علي حماده : عون ينتخب جعجع/حسان حيدر: حزب الله يجر لبنان إلى الحرب السورية/اميل خوري: بعدما نخر الفساد كل مفاصل الدولة لبنان بات في حاجة إلى حُكم الأيدي النظيفة

318

عون ينتخب جعجع…
علي حماده /النهار/24 أيلول 2015
قليل من الخيال: فلقد صمّت آذان اللبنانيين بخطاب الجنرال ميشال عون الذي يعطّل جهاراً إتمام الاستحقاق الرئاسي بذريعة أنه ضدّ الإتيان برئيس ضعيف التمثيل المسيحي يكون دمية في الحياة السياسية. طبعاً نحن لا نوافق عون على نظريته، وإنما ندعوه الى التفكير في قلب الأمور استناداً الى النظرية نفسها، ومواجهة رفض نصف لبنان له رئيساً على أساس انتمائه الى المحور الإيراني، وبالتالي فإن وصوله الى سدة الرئاسة يمثل استفزازا كبيرا لنصف اللبنانيين على الاقل. ومن هنا فهو لن يكون في رأينا مؤهلاً لجمع اللبنانيين، فضلاً عن شخصيته الصدامية، وخطابه السياسي المتوتر الذي يخلف اللبنانيين بدل أن يجمع بينهم. ندعوه على أساس تمسكه بنظرية المسيحي القوي – هذا إذا كان ضنيناً بقوة التمثيل المسيحي ومتمسكاً بنظرية الرئيس القوي، الى ان يقلب الآية بقوة حواره المستجد مع حزب “القوات اللبنانية” وان يتبنى ترشيح رئيسها سمير جعجع بهدف كشف نيات “المسلمين آكلي حقوق المسيحيين”، فهو بخطوته هذه يجمع الفريق المسيحي خلف ترشيح موحد، ويكون أدى خدمة اولا للموقع المسيحي، وثانيا للوحدة المسيحية التي طال انتظارها. أما “حزب الله” فيصعب عليه الوقوف ضد اجماع مسيحي. فلماذا لا يفكر في قلب الأمور إذا كان مرتاحاً الى نتائج حواره مع جعجع؟
طبعاً هذا سيناريو من محض الخيال، ولا نظن عون يفكر لحظة واحدة في تبني ترشيح غيره، أكان “العدو الودود” جعجع، أم غيره غير المعلنين رسميا مثل الرئيس الجميل. عون لا يريد رئيساً غير عون، ولا يريد قائداً للجيش غير صهره العميد شامل روكز، ومن هنا تبقى الأمور واقفة عند نقطة الصفر. وكما قال النائب سامي الجميل نحن أمام حلّين إما رئيس توافقي، وإما لا رئيس وشغور مديد. لكنني كنت تمنيت على الجميل باعتباره ركناً من قوى ١٤ آذار ان يتريث في الطرح، فلا يضرب ترشيح جعجع مجاناً، علما بأن الأخير سبق أن قال إنه يسحب ترشيحه أمام مرشح تسوية!
بالعودة الى الحلول التي يتم تداولها في موضوع الترقيات في المؤسسة العسكرية، والتي نلمس فيها كثيراً من الصبيانية السياسية، بل أسوأ من ذلك، نلمس إذعاناً أمام ابتزاز الجنرال ميشال عون الذي يخوض معركة إيصال صهره روكز الى قيادة الجيش من دون إقامة أي اعتبار لعشرات الضباط الذين يتقدمون على الأخير في الأحقية. ونحن نقول لمبتدعي “التوليفات” في التعيينات، ولا سيما الوسطيين، إن القضية لا تتعلق بكفاءة العميد المذكور بمقدار ما تتعلق برفضنا إيصال ضابط مهما علا شأنه الى قيادة الجيش، يكون جزءاً من تركيبة سياسية تنتمي الى محور اقليمي يمتد من طهران الى حارة حريك.
بصراحة إن وصول عون الى سدة الرئاسة هو انقلاب واعلان حرب في البلد، ووصول مرشحه، بصرف النظر عن حسناته، هو إدخال للجيش في انقسام عميق يدمره. إننا ندعو عون الى تحكيم مصلحة لبنان والمسيحيين والبحث عن تسويات منطقية.

 

