زكريا الموسوي/أسرار زيارة لاريجاني إلى لبنان وسوريا: الدفع بنصرالله للتشدد وببشار للثبات

354

أسرار زيارة لاريجاني إبى لبنان وسوريا: الدفع بنصرالله للتشدد وببشار للثبات 
زكريا الموسوي/الشراع
02 كانون الثاني/15

*خامنئي يخشى بيروستريكا ايرانية في حال تم الاتفاق علناً مع اميركا
*ايران متحسسة من مشاركة موسكو لها في سورية ولاريجاني أراد استعادة مبادرة انقياد الاسد لها
*جاء لاريجاني لبشار ليقول له ((اثبت)).. ولنصرالله ليقول له ((تشدد))
*قصة الخلاف بين لاريجاني وشقيقه محمد صاحب كتاب ((أم القرى))
*لاريجاني سعى للتأكيد بأن لبنان مرتبط بالأزمة السورية وان مفتاح الحل بيد ايران وليس مع باريس او موسكو
*الحرس الثوري أوفد لاريجاني للرد على زيارة شمخاني المحسوب على روحاني والاصلاحيين
تأخرت زيارة رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني الى بيروت نحو 12 ساعة. ويقال ان لاريجاني نصح بعدم سلوك الطريق البري بين بيروت ولبنان ليلاً. وحتى اقتراح ان تقله طائرة هليكوبتر عسكرية للبنان، أو ان يصل جواً عبر طائرة خاصة تقله من مطار دمشق الى مطار بيروت، لم تره الجهة الامنية الايرانية المرافقة له، محموداً. ولم يتضح ما اذا كان ذلك هو تدبير احترازي ام انه ناجم عن معلومات معينة حول استهداف رئيس البرلمان الايراني.
ووفق الخطة المعدة مسبقاً لزيارته للبنان، فإن لاريجاني كان يفترض ان يبدأ نشاطاته منذ ساعات صباح يوم الاثنين الباكرة: الساعة التاسعة يجري استقبال لشخصيات عامة في فندق ((فينيسا)) حيث يفترض ان يقيم، ثم تكر سبحة لقاءاته الرسمية.
وبكل الأحوال فإن تأجيل الزيارة 12 ساعة، يعطي بالشكل فكرة عن ان المسؤول الإيراني بات يتنقل بين دمشق وبيروت بحذر. وثمة معلومات تقول ان لاريجاني تقصد تسريب خبر انه غـيّـر مواعيد رحلته من سورية الى لبنان، وذلك من باب التمويه، ولأسباب امنية، في حين انه في الواقع ظل محافظاً على خطة وصوله لبيروت بحسب الرزنامة المعدة. وثمة نقطة ثانية أثارتها بالشكل زيارته، فلاريجاني بدأ جولته لسورية ولبنان من دمشق، محافظاً بذلك على تقليد سوري قديم يفضل ان يدخل القادمون السياسيون الى لبنان من البوابة السورية.
وفي الآونة الاخيرة كفت الدول عن احترام هذه الرغبة السورية الاستعلائية، وباتوا يأتون الى لبنان من بوابة مطاره، وليس من بوابته السياسية دمشق. وحدهم الإيرانيون ما زالوا يحافظون على هذا التقليد السوري ويحرصون على ان تكون بيروت هي المحطة الثانية في زيارتهم بعد دمشق. ويبدو التاريخ من منظار ايران في رؤيتها لعلاقاتها مع كل من سورية ولبنان، متوقفاً عند محطة ما قبل العام 2011, فقصر الشعب في سورية يؤدي الى حارة حريك. وما بينهما يوجد الفراغ اللبناني الذي تتعامل معه الدبلوماسية الايرانية بأسلوب فلوكلوري ليس أكثر.
والمشهد الذي ما يزال الإيرانيون متوقفين عنده، هو ذاك المتمثل بالصورة الشهيرة التي جمعت الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي مع كل من الأسد والسيد حسن نصرالله وهم يهزون بقبضاتهم في الفضاء عقب اجتماع قمة للدول الثلاث مثل لبنان فيه نصر الله.

