شارل الياس شرتوني/الفاشية، الإجرام السياسي واستهداف السلم الاهلي

97

الفاشية، الإجرام السياسي واستهداف السلم الاهلي

شارل الياس شرتوني/25 أيار/2021

التظاهرات التي شهدتها البلاد في الأيام الماضية توزعت بين أشباح الماضي الارهابي للنظام السوري، والاستخدام المتواتر للشيعة السياسية المرضية (Political Sect) الممثلة بالحزب القومي، وظلال حزب الله الوارفة التي تغطي مروحة واسعة من الاعمال الارهابية والاجرامية والأعمال الانقلابية التي تستهدف السلم الاهلي والاستقرار السياسي والاقتصادي، والقيم المدنية الملازمة للخيارات الديموقراطية والتعددية والليبرالية التي رافقت الكيان الوطني اللبناني طوال مئويته الصعبة. من الخطأ الاعتقاد ان هذه الحراكات المصطنعة هي تعبيرات عن ديناميكيات مستقلة عن السياسة الانقلابية التي يقودها حزب الله على خط التواصل مع المد الانقلابي الايراني في منطقة الشرق الادنى. الملفت في الأمر هو هذا التراكم من الاحداث المتوالية على خط استوائي بين العمل الانقلابي والجريمة المنظمة والارهاب السياسي، وتفكيك أوصال الدولة اللبنانية وكيانها الدستوري والمعنوي، ونسف كل محاولات التسوية السياسية والعمل الاصلاحي في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد. إن سياسة القمع الهمجي التي اعتمدتها الفاشيات الشيعية تجاه الحراكات المدنية، وتثبيت الاقفالات السياسية والأمنية، والتبني العلني لاقتصاد الجريمة المنظمة على تقاطع خطوطها المحلية والاقليمية والدولية، والعودة الى الأعمال الارهابية الكبرى التي لازمت تاريخها من خلال عملية المرفأ، ومتابعة سياسة الاغتيالات المتوالية، تكتمل اليوم مع إعادة توظيف النظام السوري والحزب القومي السوري في موجة جديدة تستهدف السلم الاهلي وما تبقى من التماسك الدولتي والوطني.

إن استحضار مهزلة الانتخابات السورية الى الداخل اللبناني واستخدامها في عملية فرط ما تبقى من الرباطات الاخلاقية والمدنية والوطنية في البلاد، واستثمار الپاتولوجيات السياسية المتمثلة بحركات فاشية وتوتاليتارية كالحزب القومي والشيوعي والنفايات البعثية، على خط التوازي مع تدمير الجغرافية السياسية اللبنانية، وتحويل لبنان الى معبر للصراعات الاقليمية ليسوا بالأمور الحادثة، بل تعبيرات عن سياسة انقلابية إرادية غير مواربة .لقد تحولت الجغرافية السياسية اللبنانية الى إمتداد جيو-پوليتيكي فارغ يستثمر من قبل سياسات النفوذ الاقليمية والدولية، كما هو الحال في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وبالتالي اصبح لبنان جزءا من الفراغات الاستراتيجية الإقليمية المتنامية. تندرج العودة المقصودة الى إرث التحالف اليساري-الفلسطيني وسياسة النفوذ السورية وأدواتها ضمن سياسة تدمير شرعية الكيان الوطني اللبناني، وإعادة اللبنانيين الى أجواء القلق المصيري المدغم بسياسات النهب والافقار التي أدت اليها جمهورية الطائف، وتحويل الدولة اللبنانية الى كيان اسمي لا وجود له إلا على رقعة النزاعات الجارية على أراضيها. نظام الاسد ليس إلا تورية تتقاطع عندها سياسات النفوذ الاقليمية والدولية، وسوريا لم تعد إلا رقعة صراعية تتقاسمها روسيا، إيران وتركيا في ظل مراقبة أطلسية، تحول دون أية تسوية سياسية واستراتيجيات إعادة إلاعمار .لبنان يقع على خط الفوالق الزلزالية المتحركة التي تحكم واقع هذه المنطقة الفاشلة وغير القابلة لاصلاحات بنيوية، تطال البنيات السياسية المتسمرة على خط التقاطع بين التفتت القبلي ومتخيل الأمة الاسلامية الذي ينفي فكرة الدولة والولاءات المدنية والدستورية الجامعة.

