د. وليد فارس/تجربة قبل وقتها التاريخي/الذكرى الثالثة والثلاثين لاطلاق الحزب الديموقراطي الاشتراكي الذي انهى نشاطه عام 1990

144

تجربة قبل وقتها التاريخي/الذكرى الثالثة والثلاثين لاطلاق الحزب الديموقراطي الاشتراكي الذي انهى نشاطه عام 1990

د. وليد فارس/30 أيار/2021

قليلون من قراؤنا واصدقاؤنا على مدى ثلاثة عقود، وخاصة الاجيال الجديدة في الوطن الام، يعرفون تجربة هذه الحركة السياسية التي انطلقت في ١٩٧٠، وتحولت الى حزب في ١٩٨٨، قبل ان تنهي نشاطها في ١٩٩٠ مع سقوط لبنان بكامله تقريباً، تحت الاحتلال السوري-الايراني. هذه المجموعة لم يكن لها ثقل ميداني سياسي على الاحداث، لكنها كانت من اكثر منتجي الفكر السياسي في تلك الحقبة، في عدة قطاعات، بشكل عميق يجهله حتى من عايش عملها. وقد عملت في صفوفها حتى قيادتها لسنوات عديدة. وسيكون لهذا التاريخ حيز واسع من مذكراتي الشخصية والسياسية في الوطن الام.

هذا الاسبوع يصادف الذكرى الثالثة والثلاثين لاطلاق الحزب الديموقراطي الاشتراكي المسيحي Parti Social Democrate des Chretiens du Liban PSDC. وهو تطور لتنظيم سابق اسمه USDC، الذي خرج عن تنظيم صغير اسمه الجبهة القومية اللبنانية FNL التي اطاقها شقيقي الاكبرسامي في صيف ١٩٧٠.

الجبهة الام لم يتعدى اعضاؤها اكثر من ٥٠ شخص معظمهم من الطلاب، ولكنها اطلقت حملات كثيرة من ندوات تثقيف، وبيانات، و تنظيما ميدانيا تخصص وقتها بكتابة شعارات على الجدران ما بين ١٩٧٣ و١٩٧٧. وكان للجبهة نشاط واسع في كتابة الرسائل الى كبارالسياسيين كما نمّت علاقات مع بشير الجميل منذ ١٩٧٣ ولجنة الكسليك منذ ١٩٧٥. وحصرت نشاطها في ١٩٧٧ في الشؤون البحثية. واسست هذه المجموعة عدة تجمعات اهمها اللجنة المشرقية في ١٩٨١، وتجمع المثقفين في ١٩٨٢، والهم فكرها السيرة التحريرية لمجلات ومنشورات، منها “صوت المشرق” ومجلة “الشعب”.

في العام ١٩٨٣ اطلق بعض اعضاء الجبهة “الاتحاد الديموقراطي الاشتراكي المسيحي” USDC وهو مزيج وسطي بين الديموقراطية الاشتراكية و الديموقراطية المسيحية، واقام الاتحاد علاقات مع هذه الاحزاب في اوروبا و اميركا اللاتينية. وركز الاتحاد على اقامة مدرسة كوادر فكرية خرجّت مئات من المواطنين من مختلف البيئات و المناطق، وعمل مع مراكز ابحاث و اقام تحالفات مع اطراف سياسية، كما اطلق اتحادا عمالياً. و وصلت اعداده الى فوق الالف عضو، فبات من اصغر الاحزاب الصاعدة.

في ايار ١٩٨٨ تحول الاتحاد الى حزب سياسي متكامل، و تقدم بطلب علم و خبر، ودخل نادي احزاب “المنطقة الشرقية” وتمثل في قيادة القوات اللبنانية، و طور علاقاته الخارجية، وكان بين المطالبين باقامة مجلس وطني، او برلمان في المناطق الحرة، ونادى بقامة مجلس دفاع مشترك بين الجيش اللبناني والقوات. هذا و كان الحزب الشاب على تواصل مع ليبراليين من الطوائف الاخرى السنية، والشيعية، والدرزية، يشجعهم على اقامة احزاب ديموقراطية اجتماعية او اشتراكية ديموقراطية في مناطقهم، على اساس مقاومة الاحتلال السوري وحزب الله، وحتى التوصل الى صيغة فدرالية بين هذه الاحزاب “بعد التحرير”.

الخط التاريخي لهذا التيار الصغير ارتكز على بعض المبادىء المتقدمة في وقتها

١. اقامة نظام فدرالي-كونفدرالي في لبنان، ولكن مبني على مبدأ “حق الشعوب في تقرير مصيرها”، اي ليس على الدين بل على الشعور الجماعي للناس. الجبهة القومية اللبنانية طالبت بالفدرالية، ولكن الديموقراطي الاشتراكي طالب بالكونفدرالية، بتأثير من الابحاث القانونية التي اجريتها. وكان سامي قد علل انه “اذا لا يعطى حق تقرير المصير”، فحق اعادة تركيب البلاد هو جائز.

٢. طالبت المجموعة بحق الاختيار لجميع اللبنانيين، باتجاه اي هوية ضمن الدولة الكونفدرالية: قومية لبنانية، عر بية، ارامية، الخ، ضمن نظام تمثيلي.

٣. طالب الحزب خاصة في ١٩٨٢ و ١٩٨٨، ان يكون هنالك نظام استفتائات شعبية لتحديد شكل الدولة وليس قرارات “فوقية”

٤. من اهم مطالب الحركة، جبهة وحزب، كانت المطالبة بتدويل الملف تحت مجلس الامن، والفصل السابع، و استقدام قوات دولية، و صدور قرارات دولية.

٦. ومن المطالب الدفاع عن الديموقراطية والحريات، حتى خلال الحرب، وعدم احتكار السلطة، حتى في المناطق الحرة او “المحررة”. وقد كلف هذا الموقف الحزب الصغير غالياً عبر قمع سياسي، واغلاق اعلامي، و اقتحام مراكز، واكثر. ولكن ذلك كان مصير القوى السياسية غير المسلحة، والداعية الى “ديموقراطية دائمة” ابان الصراعات الاهلية والاحتلالات.

ال PSDC واجه ازمة ابان الحرب الداخلية في المنطقة الشرقية خلال ١٩٩٠، وقرر ايقاف عمله التنظيمي بعد اجتياح نظام الاسد للمناطق الحرة.

تجربتنا في هذه الحركة كانت طويلة، و مليئة بالاختبارات السياسية، العقائدية، والشخصية، الصعبة، المكلفة و الخطيرة. وكأننا كنا قد سافرنا الى الماضي من المستقبل، الى مجتمع لم تفهمنا قواه. وقد قال لي احد المؤرخين الاوروبيين: انتم قد تأثرتم بفكر جامعي متقدم، بينما الواقع السياسي في ذلك البلد كان يهرول الى الوراء، فكانت الصدمة. اذ ان معظم تلك الافكار، عادت لتطفو بعد جيلين و بعد اختبار تاريخي رهيب لثلاثة عقود.

ايا كان الواقع، وان كانت قبل وقتها، فقد علمتنا هذه التجربة الكثير، للعقود التي تلت في اطار اوسع من الوطن الام الصغير. الاهم اننا سلمنا من حرب اكلت البشر والحجر و هدرت مستقبل بلد كان ينعم بالاستقرار و الهناء.