شارل الياس شرتوني/الاوليغارشيات تستنسخ ذاتها وفترة اللاسماح

78

الاوليغارشيات تستنسخ ذاتها وفترة اللاسماح
شارل الياس شرتوني/11 أيلول/2021

إنتهت مسرحية حزب الله كما أعلن كومپارسها الأول ميشال عون باستعادة التوزان والبدء بعملية الاصلاح، وتلاه كومپارسها الثاني نجيب ميقاتي الذي طلب عدم عرقلة العمل الحكومي، والكومپارس الثالث جمهور اللبنانيين المتسائلين حول أسباب هذه الولادة المتأخرة وهل من خير يرجى لجهة حل المسائل المالية والحياتية والتدهور المعيشي الذي لا أفق له. الجواب الوحيد لكل هذه التساؤلات، حتى الساعة، هو أننا تحت سيطرة حزب الله وكل ما جرى وسوف يجري ما هو الا تخريج لسياساته وأولوياته وما يفيض عنها من تدابير استنسابية في المجالات السياسية العامة، مما يعني أن تأليف الحكومة لم يأخذ منحى تطبيعًيا ينقلنا من وضعية الأزمات البنيوية والظرفية المديدة، الى مرحلة الحلول الناجزة والنقلات النوعية.

تعكس التشكيلة الوزارية على تفاوتاتها تقاسم الحصص الوزارية بين أقطاب الاوليغارشيات وواقع التبعيات التي تحكم هوامش حركة هؤلاء الوزراء، ناهيك عن أحكام الاقفالات والولاءات الشخصية والفئوية والمذهبية، وغياب أي برنامج حكم ينبىء عن توجهاتها، وثقل ظلال اوصيائها، وعبء فساد نجيب الميقاتي وتأثيراتهم على صدقيتها. إن وقت السماح المعطى لهذه الحكومة قصير جدًا، لجهة ثقل الأزمات المالية والحياتية، ونفاذ المداخلات الخارجية المدمرة والصراعات الاقليمية المتموضعة في الدواخل اللبنانية، وسرعة الانهيارات البنيوية التي طالت الذخر الاجتماعي اللبناني، وقدرة القطاعات المالية والاقتصادية على إصلاح آلياتها وإعادة التواصل مع موجبات النهوض بوقت قياسي تفترضه خطورة الأوضاع الحاضرة. المطلوب من الحكومة أجوبة حاسمة في أوقات قياسية تخرج البلاد من واقع الانهيارات المتكاثفة، وتؤهل للعمل الاصلاحي بالتواصل مع الحراكات المدنية والمعارضة التي أقصيت عن التمثيل الوزاري:

– إن استثناء الحركات الاصلاحية التي دفعت بها الثورة المدنية مؤشر واضح لعدم رغبة الاوليغارشيات المافيوية في إطلاق أي عمل إصلاحي يضع حدا لاقفالاتها، ويفتح ملفاتها على تنوع مندرجات العمل العام، والخوض في عملية المحاسبة في كل جوانبها. نحن لا نزال أسرى اللعبة القائمة، وأولويات الاوليغارشيات السلطوية، وسياسة الفاشيات الشيعية الانقلابية، والتعاطي الانتهازي والمضلل مع المجموعة الدولية، وإبقاء اللبنانيين أسرى للسياسات الاستنسابية التي تحكم أداء المافيات الحاكمة. هذه التركيبة الحكومية سوف تبقينا ضمن دائرة الاقفالات المتحركة والتبعيات المتجددة والأزمات المفتعلة، وترسيخ حالات الاعياء والاغتراب التي يعيشها اللبنانيون.

-على الحكومة أن تثبت صدقيتها مع المعالجة الفورية للأزمات المفتعلة التي تقف وراءها الفاشيات الشيعية والاوليغارشيات المافيوية لجهة التلاعب بسعر صرف الدولار وتعدد المنصات والأسواق المالية السوداء، واستعادة الأموال المهربة، ووضع حد لاحتكار المواد الغذائية والمحروقات، ومعالجة النفايات، وفتح ملف المهجرين السوريين مع الأطراف الدولية والبدء في تنفيذ خطة تدرجية حثيثة لعودتهم الى بلادهم، ووضع حد لسياسة الابتزاز التي وضعها بشار الاسد مع الفاشيات الشيعية في هذا المجال، وصياغة إطار تعاوني مع القطاعين التربوي والاستشفائي الأهليين من أجل تغطية أكلاف الاستشفاء والتعليم، ووقف الهجرة ونزف الأدمغة والكفاءات المهنية، وتحمل المسؤوليات الغائبة إراديا تجاه عملية المرفأ الارهابية وتداعياتها الكارثية على كل المستويات الإنسانية والقطاعية والمدنية والقضائية.

