لبنان الجديد: إنه الجهل المقدّس/الشيخ حسن مشيمش: ماذا أخبرني الغيم عن العدالة والظلم وحكّام العرب

402

ماذا أخبرني الغيم عن العدالة والظلم وحكّام العرب..
الشيخ حسن مشيمش/جنوبية/الجمعة، 12 يونيو 2015

مناجيًا ربي، جلست أعاتبه وأنا أنظر إلى الغيم، أسأله عن العدالة والظلم وحكامنا العرب… هذا ما توصّلت إليه. في محراب الطبيعة وعلى أطراف قريتي بعيداً عن مرأى الناس ومسمعهم رفعت رأسي ويمّمت وجهي نحو السماء معاتباً وراضياً، متذمراً وموافقاً في آن معا وأنا أخاطب إله الوجود ـ (لا لأنه كائن في السماء كما يعتقد أبي، بل لأنها رمز كبريائه ونفوذه المطلق، ولأنه فوق المكان والزمان).” لو صوّر العقل لأظلمت معه الشمس ولو صُوّر الجهل لأضاء معه الليل في هذه اللحظات تمنيت لو أنه لم يخلقني وكنت عدماً ونسياً منسياً لم تلدني أمي تماماً، كما تمنّت مريم والدة المسيح (ع) وعلي بن الحسين (ع)، تمنيت ذلك مع شك في ما تعلمته: (من أن الوجود خير من العدم) إلا أنه كان مصحوباً بيقين لا شك فيه بيوم (العدل) بعد الموت وُعِد فيه المظلوم (مثلي) بأنهار من لبن وعسل وخمرة لذة للشاربين (غير مسكرة) وحور عين كأنهن الياقوت والمرجان، سألته بخفقات قلبي ودموع عينيّ بعيدا عن التكلف في صناعة الكلمة والكلام والكلم متحرراً من كسرة المجرور وضمة المرفوع وفتحة المنصوب وقد اكتشفت مؤخراً ان الإمام علياً (ع) قال: “خير الدعاء ما لا يتكلف الداعي به بين يدي ربه”، ولكثرة ما استنزفتنا قواعد اللغة وسائر علوم الدين والدنيا نسيت بديهة ـ (تضاف الى بديهيات كثيرة نسيناها وعلى الأرجح تناسيناها) ـ وهي أن الخالق جلت قدرته يدرك معاني اللهجات ودلالات الإشارات والإيماءات المتغايرات في مخلوقاته الناطقة والصامتة كافة تماما كما يدرك معاني العبارات الفصيحات ذات الدلالات البليغات؟ سألته معاتباً وراضياً في آن معا عن السر المضمر في إمهاله حكّامنا اللصـوص الكبار وأحزابهــم الثورية وشعراءهم وكتّابهم ووعاظــهم الذين جعلوا بفنون ألسنتهم وأقلامهم قبح هؤلاء اللصوص وظلمهم عدلاً، وشرورهم خيراً، تارة بحجة المرحلــة الحساسة او الحالة الاستثنائية الخطيرة أكثر من أي وقـت مضى او بالعنوان الثانوي وتارة بالخيار الضـروري الواقعي و..؟ سألته معاتباً وراضياً في آن معاً عن سره المضمر في إمهاله (لا إهماله) الطويل لأولياء أمورنا السياسية ـ (والدينية) الذين استجدوا منا زهرة عمرنا وتسولوا ربيع حياتنا للتضحية بهما في سبيل العدالة من أجل الجميع فوهبناهما لهم بكل رغبة ومن دون أدنى تردد، ولما أثمرت لهم في بنوك السياسة مالا ونفوذا وجاها لم يتورعوا كسابقيهم من إلزامنا بعبادتهم بوصفهم شركاء لله بالأمر والنهي او من دونه عز وجل وفرضوا علينا ان نجعلهم ونؤمن بهم شخصيات قيادات مخلوقات فوق المحاسبة والمساءلة والمراقبة والمعارضة يسألوننا عما نفعل ونقول ونكتب (ونهمس) وهم لا يُسألون عن شيء؟

الكافر العادل في الأرض مؤمن في السماء لعدله
والويل لنا والثبور وعظائم الأمور ان لم نعتقد بأن أصلاب الرجال عقرت وأرحام النساء عقمت عن إنجاب أمثالهم وأمثال ذراريهم وليداًتخلية الشيخ حسن مشيمش بعد وليد وحفيدا بعد حفيد، وان الواحد منا عندهم لا يصبح عزيزاً إلا إذا جاد بألحان الموسيقى وأوتار الغناء وعيون القصائد للإشادة بهم والإطراء لهم والتمجيد بعظمتهم، وازدان صالونه وحجرة نومه وزجاج سيارته الأمامي والخلفي بصورهم الفوتوغرافية او الزيتية ودعا الله لهم في مبتدأ كل حفل واحتفال وفي ختامه، وعقيب كل صلاة وطواف وإفطار وفي ختام كل منسك؟

وأما الذليل منا عندهم فهو كل من استعمل فعل الماضي او المضارع منطويا على تساؤل ما متعلقا بجانب ما من سيرتهم ومواقفهم اذا كان مسبوقاً بالكلمات التالية: أنى… عسى… لعل… لماذا… ربما… الواحد من تلك القيادات الشخصيات المميزات ان يكون مخطئا او مشتبها او قاصرا بهذه المسألة او تلك؟ سألته معاتبا وراضيا في آن معا عن اللغز المضمر الخفي، وعن السر المستتر الكامن في نجاتهم من زلازله وفيضاناته واعصاراته وصواعقه ومجاعاته والتي تصيب سائر عباده في أطراف أرضه؟

وبعد الدعاء والمناجاة والسؤال والتساؤل كأني قرأت إجابة بليغة فصيحة مخطوطة بغيوم الفضاء في أفق السماء بالكلام التالي:

أيها المخلوق إن الأرض والكون خاضعان لقوانين لا يعطّلها دعاؤك ولا تبدلها مناجاتك ولا تغيرها مظلوميتك.

