زهير قصيباتي: أربعاء سيناء الأسود//ميرفت سيوفي: مصر والإخوان المجرمين//بلال فضل: كانت باينة من أولها

337

 أربعاء سيناء الأسود
زهير قصيباتي/الحياة/02 تموز/15

استحضرت مجزرة «داعش» في سيناء أمس، مشهد الأنبار العراقية، وإن كانت كل المجازر التي يرتكبها التنظيم تنويعاً على طريق هدف واحد: تقويض الدول العربية ونسف نسيجها الاجتماعي، واقتيادها إلى مذابح لا تتوقّف، على طريق الخراب الشامل.
لا يجدي هنا تكرار السؤال القديم- الجديد: «مَنْ هو داعش»، مَنْ زرعه ومَنْ درّبه وسلّحه لينقضّ على الجيوش والمدن العربية التي يختارها، وفق توقيته؟ وإذا كان المرجّح أن القذائف والصواريخ التي يستخدمها «داعش» في سيناء، مصدرها ليبيا حيث الفوضى والفلتان سيّدان، فالمرعب أن تتكرّر المجزرة التي تدفع ثمنها مصر وجيشها وشعبها، آفاقاً قاتمة تجعل إعادة الاستقرار إلى البلد مهمة عسيرة. مصر ليست العراق حيث المحاصصة الطائفية في الحكم فخّخت مشروع إعادة بناء الدولة. ومصر ليست اليمن حيث تمدُّد الأصابع الإيرانية شَجَّعَ الحوثيين على المغامرات التي استغلّها رئيس مخلوع ما زال يخدع الجميع ثأراً لنزوله عن عرش السلطة. لكنّ السؤال لا بُد أن يُطرح عن قدرة «داعش» على التسلُّل إلى مصر، لولا التفجيرات والاغتيالات التي استهدف آخرها النائب العام هشام بركات، ولولا حال الصراع المُتفاقم مع جماعة «الإخوان المسلمين»، الذي يصرّ الحكم على معالجته بالحل الأمني وحده، فيما الجماعة لا تنبذ العنف علناً، ولو ارتكبته تنظيمات ليست على علاقة بـ «الإخوان».
وإن بات معلوماً أن تياراً في الجماعة يصرّ على تأجيج الصراع في الشارع، والتصدّي للدولة بكل رموزها، رداً على اعتمادها الحل الأمني، وإصدار الأحكام القضائية المشدّدة في حق قادة «الإخوان»، فالواضح في المقابل أن تلويح الرئيس عبدالفتاح السيسي باستعجال تنفيذ تلك الأحكام (وبينها إعدامات) ليس من شأنه تهدئة الصراع. ومن بوابته ونوافذه، تتسلل رياح العنف، لتُلحق مزيداً من الضرر بالدولة وقدرتها على الصمود في وجه الإرهاب العابر للحدود.
مرة أخرى، وعلى رمال سيناء وفي الجيزة وضاحية 6 أكتوبر، ترتسم الخطوط السود لمؤامرة، قد نتكهّن بها من دون قدرة على ترقُّب فصولها. مضت سنة على دولة «داعش» في الموصل، لكنّ «داعش» يتمدّد، يخلط الأوراق، يضرب يميناً ويساراً، من العراق والخليج إلى تونس، ويهزّ مصر في يوم الأربعاء الأسود. ليست في مصر نعرات مذهبية وطائفية، لذلك يتّهم تنظيم أبو بكر البغدادي، أكبر جيش عربي بـ «الردّة»، وهو الذي كان مفترضاً أن يشكل طليعة «القوة العربية المشتركة» للتّصدي لإرهاب نكبة الدول الفاشلة في المنطقة.
عشرات الضحايا يوم الأربعاء الأسود، سقطوا برصاص «داعش» وقذائفه، وإن لم يكن مستغرباً أن يحمّل بعض الأحزاب أو التيارات في مصر، الحكم وفشل الحل الأمني، مسؤولية تغلغل «داعش» وتحدّيه الجيش المصري، فكل الأحزاب والقوى السياسية تتحمّل مسؤولية في إعادة صوغ مشروع للمصالحة الوطنية. وحده هذا المشروع الذي لا يدفع أي طرف إلى الرهان على تركيع الدولة بالعنف- وإن لم يرتكبه- من شأنه تصحيح مسار الحل الأمني، لئلا يتحول حرب استنزاف لمصر وجيشها، ومواجهة يومية بالدم لتركيعها بقذائف البغدادي وصواريخه.
