أحمد عدنان: الزعيم المسيحي سعد الحريري

581

الزعيم المسيحي سعد الحريري

أحمد عدنان/ العرب/نشر في 2015\12\18]

مشكلة السنة لم تعد غياب سعد الحريري بل زهد بدلائه، فالأداء السياسي للحريري أصبح عبئا على السنة وعلى قوى 14 آذار.

فاجأتني مؤخرا مقالة للإعلامي المتميز نديم قطيش بعنوان “الحكيم والأخوت” شبّه فيها تعامل حزب القوات اللبنانية مع الشيخ سعد الحريري بتعامل الوصاية السورية مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وللمفاجأة غير سبب، فشكل التشبيه أقرب إلى الإساءة منه إلى البلاغة، أما مضمونه فلا علاقة له بالواقع مطلقا، بداية من الانتخابات النيابية الأخيرة وليس انتهاء بالتفاوض الرخيص مع خصوم القوات من وراء ظهرها أو تجاهل موقعها السياسي، وأضف إلى ذلك أن قطيش عدد ما اعتبره أخطاء قواتية فادحة متناسيا، وهو الناقد الدؤوب، أخطاء الشيخ سعد الأكثر والأخطر، وهذا مفهوم لأسباب حزبية، وربما يحق لنا أن نحسد الشيخ سعد وتيار المستقبل على إعلامي متحمس بهذا القدر للتسوية الحريرية أكثر من صاحبها ومن المستفيد منها، مع أن ضرر ذلك أكبر وأكثر من نفعه.

في مقالة قطيش غير نقطة جديرة، كتقدم الصبغة المسيحية على اللون الوطني في القوات، كتبت شخصيا عن ذلك مرارا، لكن غير المفهوم وغير المقبول هو قيام قطيش بترويج الوهم الذي يردده البعض من أبناء تيار المستقبل، أن سعد الحريري يتمتع بشعبية مسيحية أو أنه زعيم عابر للطوائف، ذلك هو الفرق من وجهة نظري بين حزب القوات وتيار المستقبل، فالقوات تحظى بقبول يتجاوز طائفتها لا تستفيد منه ولا تستثمره، أما المستقبل وزعيمه الحريري، فيفرضون أنفسهم، بلا أي أساس أو مسوّغ، على الآخرين، لتيار المستقبل 12 نائبا مسيحيا أغلبهم بلا شعبية مسيحية، والقوات التي تمثل نصف الشارع المسيحي ليس عندها إلا 8 نواب. ومن الملفت التذكير، بأن الحريري لم يجرؤ على طلب المقعد الدرزي البيروتي من وليد جنبلاط.

بعد غياب قارب السنوات الخمس عن شعبه وبلاده، المطلوب من سعد الحريري فقط أن يرمم شعبيته المتآكلة داخل جمهوره الذي فقد ثقته بالزعيم، لا أقول أن السنة أصبحوا يكرهون سعدا لأن ما حصل هو الأسوأ، هناك شريحة واضحة تحولت من احترامه إلى الإشفاق عليه.

كل الأخبار عن سعد الحريري مؤخرا سلبية، أزمة أثرى شركة مقاولات في المملكة (سعودي أوجيه)، أغبى تسوية سياسية في تاريخ لبنان الحديث مضمونا وإخراجا، تسابق أقطاب تيار المستقبل على وراثة سعد في حياته، الرواتب المتأخرة في مجموعته الإعلامية الفاشلة مهنيا وتجاريا. إنني أدعو قطيش، حين تزول ظروف منفاه الاختياري أو القسري، إلى زيارة طرابلس؛ تلاشت لافتات الحريري لصالح أشرف ريفي، أدعوه أيضا إلى زيارة عكار والضنية، سيكون الحديث السلبي عن الحريري متجاوزا للحديث الإيجابي بمراحل.

لولا إخلاص الرئيس فؤاد السنيورة وتواضع طموحات الرئيس نجيب ميقاتي وإحجام بهاء الحريري عن السياسة لنسي السنة سعدا كما نسوا غيره، مشكلة السنة لم تعد غياب سعد بل زهد بدلائه، فالأداء السياسي للحريري أصبح عبئا على السنة وعلى قوى 14 آذار، أستعير هنا رأي مفكر لبناني مرموق “عودة الحريري أصبحت مطلب حزب الله حتى لو اضطروا لحمايته”، ما المطلوب عند محور الممانعة أكثر من ترشيح فرنجية المجاني وإحداث الشروخ والتصدعات بين قوى 14 آذار، وتنازلات مفتوحة، غير مبررة وغير مشروعة وغير محدودة، للخصوم.

إنني أتمنى أن أرى مظاهر لشعبية الحريري المسيحية أو الشيعية أو الدرزية، أين مرشح تيار المستقبل في عاليه أو النبطية أو المتن وكسروان، من حق الشيخ سعد أن يحلم بزعامة عابرة للطوائف، لكن عالم الأحلام لا يرتبط بالواقع إلا عبر العمل، وليت سعدا يعمل لموظفيه وطائفته قبل الانتقال إلى غـيرهم.

كانت عقدة كمال جنبلاط أنه لم يكن مسيحيا وعقدة ابنه وليد أنه ليس سنيا، في أولى سنوات 14 آذار افتخر وليد جنبلاط بأنه يستطيع إنزال السنة إلى الشارع لأنه كان زعيمهم الانتقالي لحين تمكن سعد، ومنذ غادر سعد الحريري لبنان بعد خروجه من الحكومة عام 2011 أصبح سمير جعجع هو الممثل السياسي للسنة إضافة لحيثيته المسيحية المعروفة، وبعد التسوية الحريرية أقول ليت جعجع سنيا أو ليته زعيم السنة، ليته يكسر الواقع الطائفي للانتقال من زعامة المجاز إلى زعامة الحقيقة سنيا، فبالإضافة إلى صلابته المبدئية ومناقبيته المشهودة ينبهنا نديم قطيش بأن سعد الحريري “زعيم لبناني مفتوح على بقية السنة”، وليس بعد ذلك مذمة، فمن يرى طائفته بقية أو هامشا لا يستحق أن يكون الأصل. تيَتّمَ سنة لبنان يوم اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتعاظمت الطامة بالإضعاف الممنهج للرئيس السنيورة من داخل تيار المستقبل ومن محور الممانعة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

*كاتب سعودي