«حزب الله» يجر لبنان إلى الحرب السورية
حسان حيدر/الحياة/24 أيلول/15
بعد الاتفاق الأميركي- الإيراني والانخراط الروسي في سورية المتوافق عليه ضمناً مع واشنطن، تكثر التساؤلات عن إمكان استمرار «الحصانة الدولية» التي وَقَتْ لبنان حتى الآن من عدوى حرب الجيران وأبقت على توازنه الهش، ذلك أن البلد الذي يغوص أقوى أطرافه بعمق في المستنقع السوري، لا يملك الحد الأدنى من الحصانة الداخلية لمنع انزلاقه بالكامل إليها وسط ارتسام حدود الدويلات السورية أكثر فأكثر. ومرد هذه التساؤلات إلى أنه ليس في لبنان أي مرجعية شاملة بالمعنى السياسي والطائفي والاجتماعي، وحتى الاقتصادي، فهذه كلها موزعة على أكثر من جهة، مع خلل فادح لمصلحة طائفة معينة، فيما الوضع في الجوار السوري، على ما هو واضح في دوافع التدخل الروسي وتبعاته، يتطلب توحيد القرار اللبناني بيد جهة واحدة نافذة، تستطيع متى حان الوقت الانضمام الى المحور الجديد بقيادته الروسية- الإيرانية المشتركة وخدمته. ولطالما كانت الأوضاع في لبنان تتغير تبعاً للتقلبات في الجوار السوري، لكن هذا التغيير شهد أحياناً محطات حادة، مثلما حصل في 1975 عندما اختلطت الأزمة الاجتماعية المستفحلة بالمأزق السياسي الإقليمي. يومها تحول الاحتقان الداخلي إلى حرب أهلية شارك فيها الفلسطينيون، فيما الأحزاب اليمينية واليسارية غافلة أو متورطة في ما كان يحاك في دمشق للبلد الصغير، وما ينصب مع الأميركيين، وعبرهم مع إسرائيل، من فخاخ لتغيير مصيره. أو مثلما حصل مرة أخرى في 1989 مع اتفاق الطائف الذي كرس الهيمنة السورية على لبنان وشرّع تدخلها في تفاصيله السياسية والاقتصادية عبر شرذمة جماعاته الأهلية وتفتيت قرارها. واليوم، وعلى رغم أهمية الحراك الاجتماعي في وجه نظام التوافق الطوائفي المتعثر، إلا أن العوامل التي تحدد مصير لبنان مرتبطة أساساً بالتجاذبات الإقليمية المحتدمة في سورية والعراق واليمن وسائر جبهات المواجهة بين المحورين العربي والإيراني. لكن التأزم الداخلي قد يستخدم منصة أو ذريعة لتحديد الخيارات والمسارات المستقبلية. ولعل «حزب الله» وحلفاءه المشتركين مع بشار الأسد، وبينهم خصوصاً ميشال عون بحيثيته الملتبسة، يجدون في الاحتجاجات على الوضع المعيشي المتدهور، والتي تفضح فشلهم مع غيرهم من أقطاب النظام، فرصة مواتية للانقضاض على ما تبقى من دولة مشلولة وحياد خجول، وفرض أنفسهم بديلاً من «احتمالات الفوضى والضعف». وتندرج في هذا الإطار تصريحات مسؤولي الحزب المتكررة عن الإتيان برئيس «قوي يلتزم تعهداته»، ومطالبتهم بقانون انتخابي يكون فيه لبنان دائرة واحدة ويُنتخب الرئيس مباشرة من الشعب، وربطهم تفعيل العمل الحكومي بإقرار تعيينات أمنية محددة تشمل أشخاصاً بعينهم، واتهامهم المتظاهرين المسالمين وقياديي الحراك الشعبي المطالبين بحلول فورية لمشكلات ضاغطة ناجمة عن فساد النظام ورجالاته بـ «الداعشية» وبالارتباط بـ «الاستخبارات الأميركية»، وتحذيراتهم من «الخطرَيْن الوجودييْن الإسرائيلي والتكفيري» اللذين «يتجاهلهما دعاة الإصلاح». ويعني هذا عملياً أن الحزب الوحيد المسلح الذي يحول دون انتخاب رئيس، إنما يضع شروطاً مستعصية للإبقاء على الفراغ تمهيداً لملئه، مثل أن يلتزم الرئيس العتيد ثلاثيته الشهيرة، وأن ينتخب من بيئته الحاضنة، وأن تكون لرجال الحزب وحلفائه السيطرة التامة على الدفاع والأمن وأجهزتهما، وخصوصاً أن يسارع المحتجون في الشارع إلى إثبات ولائهم لـ «المقاومة» وتجير شعاراتهم وجهودهم لخدمتها، وإلا «واجهوا مصير الخونة المحتوم».
ليس ما يشغل «حزب الله» الأوضاع الاجتماعية المتدهورة التي تطاول قسماً كبيراً من جمهوره، بل كيف سيُلحق لبنان بالكيان الآخذ في التبلور عند حدوده الشمالية والشرقية بحماية روسية.