لكنّ الشرط الأول والأكيد لمعاودة فتح أبواب الحوار، هو أن يتعهّد الجميع، حكماً وأحزاباً وتيارات، الإصغاء والنقاش، بدل استعادة معزوفات التخوين والتكفير والتضليل، العمالة والبطش. وما دام هناك مَنْ يدّعي التبصُّر بحقائق وحيدة مطلقة، أو حق تكفير الآخر وإقصائه، سيُزرع مزيد من الألغام في كيان الدولة، ويُفتَح مزيد من المعابر لتسلُّل «داعش». المعبر الكبير، صراع الدولة و «الإخوان»، رقاب الجميع تحت سيف العنف. هل يكفي لتبديد صدمة سيناء ومشاريع الانتحار العربي الجماعي، أن نلعن المؤامرة، ثم نلعنها ونتفرّج؟

مصر و«الإخوان المجرمين
ميرفت سيوفي/الشرق/02 تموز/15
حمى الله مصر… اغتيالاتٌ قاسية وسيارات مفخّخة «إخوانيّة» اجتاحت يوميات المصريين، يُصيبني ألمٌ شديد كلّما أصيبت مصر، منذ تصدّر جماعة الإخوان السلطة كنّا أول من كتب في هذا الهامش مقالتنا الشهيرة «الإخوان المجرمين»، وها هم «الإخوان المجرمون» مرّة جديدة يُعيدون «سيرتهم الأولى» مع الإرهاب، وهذا الإرهاب يحظى هذه المرّة برعاية الرئيس باراك أوباما وأميركا القَلِقَة من حكم القضاء المصري بالإعدام على محمد مرسي الرئيس المخلوع، وعلى حاكم الإخوان الفعلي وكبير إرهابييها خيرت الشاطر، ومعهم الاتحاد الأوروبي!!
وفي السياق؛ نلفت أصحاب الشأن في لبنان ونُحذّر من خطورة وجود خطباء منابر في بعض مساجد لبنان يهاجمون مصر حكومة ودولة وجيشاً، ويُشتم من على منابرها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في خطبة الجمعة ويُسمّى بـ»فرعون مصر»، ونقول: في لبنان «بؤرة إخوانيّة» خطيرة ليست بخافية على أحد وهي معروفة الإرتباط بالتنظيم العالمي للإخوان وعلينا التعامل معها كالخلايا الإرهابيّة النائمة كأيّ تنظيم إرهابيّ متطرّف، لأنّها يوماً ما ستسفر عن وجه التطرّف والإرهاب فيها، وعندها سنكون في مواجهة مأزق حقيقيّ، فالإخوان مهما تغيّر وتبدّل اسمهم من دولة إلى أخرى، وسواء كانوا جماعة أو جمعيّة أو سوى هذه التسميات، كلّهم في الإرهاب والتطرّف والإجرام على نفس الشاكلة!!
منذ ما يقارب الثمانين عاماً، بل منذ القرن التاسع عشر سعت الكثير من الحركات الإسلامية إلى «السلطة»، وتحت عنوان «ديني» لمّاع خدّاع، وللتوضيح؛ وبات معلناً وبشكل فاضح أنّ التعامل مع الإخوان المسلمين هو تعامل مع «تنظيم دولي»، له مكتب الإرشاد العام العالمي وهو القيادة التنفيذية العليا للإخوان المسلمين، وله أيضاً مجلس الشورى العام العالمي (أو كما كان يسمي الهيئة التأسيسية) وهو السلطة التشريعية لجماعة الإخوان المسلمين، وقراراته ملزمة، ونحن هنا نتعامل مع «دويلة عالمية» إذ يتواجد جماعة الإخوان في 72 دولة حول العالم بحسب إحصاءاتهم (والإحصاءات الأميركية تقول في 70 دولة أيضاً)، والقبض على مصر وهزّ أمنها واستقرارها، هو قبض على العالم العربي كلّه، ونحن خائفون على مصر لأنها أمّ العرب وحضنهم ودرعهم، وهي كنانة الله في أرضه!!
في العام 2013 كتبنا في هذا الهامش مقالة «الإخوان المجرمين» وفتحنا حديثاً طويلاً عن حسن البنا مؤسس «الجماعة» وتوقفنا مطوّلاً عند مقالة الكاتب الكبير عباس محمود العقاد التي حملت عنوان «الصهيونية ومشاكل فلسطين» وتحدّث فيها العقّاد بالأسئلة المباشرة عن هويّة «البنّا» الذي قام بإنشاء «الجماعة» متسائلاً: «من هو «جدّه»؟ فلا أحد في مصر يعرف إجابة على هذا السؤال على وجه التحقيق، وكلّ ما يقال عنه أنه رجل كان يعمل «ساعاتي» مغربي يهودي»، ولكن يبدو أن هناك الكثير من السذّج المُضلّلين والمضَللين، هؤلاء الذين لا يقرأون تاريخ الجماعة ولا «إرهابها» بعيد نشأتها بقليل، وأخطر ما وقع فيه هؤلاء السُذّج أنّهم جعلوا «الإسلام»= الإخوان، وهذه طقوس كلّ فكر إرهابي عبر التاريخ!!
