيرانية وأن لا فارق كبيراً بين نوري المالكي وحيدر العبادي، حتّى لو كان رئيس الوزراء الحالي يمتلك كلّ النيات الحسنة. مركز القرار في بغداد لا يزال في يد الميليشيات المذهبية الموالية لإيران والتي حاربت معها ضدّ العراقيين بين العامين 1980 و 1988. لكنّ اهمّ ما كشفته سوريا هو حدود الدور الإيراني، بالتعاون مع «حزب الله» أو من دونه. تستطيع إيران بفضل تدخلها المباشر وأدواتها اللبنانية والعراقية والأفغانية، أي الميليشيات المذهبية التي تستخدمها لدعم النظام، المشاركة في تقسيم سوريا. لكنّ إيران لا تستطيع تحويل كلّ سوريا مستعمرة، كما حاولت، وما زالت تحاول، أن تفعل في العراق واليمن والبحرين… كان العجز الإيراني، الذي لم يبدّله الاتفاق في شأن الملف النووي مع «الشيطان الأكبر»، وراء الاضطرار الى الاستنجاد بالدبّ الروسي الذي لديه مصالح خاصة به في سوريا. في مقدّم هذه المصالح الغاز السوري. الأمر لا يقتصر على كميّات الغاز الموجودة في سوريا، وهي كمّيات كبيرة، بل يشمل أيضاً منع أن تكون الأراضي السورية ممرّاً للغاز الخليجي الذي يمكن أن يصل إلى أوروبا.
فرض العجز الإيراني الاستعانة بالقوّة العسكرية الروسية التي لا يمكن أن تنقذ رأس بشّار الأسد ونظامه المتهاوي. لعب هذا النظام دوراً محورياً في تمدّد «داعش» التي يدّعي الروسي محاربته، في حين أن حربه الحقيقية هي على الشعب السوري.
إذا كان من حسنة للتدخل الروسي المباشر، الذي يتمّ بالتنسيق الكامل مع إيران وإسرائيل، فهو أثبت أن النظام انتهى. انتهى النظام من جهة وظهر أن العلويين ليسوا مغرمين بدعوات التشيّع الإيرانية من جهة أخرى. يفضّل العلويون الروس على الإيرانيين في مناطقهم!
فوق ذلك كلّه، كشفت سوريا العجز الأوروبي. أوروبا لم تعد لاعباً في الشرق الأوسط لا أكثر ولا أقلّ، خصوصاً في غياب الإستراتيجية الأميركية وزيف مثاليات إدارة اوباما. يعبّر عن هذا الغياب الكلام الكثير الصادر عن رجال الإدارة الذي يظلّ كلاماً بكلام.
ما الذي تريده الإدارة الأميركية في سوريا؟ لا جواب عن ذلك. هل هي مع التدخل الروسي أم لا؟ لا جواب أيضاً. هل كشفت سوريا أن الشرق الأوسط لم يعد همّاً أميركياً أساسياً؟ ربّما كان ذلك الجواب المعقول، أقلّه في ما يخصّ الأشهر الـ14 المتبقية من ولاية أوباما الذي اختزل المنطقة ومشكلاتها وأزماتها بالملفّ النووي الإيراني. يتجاهل الرئيس الأميركي أن حرباً حقيقية تدور حالياً في غير مكان، في سوريا تحديداً، وأن التدخل الروسي الوقح لن تكون له من نتائج سوى إطالة هذه الحرب الى ما لا نهاية… مع انعكاسات في غاية السلبية على بلد صغير مثل لبنان تحاول إيران تغيير طبيعة نظامه وتركيبته السكانية، وتغيير طبيعة المجتمع الشيعي المعروف بانفتاحه وطليعيته على غرار ما تفعل في سوريا.