لاريجاني ولملمة أوراق الضغط
ومن وجهة نظر متابعين للسياسة الايرانية فإنه يجب التوقف عند ان زيارة لاريجاني للبنان، تحمل عدة سمات اساسية، من بينها انها تأتي في سياق تطورين: احدهما المبادرة الروسية التي طلبت من بشار الأسد بعض التنازلات، فيما لاريجاني طلب من الأسد التشبث بمواقفه وامتدحه على نحو مبالغ فيه, وهو امر توقف عنده كثيرون حتى مقارنة بالتصريحات الايرانية السابقة..
ومن الواضح ان طهران تريد استعادة كل مبادرة انقياد الأسد لها، وهي تتحسس حتى من مشاركة موسكو لها على هذا الصعيد.
التطور الثاني وهو يخص لبنان, يأتي في إطار إثبات طهران انها ليست غائبة عن الحراك الدولي الجاري حالياً تجاه لبنان على خلفية مساعدته لتثبيت استقراره وانتخاب رئيس جمهورية جديد. وتريد طهران القول ((نحن هنا موجودون على تقاطع الحراك الدولي في لبنان)). والرسالة التي تم إيصالها للأسد: ((اثبت في التصعيد))، ينتظر إيصالها للسيد حسن نصر الله ((اثبت في التشدد)). والخلفية التي تتحكم بكل هذه المواقف، تريد ان تظهر أمراً أساسياً وهو ان لبنان مرتبط بالأزمة السورية، وكلا الازمتين لهما مفتاح واحد هو ايران، أي ليس باريس ولا حتى موسكو.

ما بين زيارتين
السمة الثانية لتوقيت الزيارة تتمثل بأنها تلي زيارة أمين عام مجلس الامن القومي علي شمخاني، وكأنها تصحيح للانطباع الذي تكون عنها. فالأخير يعتبر محسوباً على الرئيس حسن روحاني، وبكلام آخر على التيار الإصلاحي المعتدل في ايران. فيما لاريجاني محسوب على تيار التشدد. وكانت زيارة شمخاني للبنان حدثت في عز طفرة التوقعات الإيجابية عن إمكانية نجاح مفاوضات الخمسة زائد واحد، وإرساله للبنان كان محاولة رشوة للعالم بأن طهران لديها ما تقدمه من اجل استقرار لبنان. أما زيارة لاريجاني فتأتي في وقت يوجد فيه تصعيد في صراع الإرادات داخل مفاوضات الخمسة زائد واحد، وعليه فإن طهران معنية بتطيير رسائل تشدد في إقليمها.
السمة الثالثة لتوقيت الزيارة تتناسب مع توجه ايران العام في هذه الفترة للملمة أوراقها الإقليمية الضاغطة على الغرب. ومن بينها ورقة ((حماس)) التي تم التركيز خلال الأسبوع الفائت على انها عادت للحضن الإيراني. والواقع ان الأسبوعين الأخيرين شهدا تكثيفاً للحركة الايرانية باتجاه تسليط الضوء على أوراقها الإقليمية، من ((حماس)) الى الحوثيين في اليمن الى كلام لاريجاني عن الأسد وزيارته للبنان من بوابة تصريحاته العالية النبرة عن نظام الأسد ومحور المقاومة انطلاقاً من دمشق، وقبلهما قيام إمام جامع طهران يوم الجمعة ما قبل الماضي بشن حملة انتقادات على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والكلام الجديد بالتعاطف ضمناً مع الإخوان المسلمين هناك.