مرّة جديدة، تاريخ الإخوان الإرهابي لا يحتاج إلى كثير براهين، هم في أساس نشأتهم تنظيم إرهابيّ، ولعلّ البداية الأفضل لتأكيد تاريخ «جماعة الإخوان» الإرهاب والقتل والتفجير والاغتيال، هي بالعودة إلى مساء يوم 20 شباط (فبراير) 1948 بالمنزل رقم 76 شارع محمد علي بانفجار بمبنى «شركة المعاملات الإسلامية»، والذي كشف عن كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة المخزّنة بشكل خاطئ الأمر الذي أدّى إلى انفجار هائل في الساعة العاشرة، وأصيب في الحادث تسعة أشخاص وتم التحقيق مع حسن البنا فأنكر [بل كذب] علمه بوجود ذخيرة ومفرقعات بمخزن شركته وأرجعها لسوء تصرف العاملين بها!! أما تاريخ الإخوان في محاكماتهم القديمة والحديثة، فأفضل ما يشير إليه ويختصره هذه الرواية التي تحكي أنّه وأثناء محاكمة منفّذي ومخططي محاولة اغتيال جمال عبدالناصر خلال إلقائه خطابه الشهير في الاسكندرية: «في المحاكمة تمت مواجهة المرشد العام للإخوان حسن الهضيبي ومحمود عبداللطيف المتهم الأول في تنفيذ العملية فأنكر معرفته بنا، وكان الهضيبي قد «أقسم ثلاث مرات» ممسكاً بالمصحف الشريف بعدم معرفته بنا ولا يعرفنا ولا يعرف عبداللطيف فاكتشفنا أننا ضحية «خدعة إخوانية» كبيرة، فبصق عبداللطيف في وجه الهضيبي في المحكمة لحلفه اليمين والقسم على المصحف كذباً وصرخ بشكل هستيري موجها كلامه للهضيبي: «يا كافر يا ابن الكافرة»!!
حمى الله مصر.. حمى الله شعبها وجنودها وقضاتها.. حمى الله الرئيس عبدالفتاح السيسي، ولتنفّذ المحاكم المصريّة أحكام الإعدام بمجرمي الإخوان الذين تصدروا السلطة وهم يقبعون اليوم في السجون، إنّ الردّ الأفضل على العلميات الإرهابيّة التي هزّت مصر أول من أمس هو تنفيذ حكم الإعدام بمرشد الإخوان محمد بديع والمخلوع محمّد مرسي والتاجر خيرت الشاطر، فثمانون عاماً من الإرهاب في الأربعينات وأواخر السبعينات، والتسعينات وفي العامين الماضيين لم تهزّ شعرة في مفرق مصر، لطالما حاولوا إرهابها وإرهاب شعبها، ولطالما سحقت مصر تطرّفهم وقضت عليه، لذلك كلّه علينا أن نقول: تحيا مصر…

كانت باينة من أولها
بلال فضل/كاتب وصحافي وسيناريست مصري/العربي الجديد/01 تموز/15
“العدالة لن تحققها الاغتيالات، والاستقرار لن تجلبه الإعدامات”، إذا أعجبتك هذه العبارة، لا تتردد في كتابتها بخط جيد، وقم بلفِّ الورقة التي كتبتها فيها بإحكام، وضَعْها في أقرب سلة مهملات، أما إذا كنت تقدر قيمة الكلمة، وتعتقد بأثرها في تغيير الواقع، فاحتفظ بالورقة في ملف يضم عبارات مثل “إرهاب الدولة ليس السبب الوحيد للإرهاب الديني، لكنه حتماً يزيد قوته وانتشاره ـ لا أمل في إيقاف الإرهاب في ظل استمرار قتل السياسة ـ الذين يجعلون التغيير السلمي مستحيلاً يجعلون العنف بديلاً حتمياً”، لأن الطلب الآن ليس على هذه العبارات التي يراها كثيرون رخوة وخبيثة، مفضلين عليها عبارات يرونها تحمل حلولاً واضحة وبسيطة، مثل تنفيذ المزيد من أحكام الإعدام وتكميم المزيد من الأفواه، بغض النظر عن آثار تلك الحلول على المواطن المصري الذي أصبح مطلوباً منه أن يظل في وضع تفويض دائم للسيسي من أجل مكافحة الإرهاب، ووضع تصفيق ممتزج بالتبرير للسيسي، حين يفشل في مكافحة الإرهاب، وحالة عداء دائم مع معارضي السيسي، ليتهمهم بدعم الإرهاب، إن سألوا عن أسباب فشل السيسي في مكافحة الإرهاب، وعليه، فوق كل ذلك، وبجهوده الذاتية أن ينجو بنفسه وعياله ورزقه من آثار الإرهاب.