بعدما نخر الفساد كل مفاصل الدولة لبنان بات في حاجة إلى حُكم الأيدي النظيفة
اميل خوري/النهار/24 أيلول 2015
الفساد الذي تطالب كل الشعوب بمكافحته بات آفة عالمية خصوصاً في هذا العصر، لكن الفارق هو بين دول تحاسب وتحاكم الفاسد ودول لا تحاسبه ولا تحاكمه لا بل تكرّمه أحياناً… ولبنان هو بين هذه الدول، فمنذ أن وضع “قانون من أين لك هذا؟” لم يحاسَب أحد، ولم يحاكم أحد، ولا عهد حاسب عهداً سابقاً بل كانت عبارة “عفا الله عما مضى” هي التي تطوي صفحة وتفتح صفحة جديدة، وهذه العبارة هي التي شجعت على تفشي الفساد في كل مفاصل الدولة، ولا سيما هذه الأيام على رغم أن مكافحة الفساد وضعت لها قوانين لا تحصى لكنها ظلت من دون تنفيذ.
لذلك فإن الحل العملي يكون برفع السرية المصرفية عن كل من يتعاطى الشأن العام وانشاء محكمة خاصة لمحاكمة المجرمين سواء كانوا قتلة أم مختلسين وفاسدين لأن المحكمة الخاصة تسرّع في إصدار أحكامها وليست كالمحاكم العادية التي قد لا تصدر أحكامها أحياناً إلا بعد وفاة من تحاكمه!
ومكافحة الفساد تبدأ ليس برفع السرية المصرفية فقط عن كل من يتعاطى الشأن العام، إنما بانتخاب رئيس للجمهورية له سمعته العطرة وتأليف حكومة الأيدي النظيفة، كلها نظيفة، لأن يداً واحدة غير نظيفة تفسد الحكومة كلها ومعها العهد. واذا كان لبنان فشل في مكافحة الفساد فلأن الحكومات التي تشكلت خصوصاً بعد حرب الـ75 راعت الازدواجية فأبقت عقلية الحرب سائدة ومتعايشة مع عقلية الدولة، فتم جمع بعض أهل الحكم بين سلطة الشرعية وسلطة الشارع، وبين الذهنية الميليشيوية وذهنية النظام والقانون، بحيث يكون وزير في الحكومة وفي الوقت عينه زعيم ميليشيا مما يحول دون تمكين النظام السياسي من فرض نفسه ومن تطبيق القوانين وإقامة دولة المؤسسات ومحاسبة الفاسدين والمفسدين. إن المرحلة المقبلة من تاريخ لبنان يجب أن تكون مرحلة أمل وأمن وأمان، أي مع عهد جديد يتسع فيه العمل لكل القوى السياسية والاقتصادية الفاعلة داخل لبنان وخارجه وفي ظل النظام الديموقراطي والدستور والقانون، مع إحداث تغيير جوهري على مستوى الاداء السياسي والاداري والقضائي، وان يراعي تشكيل حكومة العهد الأولى التي تنبثق من مجلس نيابي جديد. تمثيل شتى فئات الشعب وأجياله مؤشراً لبداية التغيير والاصلاح الفعلي لا الكلامي، حكومة تطبق مبدأ الثواب والعقاب وتفعّل هيئات الرقابة وتعيد النظر في تعيينات موظفي الفئة الأولى، فتضع الصالح منهم في المكان الصالح، حكومة تكمل تنفيذ ما بقي من اتفاق الطائف، وتباشر ورشة عمل لتحقيق الانماء المتوازن ورعاية المناطق المحرومة رعاية خاصة، وتلزيم المشاريع بشفافية مطلقة منعاً لأي إهدار أو اختلاس. وإذا لم يكن مطلوباً من العهد العتيد محاسبة عهد سابق، فان عليه ان يجعل المحاسبة تبدأ برفع السرية المصرفية عن كل من يتعاطى الشأن العام لأنه الوسيلة العملية للحد من الفساد وليست التصاريح الورقية التي اعتمدت وكان تطبيقها فاشلاً، عهد لا يسمح بالتجاوزات والارتكابات ولا بالتساهل في تطبيق القوانين على الجميع، ويعطي كل مؤسسة الدور المحدد لها في الدستور بحيث لا تتدخل واحدة منها في شؤون الأخرى، أو تتجاوز مؤسسة صلاحيات مؤسسة أخرى، أو تتشابك الصلاحيات فتضيع الادوار والمسؤولين، ليتحقق الفصل التام بين السلطات مع الحرص على تعاونها.لقد وصف الرئيس سليم الحص في احد مقالاته الفساد بأنه “آفة العصر”، وان “استشرى في لبنان واختلط الأمر عند الناس بين الاثراء غير المشروع والشطارة … وقلّما وجد بلد في العالم كان بريئاً من آفة الفساد، وان اي محاولة لمكافحة الفساد لن تجدي في اجواء لا تدين الفاسد أو المفسد، فلا بد من تعزيز القيم الاخلاقية في المجتمع. كما أن للمدرسة والتربية الوطنية دوراً في توطيد أسباب المناعة في المجتمعات في وجه تعاظم الفساد والافساد”.
وكتب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون مقالاً في “النهار” عام 2010 تحت عنوان: “المساءلة اساس النجاح” قال فيه: “من دواعي التفاؤل ان هناك اعترافاً متزايداً لدى القادة بالحاجة الى المزيد من المساءلة، فعلينا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن نكون مسؤولين أمام الفئات الأكثر ضعفاً وعلَّة ذلك واضحة من الناحية الاخلاقية”. وختم: “في زمن سمته التقشف يجب أن نتحلى بالحكمة في استخدام مواردنا القليلة، وليست المساءلة عملاً خيرياً بل هي تتبوأ موقع المركز من اي خطة انتعاش، والتركيز على حاجات الفئات الأكثر ضعفاً من شأنه أن يحفز النمو الاقتصادي ويرسي الأسس لعيش أكثر استدامة ورخاء في المستقبل”.