إلا أن العدالة التي تطمح لها أنت والمجتمعات الانسانية هي خاضعة للقانون التالي:

ان صناعة العدالة في السماء بعد الموت وظيفتي لا وظيفتكم، وان صناعة العدالة في الأرض قبل الموت هي وظيفتكم لا وظيفتي!

وان كل ظالم فيكم ما هو إلا صنم ولو كان ساجداً داخل بيتي الحرام او راكعاً تحت قبة كنيسة بيت لحم او مُهطعاً رأسه عند حائط المبكى، فإن لم تُكسِّروا أصنامكم (البشرية) بعقولكم لا بزنودكم، وتحطموها بأدمغتكم لا بفؤوسكم، وتهدموها بعلــمكم لا ببنــادقكم وتفضحوها بأقلامكم لا بدمائكم فلن تستطعموا حلاوة العدل بينكم ولن تستذوقوا ثمرة القسط فيكم!

ولو صوّر العقل لأظلمت معه الشمس ولو صُوّر الجهل لأضاء معه الليل.

الكافر العادل في الأرض مؤمن في السماء لعدله

والمسلم الظالم في الأرض كافر في السماء لظلمه!

الظالم ليس له دين ولا مذهب ولا طائفة ولا وطن ولا هوية ولا تصدقوه في معاداته للامبريالية والصهيونية؟ هكذا قرأت في غيوم السماء فاعذروني ان كنت أهذي من خداعها أليست الحياة أمست هذياناً وخداعاً في مجتمعنا العربي الشرقي.

إنه الجهل المقدّس
لبنان الجديد/12 حزيران/15
مصطلح قبض على ناصية الحقيقة التي تعيش فيه شعوب منطقتنا،هذا المصطلح الذي يلخص المرحلة العربية والإسلامية بأسرها. فنحن نعرف أن القداسة مفهوم في غاية السمو والإرتقاء،ما أضيف إلى إسم أو مفهوم أو نص أو كتاب إلا زانه وعرفه ورفعه. والجهل مفهوم غاية في الدنو والإنغماس والركوس إلى الأسفل فكيف تضاف القداسة إلى الجهل؟ نعم،كيف يضاف الغس إلى الثمين، كيف تضاف الظلمة إلى النور؟ نعم، عندما ندخل عالمنا العربي اليوم نجده ينغمس بموروثات يعتبرها مقدسة وهذه الموروثات لا تضع مجتمعنا في نقطة التوقف الزمني فحسب بل ترجع به إلى الوراء ،إلى أراء ماضين سبقتهم التجارب الإنسانية والتراكم الكمي والنوعي للمجتمعات البشرية ومع ذلك يأتي من يقدم رؤية الحاضر بفهم الماضي. الماضي الذي يمضي مرغما وليس بإرادة أحد رده إلى الحاضر، كل شيء في هذا الكوكب في تماه مع حركة الكون نحو التطور والتغير.وحده العقل العربي والإسلامي يستعصي على عملية التحول والتطور، وإذا أمعنا النظر قليلا في الأسباب الواقعية لنعزو إليها السبب، السبب المباشر أو غير المباشر في عملية الإنغماس في غياب الجهل المقدس لرأينا الفكر المتدين المهيمن على الحرية المعطلة التي عطلها رجال الدين وأشباههم ليس خوفا على الدين، فالدين مع الحرية يصعد بالإنسان إلى النور المقدس،بل خوفا على الموقع المتسلط باسم الدين أي تجارتهم الرابحة التي من خلالها قبضوا على مقاليد السلطة واستبدوا باسم الدين .

أرادوا حصار المعرفة بالدين والدين لا يريد أن يقيد المعرفة ويحصرها به وارادوا تدين المرافق العامة للحياة اليومية للجماعة، والدين يريد أن يدين الفرد بمفهوم يحترم الحياة ويصنعها ويعمل لما بعدها . كيف لا وهم يختصرون الثقافة بمَا يقرأون ويحرمون قراءة الآخر وثقافته ورؤيته للحياة ، يأخذون من الآخر كل ما يحتاجون بمَا وصل إليه من تقدم تقني ولا يريدون أن يعترفوا ، له به ، بل ويريدون أسلمة المعرفة وأكثر من ذلك يتبجحون أنهم وكتبهم لديهم حل كل مشكلات الحياة إن مقولة الدين ما ترك من شارده ولا وارده إلا وبينها، قول فيه تجديف، بالمعرفة والدين معاً . نعم للدين مساحاته في أحكام   كلية وللفراغ مساحة يملأها العقل البشري قياساً وتنزيلاً مع المقصد الديني . ولذلك نقول إن إنسداد العقل عن جهده في مواصلة تقديمه الرؤيا هو العائق الأساسي في تطور العقل العربي والإسلامي وأن الإستبداد وقمع مناخ الحرية في التفكير وتقديم الأفكار القديمة كمقدس لا يمكن أن تمتد إليه يد العقل هو الحاجز أمام عبور مجتمعاتنا العربية إلى التقدم والرقي والبقاء في آتون النزاعات الدينية والمذهبية والعرقية والقومية.