بعد مذبحة المنصة التي سبقت مذبحة رابعة، والتي سقط فيها عشرات القتلى، وسط تواطؤ وصمت مخجلين، نشرت مقالاً في صحيفة الشروق بتاريخ 28 يوليو 2011 بعنوان (دائرة الدم)، جاء فيه ما يلي: “دعني أسألك: هل تتصور أن الإخواني الذي تم قتل أخيه أو والده أو جاره أو صديقه في المنصة أو أمام الحرس الجمهوري أو المنصورة، لن يتحول من متعاطف مع الإرهاب، أو حامل أفكار متشددة، إلى إرهابي يرغب في الانتقام بكل ما أوتي من قوة، تماماً كما سيصبح المواطن الذي قتلت مليشيات الإخوان أباه أو أخاه أو جاره أو صديقه، في المنيل وبين السرايات والجيزة، راغباً في الانتقام ممن قتلوا أحبابه، على يد الدولة التي منحها تفويضاً بذلك، ولو لم تشفِ غليله ربما لجأ لأخذ ثأره بيديه لو استطاع إلى ذلك سبيلاً.
إذا كنت لا تريد أن تسمع، الآن، أي صوت يرفض كل هذا العبث، ويطالب بتعامل أكثر احترافاً وذكاء، ويطلب على الأقل محاسبة سريعة علنية الإجراءات، للمسؤولين الميدانيين عن سفك هذا الدم، إذا كنا في مرحلة حرجة لا نملك فيها رفاهية محاسبة القادة الكبار، الذين ستظل هذه الدماء تلوث أيديهم، حتى يلقوا الله، فصدقني أنت تساعد بموقفك هذا على دخولنا دائرة الدم الجهنمية، حيث يأتي الدم بدم، وينتج كل قتيل إرهابياً جديداً من ذويه ومحبيه، ويُسقط الإرهابي بإرهابه قتلى يخلفون خلفهم راغبين في انتقام يأتي بانتقام جديد، وفي يوم من الأيام سيكتشف كل من كانوا فرحين بأصواتهم الزاعقة وانعدام إنسانيتهم أن العقل كان الخيار الأفضل برغم بواخته، وأن الفتن الأهلية الكل فيها مهزوم، وأن النَفَس الطويل كان فعلاً مفتاح الفرج، وأن السياسة ستظل وحدها السلاح الأقوى الذي اخترعه البشر، لأن الإجراءات البوليسية ومكافحة الإرهاب ليسا إلا أداتين من أدوات السياسة، ومن يرَ كل تجارب العالم المريرة يدركْ أن محاربة الإرهاب بدون ممارسة السياسة في نفس الوقت لن تأتي إلا بإرهاب أعنف وألعن.
كلنا سنموت، لكن الأشرف والأكرم لنا أن نلقى الله، وقد قلنا كلمة الحق، وطالبنا بوقف هذا الجنون فوراً، لأننا نحن الذين سنحاسَب أمام الله فرادى، ولن تنفعنا مناصرتنا السيسي ولا مرسي ولا غيرهما، بل ستشفع لنا إنسانيتنا التي تبكي على كل قطرة دم مصرية تسيل عبثاً، وإذا كان الفريق السيسي قد حصل على ثقة كل هذه الملايين التي نزلت لكي تفوضه لمحاربة الإرهاب، فيجب أن يعلم، هو وكل مسؤول في هذا البلد، أن ذلك لم يكن تفويضاً بالقتل على المشاع، وأن كل قطرة دم سالت بدون وجه حق ستظل تطارده، وتطارد كل من تسبب فيها أو برر سفكها أو صمت عليه، وحاشا لله العادل أن يأذن ببناء وطن متقدم على الظلم وبحور الدم”. لم يجد هذا الكلام وقتها آذاناً صاغية، ولن يجدها الآن، ولا أظنه سيجدها في الغد القريب، لأن الآذان تطرب في أوقات كهذه، لأصوات الزعيق والنواح والمطالبة بالثأر، حتى تفقد تلك الأصوات معناها وأثرها. حينها فقط ستبحث الآذان عن صوت العقل، لكنها حين تجده وتستمع إليه، سيكون عليها قبل ذلك أن تدفع ثمن رفضها الاستماع إلى صوت العقل، وجريها وراء الزاعقين والنصابين والمتاجرين بخوف الشعوب ورغبتها المشروعة في الأمن والاستقرار.