 

الشغور إذا تمدّد لسنوات أو تقلّص لأضغاث أحلام
وسام سعادة/المستقبل/14 تشرين الأول/15
لا يزال اللبنانيون يتعجبون من مدّة الشغور الرئاسي التي طالت حتى الآن، العام ونصف عام، في حين تراهم قلّما يطرحون على أنفسهم مدة الشغور الرئاسي المزيدة التي تنتظر. فهل يمكن أن يدوم الشغور لسنوات إضافية مثلاً؟ مراجعة ما كُتب قبل عام ونصف عام ما كانت توحي بأن الشغور سيدوم كل هذه المدة، والناس اليوم أيضاً، سياسيون وغير سياسيين، يسارعون إلى استبعاد الشغور المديد، رغم كل استفحاله الزمني حتى الآن. يستبعدون .. أو يفضّلون عدم استشراف المستقبل، حتى لو أن كل توقعات الخروج من هذا النفق باءت بالخيبة حتى الآن. الشغور يمكن أن يمتد لأسابيع، لأشهر، لسنوات اضافية. عام ونصف عام وراءنا يمكنهما أن يحضرا بسهولة لعام ونصف عام أمامنا. طالما أن الإقليم يدخل أكثر فأكثر في حروبه، والتصدعات الكيانية وانفجار المجتمعات، وطالما أن قنوات التحكم الخارجي بمصائر اللبنانيين لاهية عن الاتفاق فيما بينها للخروج برئيس، وطالما أن التعطيل يستولد التعطيل، فإن مدّة الشغور الرئاسي مرشّحة لأن تطول حتى تصير عهداً كاملاً من الغياب. هذا «العهد الغائب» هو فترة انتقالية لا يمكن التحكم مسبقاً بمآلها النهائي. القوى السياسية النافذة اليوم قاصرة إجمالاً عن إدراك هذا المعطى الانتقالي، هذا العهد «الشغوري» الذي من الممكن أن يمتد أكثر بكثير مما توقعه أو حذّر منه الأكثر تشاؤماً. الأمر نفسه بالنسبة إلى تمديد البرلمان لنفسه، وبالنسبة إلى حال التصدّع الحكومي. اللافت في كل هذا أن هناك من يوهم نفسه بأن ترحيل كل المسائل إلى أجل غير مسمّى يمنحنا قدراً من الاستقرار، طالما لا طاقة لنا اليوم على معالجة أي من هذه المسائل. اللافت في المقابل من يوهم نفسه بأنه في المقدور تركيب حلّ تسللّي، للنفاذ من جدار الشغور الذي يحيط بنا، بتخريجة من هنا أو من هناك، يمكن على الأكثر تحريك شيء من ركود الأخبار السياسية، لكنها لن تلبث أن تعكّر الأجواء أكثر، وتبقى لحظة في إطار تمدّد الشغور واستعصائه. فكرة أن الشغور يمكن أن تُحل مشكلته في أي يوم هي الفكرة التي أطالته عاماً ونصف عام، ينفع التنبه، في المقابل، إلى أن الشغور يمكنه أن يطول لسنوات، وأن البلد سيدفع ثمناً لذلك، ولا يمكنه استمرار تسيير شؤونه من دون رئيس دولة لفترة طويلة اضافية. ليست هذه دعوة إلى التهويل، ولا هي عزف على وتر الابتزاز تحت التهويل. الوعي بأن الشغور قد يستمر لسنوات يفترض بالأحرى التحرّك. التحرّك إلى مقاربة أكثر شمولية. مقاربة تُعيد الربط بين تعطّل هذه المؤسسة وتعطّل تلك. مقاربة تدرك أن معالجة الشغور الرئاسي غير ممكنة إذا ما أريد فصل هذا الملف عن سواه من ملفات انهيار «اللا نسق» اللبناني، كما عرفناه بأشكال عديدة، حتى الآن. الشغور إذا تمدّد لسنوات كارثة. الشغور إذا تقلّص لأضغاث أحلام كارثة أيضاً.

في أشياء النكبة..