-المباشرة الفورية بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي من أجل معالجة مسائل الانهيار المالي المترتبة عن سياسة الديون البغيضة التي صاغتها الاوليغارشيات المافيوية بالتعاون مع القطاع المصرفي والبنك المركزي، وتثبيت سعر صرف النقد، وإعادة هيكلة النظام المصرفي على قاعدة التواصل مع الاقتصاد الفعلي وتصفية الاقتصاد الريعي بكل ترسباته وفاعليه، وإعادة تقسيم العمل المصرفي على قاعدة العقلانية الاقتصادية وانهاء واقع التضخم المؤسسي الناتج عن طغيان وظائف تبييض الأموال والعمل الربوي، على سياسات التوظيف في القطاعات الانتاجية والتموضع داخل شبكات العولمة من خلال الاقتصاد المعرفي، وتقسيم العمل الدولي، وإعادة التوازن بين القطاعات، وإيجاد فرص العمل، وإصلاح البنيات التحتية، واستعادة الأموال العامة المنهوبة من قبل المنظومة المافيوية الحاكمة وأوصيائها ( سوريا، إيران …) والصناديق الانتهازية على تنوع مصادرها، وإعادة النظر بوضعيتي سوليدير وإليسار، وبوظائف المجالس الاعمارية التي أوجدت مع بداية مرحلة إعادة الإعمار، والبدء الفوري بالتحقيق الجنائي المالي والمقاضاة الدولية والداخلية وحجز أموال أقطاب الاوليغارشيات الناهبة. هذه مهمات مستحيلة مطلوبة ممن هم في أساس هذه الأزمات المتداخلة والمبنية على مدى ثلاثة عقود، ولكنها مهمات مرتبطة على نحو شرطي ومسبق بالمساعدات الدولية التي لن تأتي إلا على قاعدة إعلانات وروزنامة عمل واضحة، وهذا ما سوف يرخي بظلال ثقيلة على نوايا واستعدادات هذه الطبقة السياسية المجرمة والمتمرسة على الكذب والتضليل.

-لا إمكانية لعملية الاصلاح الملحة في ظل المداخلات السياسية والعسكرية الإيرانية والتركية والجهادية، وفي ظل السياسة وإلانقلابية والإجرامية المتعددة المسارح والاتجاهات التي يديرها حزب الله كجزء من السياسة الانقلابية الشيعية التي تقودها إيران على مستوى الشرق الاوسط الكبير، وما استدعته وسوف تستدعيه على مستوى النزاعات السنية-الشيعية المفتوحة، وتمدد مسارح الفوضى الاقليمية، وتعزيز المناخات النهيلية والأنومية التي أدخلت البلاد في سياقات نزاعية وديناميكيات همجية أسقطت كل أشكال التواصل الإنساني الراقي والديموقراطي، لحساب منطق التنافي والقوارض التي لا تعرف الا العنف والكراهية سبيلًا. نحن لسنا في سياق أزمة سياسية مألوفة في الأنظمة الديموقراطية، نحن في أزمة دمرت قواعد الحياة المدنية والديموقراطية وقوضت شرعية البلاد الوطنية، من خلال سياسات الافساد والسيطرة والإرهاب وتداعي المرجعيات القيمية لحساب صراعات النفوذ التي لا سقف لها، واستباحة الحقوق الانسانية بكل مندرجاتها، وبالتالي إن أية مقاربة سياسية لا ترتقي في اداءتها إلى هذه الابعاد، ما هي الا تكملة لهذه الهمجيات الفالتة ومدخلا لتثبيت لبنان على قارعة طرق منطقة لا نقاط ارتكاز لها وتعيش على وقع العدميات المستشرية والفراغات المتنامية.