بين علي ومحمد لاريجاني..
علي جواد لاريجاني الذي كان ضيف ((محور الممانعة)) في لبنان بدايات الأسبوع الحالي، توجد له في ايران قصة شائعة ومعروفة، ومفادها افتراقه السياسي والايديولوجي عن شقيقه محمد جواد لاريجاني. فلاريجاني الضيف تخرج من جامعة طهران في مادة الفلسفة، وكان ارتقاؤه في مناصب الدولة يتم بمبادرة من المرشد وولي الفقيه، وذلك لمصلحة طمس شخصية شقيقه محمد لاريجاني الأكثر علماً والأغنى تجربة، ولكن مع نقطة ضعف من وجهة نظر المرشد تتمثل بإعجابه بالمجتمع الأميركي الذي عاش فيه حينما كان طالباً هناك يدرس مادة الفيزياء.
لا يقل محمد عن شقيقه علي حماساً لضرورة ان تحكم ايران باسم الإسلام المنطقة كلها. فهو صاحب كتاب ((أم القرى)) الذي صدر عام 2008 وفيه يقول ان على العرب ان يسلموا بأن ايران لها مكانة أم القرى وعليهم جميعاً ان يخضعوا لها بالسمع والطاعة. ولكن محمد لاريجاني يريد تسريع العلاقة الايرانية مع اميركا، فيما خامنئي يخشى من بيروستريكا إيرانية تتم نتيجة انفتاح إيراني سريع على الغرب.
اما علي لاريجاني فيؤمن بنظرة المرشد حول ضرورة انفتاح استراتيجي مع اميركا مقابل انغلاق اجتماعي داخلي، ما يحفظ لإيران مصالحها التوسعية ويحفظ للملالي سيطرتهم على الحكم. وفيما علي لاريجاني هو خريج جامعة طهران بمادة الفلسفة وابن مجتمع الملالي المغلق فإن محمد لاريجاني هو أحد أبرز خبراء إيران في مجال الفيزياء، وهو رئيس مؤسسة دراسات العلوم. تولى منصب مساعد وزير الخارجية لعدة سنين في عهد الخميني، وقد أقيل من مهامه بعد دعوته إلى قيام علاقات مع الولايات المتحدة، ويتم تقديمه عن قصد داخل ايران انه خلافاً لشقيقه الأصغر علي لاريجاني – رئيس البرلمان الإيراني حالياً – معجب بالمجتمع الاميركي وثقافته، ويجيد اللغة الإنكليزية بدرجة ممتازة، وحين ظهرت الحاجة اليه ليرأس الوفد الإيراني في مباحثات بغداد مع الولايات المتحدة الاميركية حول الأمن في العراق عام 2005 ارتبكت القيادة الإيرانية لأيام عدة، إذ إن قيادة الحرس الثوري المعنية بشأن العراق كانت تعتبر إيفاد رجل مثل محمد جواد لاريجاني – المعروف بتوجهاته الليبرالية، وعلاقاته الوثيقة مع الأوساط الإعلامية والجامعية ومراكز الأبحاث المتخصصة بشؤون الشرق الأوسط في الولايات المتحدة – سوف يحرج القيادة الإيرانية لعدة أسباب، إذ لا يخفي لاريجاني إعجابه الشديد بالمجتمع الاميركي، وقد اعتبر الحرس الثوري يومها ان التفاوض مع الأميركيين علناً سوف يُشكل خطراً على مصالح ايران، ودعماً غير مباشر للأطراف الإصلاحية والليبرالية الداعية إلى المصالحة مع الولايات المتحدة، وسوف يفضح السياسة الإيرانية التي تقيم أصلاً علاقات سرية مع الولايات المتحدة من خلال المفاوضات العلنية التي سيقودها لاريجاني علناً، مما أدى إلى اتخاذ المرشد علي خامنئي – بعد اجتماع مع أحمدي نجاد – قراراً برفض إيفاد محمد جواد لاريجاني للتفاوض، لما ينطوي عليه ذلك من مخاطر.
وتتسم شخصية محمد جواد لاريجاني بمزجها بين الجوانب الثقافية القومية والمذهبية الشيعية والبراغماتية السياسية وربما كان مرد ذلك الى الخلفية العائلية والعلمية والتربوية له. يبقى القول ان علي لاريجاني في زيارته للبنان وقبلها لدمشق، يسير الى جانبه ظله غير السياسي – الشقيق – والمنافس له ، أي محمد جواد البراغماتي في التعبير عن مصالح ايران. وعليه فإن علي لا يحصل على تبرير مكانته ودوره بمواجهة كفاءة شقيقه، إلا إذا رفع صوته بنبرة التشدد وإعلان العداء لأميركا ولقيم الغرب وإظهار ان لإيران وجهاً واحداً هو الحرس الثوري.