علي نون/المستقبل/14 تشرين الأول/15
لم تتمكّن التركيبة القتالية التقليدية القائمة على استخدام الطيران والقصف البراميلي والصاروخي والمدفعي الكثيف والمركّز لمواكبة هجمات قوات برية نظامية تعود إلى بقايا جيش الأسد، وميليشيوية تعود إلى «حزب الله»، وعلى مدى مئة يوم وأكثر، من حسم معركة كبيرة واحدة في بلدة واحدة متوسطة الحجم اسمها الزبداني، وتقع في نقطة استراتيجية بالغة الأهمية… ومع ذلك يحاول الضخّ الممانع المرافق للهيجان الروسي الراهن، أن يبيع العالم من الآن، خواتيم وخلاصات حاسمة تتعلّق بكل جبهة الشمال وصولاً إلى دمشق نفسها، وعلى طريقة التاجر المحتال الذي يريد أن يبيع الناس سمكاً لا يزال في البحر!
نجحت الموجات الأولى من اعلان الانخراط الروسي، في إحداث صدمة سياسية كبيرة، لكن تبيّن (مرة أخرى) أن ذلك الإعلان أكبر من حقائق الميدان! وأن التبعات الحربية المفترضة لم تتحقق حتى الآن! ولم يخرج الأداء العسكري البوتيني كله من دائرة القصف عن بُعد، وهذه نتائجها لن تختلف بالمعنى السياسي عن نتائج «القيادة عن بُعد» التي اعتمدها مستر أوباما على مدى السنوات الماضية ولم تنتج شيئاً غير زيادة الأزمة السورية تعقيداً، وتثبيت شطارته في الحكي. وهو رئيس أكبر وأخطر دولة في العالم، وعلى طريقة طلاب كسالى في علوم الكيمياء داخل المختبرات: جرّبنا هذه التركيبة ولم تنجح! وجرّبنا تلك التركيبة وكانت ناقصة! وغير ذلك من الفذلكات اللغوية التي لا تليق بأحد! آخر هذه الفذلكات، كان ادعاءه بالأمس أنه جنّب أميركا تكرار تجربتي أفغانستان والعراق! مع أن الكبير والصغير والجاهل والخبير يعرف أن أحداً في هذه الدنيا لم يطلب إنزال «المارينز» في سوريا ولا احتلالها! بل «إنزال» موقف سياسي حاسم بدعم المعارضة فعلياً والسماح بتسليحها بما يفيدها.. والمفارقة، أن ذلك هو ما بدأت تفعله إدارة مستر أوباما في هذه الأيام! ما دفع بوتين بنفسه إلى إبداء توجّسه و»قلقه» من إسقاط خمسين طناً من المعدات العسكرية الأميركية في منطقتي الرقّة والحسكة ومن احتمال وصولها إلى غير موضعها؟!
خمسون طناً من دون أسلحة نوعية، دفعت بالرئيس الروسي إلى إبداء القلق! فكيف سيكون الحال لاحقاً مع ما هو أكبر وأهم؟ ومع ذلك، تريد الماكينة التعبوية الممانعة أن تشيع سلفاً مناخات الحسم وأن تقطف ثماراً واقعية من شجرة أوهامها: تتحدّث عن سيناريوات ميدانية تحتاج إلى عشرات الألوف من المشاة فيما الرقم الذي تعلنه لا يتعدى السبعة آلاف من مقاتلي «حزب الله» وبقايا السلطة الأسدية و»الخبراء» الإيرانيين! وتتحدّث عن «تحرير» مساحات جغرافية شاسعة في إدلب وريف حلب ودير الزور وسهل الغاب فيما هي عجزت عن حسم معركة الزبداني المحصورة والمحاصرة في حيّز جغرافي لا تتعدّى مساحته بضعة كيلومترات! والأنكى من ذلك كله، هو أنها تتجاهل عمداً وقصداً خبراً كبيراً من نوع أن «داعش» احتل مدرسة المشاة في منطقة حلب أول من أمس، وسلّمها أمس تسليم اليد إلى البقايا الأسدية! عدا عن استمرارها في تجاهل واقعة أن الرفيق بوتين، لا يفعل أي شيء، أي شيء، يمكن أن يضرّ إسرائيل من قريب أو بعيد، وتكتياً أو إستراتيجياً! .. كم هي كبيرة وصعبة واستثنائية نكبة شعب سوريا؟ وكم هو كبير واستثنائي ذلك التكالب على الفتك به؟!