علي حماده: عون والملفات المستعصية/عقل العويط: الله يرحمك يا ريمون إده

128

عون والملفات المستعصية!
 علي حماده/النهار/25 تشرين الأول 2016

حسنا، فتحت الطريق أمام الجنرال ميشال عون نحو الرئاسة، ولكن مسافة الايام الستة التي تفصلنا عن جلسة الانتخاب طويلة جدا بالمقاييس السياسية اللبنانية، ولا سيما عندما تكون البلاد أمام استحقاق بدقة الاستحقاق الرئاسي وخطورته! لذلك لا يسع المراقب ان يقول ان الامر قضي ما لم يحصل انتخاب عون، ويصعد الى قصر بعبدا ليجلس في مقعده الرئاسي!لكن بينما ينتظر اللبنانيون ما تحمله الايام المقبلة من تطورات، وما ستؤول اليه المناورات السياسية في ربع الساعة النظري الاخير، هناك أسئلة لم يتم طرحها علنا على “الرئيس” المنتظر، وتتعلق بالملفات الساخنة والمستعصية التي يفترض ان الرئيس سعد الحريري الذي حرك المياه الراكدة تناولها معه، أو اتفقا عليها. فما حكي عن “تفاهمات” بين مندوبي الحريري وعون لم يكشف عن مضمون يتعدى المسائل الاجرائية، مثل انتخاب الرئيس، وتكليف رئيس الحكومة الاولى للعهد، والحكومة، وبعض التعيينات، والملفات ذات الطابع الاقتصادي مثل النفط. صحيح أن الحريري في خطابه الذي أعلن فيه دعم ترشيح عون، تحدث عن مسألة حساسة قال انه اتفق والجنرال عون في شأنها، وهي “تحييد لبنان” عن صراعات المنطقة ولا سيما الحرب في سوريا، لكن ما الذي اتفقا عليه؟

أسئلة كثيرة لا تزال الاجابة عنها معلقة، في ظل السرية التي تلف “التفاهمات”، وسيكون للبنان رئيس لم يقدم برنامجا للحكم قبلا، ولن يقدم رؤيته للعهد إلا في نص خطاب القسم الذي لا يتوقع أن يكون اكثر من “شعر” سياسي. هناك ملفات كبيرة وخطيرة مطلوبة من الرئيس المنتظر، ولا سيما في ضوء تحالفه الوطيد مع “حزب الله” الذي تعتبره فئات لبنانية واسعة أساس الازمة في البلاد، أن يجيب عنها، أو أن يتخذ منها موقفا يدلل على أنه يريد ان يكون رئيسا مختلفا عما سبقوه، او انه يريد ان يترك بصماته في تاريخ البلاد كرئيس أسهم في إخراجها من أزمتها برفضه الخضوع للامر الواقع.

ماذا عن موقف عون من تورط “حزب الله” في الحرب في سوريا؟ هل سيقول كلمة في هذا الصدد في خطاب القسم مطالبا بإحياء “اعلان بعبدا”؟

ماذا عن موقفه من سلاح “حزب الله” غير الشرعي؟ وهل يدعو الى اعادة العمل بطاولة الحوار الوطني ويعاد طرح استراتيجية الدفاع الوطنية، وبالتالي مصير كل سلاح غير شرعي؟

ماذا عن عصابات “سرايا المقاومة”؟ وهل للجنرال عون كرئيس، موقف من سلاح عصابات منتشرة في كل مكان مهمتها ترهيب الناس في بيئاتهم المختلفة؟

ماذا عن علاقات لبنان مع العالم العربي؟ وهل سيكون اداء عون افضل من اداء وزير الخارجية الحالي جبران باسيل؟ وهل يطلب عون من الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وقف التدخلات الامنية والحملات الاعلامية ضد العرب؟

أسئلة كثيرة، ومعالجتها هي الفيصل بين الفشل والنجاح.

 

 

الله يرحمك يا ريمون إده!
 عقل العويط/النهار/25 تشرين الأول 2016

أتريد أن تصبح رئيساً للجمهورية، أو رئيساً للحكومة، أو رئيساً لمجلس النواب، أو وزيراً، أو نائباً، أو صاحب ثروة؟ خذْ بيديكَ الإثنتين، وبأسنانكَ، وبقوّة، كتاب “الأمير”، وافتحْ أوراقه صفحةً صفحةً، لتقرأ سرّ الوصفة التي تمكّنكَ من تحقيق الغاية المنشودة. لإجراء المقتضى، ليس عليك، والحال هذه، إلاّ أن تشلح ثيابك، وتنتظر. هذه هي في المختصر المفيد، “كلمة السرّ”. فاحفظْها جيّداً، وطبّقْها جيّداً، وامشِ بين الألغام، بتؤدة، لكنْ بثبات، تَفُزْ بكرسيّ الفخامة، أو بكرسيّ الدولة. وبالأسماء والأوصاف كلّها.

كان على ريمون إده أن يشلح ثيابه ليصبح رئيساً. لكنه أبى أن يتعرّى، و”يمشي بالظلط”. لم يفعلها ريمون إده، كما جرت العادة من قبله، ومن بعده. عُرِضت عليه الرئاسة، أكثر من مرّة، فنظر إليه من منظار مواصفاته ومبادئه، ومن علياء كرامته، فلم يجد بدّاً من أن يبصق عليها. وقد بصق بالفم الملآن، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، في الداخل، كما في الخارج القريب والبعيد. هذه حادثةٌ نادرةٌ، غير متكررة في السياسة اللبنانية. إذ ليس غريباً في أخلاقياتنا “الوطنية” أن يقلب الزعماء السياسيون – الغالبية الساحقة من الزعماء السياسيين – مواقفهم رأساً على عقب.

نام حميد فرنجية يوماً، وهو ضامنٌ الأكثرية النيابية في جيبه، ليستيقظ في صباح اليوم التالي، وقد تبخّر المؤيّدون، بعدما وصلتهم “كلمة السرّ”، فغمسوا عهودهم في كأس الخيانة، ومسحوا شواربهم في مياه المراحيض.

في المشهد السياسي، عشية انتخاب رئيسنا المرتجى، يمكننا رؤية ما يأتي: “الإبراء المستحيل” أصبح ممكناً، بل واجباً؛ “وان واي تيكيت” أصبح “تو وايز تيكيتس”؛ عدوّي أصبح حليفي؛ عدوّ عدوّي أصبح حليفي الموضوعي، ولِمَ لا شريكي في الصفقة المرموقة. وهكذا.

نادراً ما شهدت الحياة السياسية اللبنانية زعماء أخلاقيين، قِيَميين، وغير انتهازيين. مَن كان منهم متشدداً وصارماً حيال المسألة الأخلاقية، ذهبت معاييره أدراج الدعارة السياسية الرخيصة. هذا شأن تقليدي راسخ في معايير “السياسة”، وفق مفهوم البزنس الفينيقي المتأصل في نفوس غالبية اللبنانيين، وفي نفوس جلّ زعمائهم وسياسييهم. هؤلاء، ما شاء الله، ملمّون بـ”الأصول” التي نادى بها الأمير ماكيافيلي، في كتابه المشهور. ما نشهده اليوم، من اتّجارٍ بالشرف، إنما هو مسألة “سياسية” بحتة. مئة في المئة. ولا عجب البتّة.

والحال هذه، ليس غريباً أن يُنتخَب ميشال عون رئيساً. كما ليس غريباً في الآن نفسه – مَن يدري!؟ – أن ينقلب عليه المنقلبون، فيُنتخَب غيره، أو يتواصل التأجيل والفراغ. الله يرحمك يا ريمون إده!