إن الاستثمار المديد في الپاتولوجيات السياسية التي انتظمت تحت لواء اليسار العالم ثالثي والمنظمات الفلسطينية، والديكتاتوريات القومية العربية البائدة، والطفرة الفاشية القومية السورية، هو نهج ثابت اعتمد منذ بدايات الكيان الدولتي اللبناني وتعرجاته بين سوريا الفيصلية، والنزعة الوطنية اللبنانية في الاوساط المسيحية، ووصولا الى مثلث برمودا الذي دخله لبنان الى غير رجعة منذ ١٩٥٨. إن ابرز ما تمتاز به هذه الپاتولوجيات السياسية هي انعقادها على خط التقاطع بين النزعات التوتاليتارية، والرفض المرضي للخصوصية التاريخية اللبنانية، والعداء المستحكم مع فكرة دولة القانون وثقافتها وموجباتها المدنية. ان الهمجية التي ظهرتها تظاهرة القوميين بشعاراتها الفاشية النافرة، وتبنيها التاريخي للجريمة السياسية مدخلا لها منذ أيام انطون سعادة، ليست صدفة بل انعكاسا مباشرا للمنابت الفاشية والنازية التي تعرف عليها زمن إقامته في الارجنتين، ولشخصيته العظامية وما تحتضنه من سمات انقطاعية، ونرسيسية بدائية، وعدوانية تجاه كل ما يخالفها، أسست لهذا الرباط النرجسي بين جمهور محازبيه والزعيم المؤله Führerprinzip، كما الحال مع التوتاليتاريات الشيوعية والفاشية والنازية التي نشأت في ثلاثينات القرن الماضي في اوروپا وروسيا والصين، ورموزها التوتيمية. لقد تحول الحزب القومي بفعل هامشيتة، ووهاماته الأيديولوجية، وانتظامه المغلق كبدعة سياسية عصابية وانقطاعية، ومحاولاته الانقلابية الفاشلة، الى حالة مرضية استثمرتها سياسات النفوذ من أجل استهداف الكيان اللبناني والسلم الأهلي في البلاد على نحو مستمر. ان شعارات القتل التي رفعها في هذه التظاهرة، هي جزء من سياسات الارهاب التي يعتمدها حزب الله من اجل ارساء حالة من الاهتراء المديد في البلاد.

ان التعايش مع هذا الواقع مستحيل، لجهة الاختلافات الجذرية على مستوى الثقافة السياسية والمدنية والقيم الاخلاقية التي تستوجبها الديموقراطية، والعلاقات المتحضرة التي تفترضها الأنظمة الديموقراطية والليبرالية. من ثم، إن مفارقات الجغرافيا السياسية اللبنانية المشلعة والمسمرة على مفارق الصراعات الاقليمية المفتوحة وانعكاساتها على التوازنات الاقليمية والدولية، وواقع الدولة اللبنانية كوهم قانوني تتناتشه سياسات النفوذ الشيعية والسنية وملحقاتها في الأوساط المسيحية، وتغطية ثلاثة عقود من سياسات النهب المنهجي للموارد والاموال العامة والخاصة من خلال سياسات الديون البغيضة، والاثراء غير المشروع، وتحويل الدولة الى مورد ريعي وزبائني، ومجموعة حيازات تتقاسمها الاوليغارشيات المافيوية على وقع منازعات مستمرة دمرت الكيان المعنوي والدستوري للدولة ومفاهيم الخير العام، لحساب تركيبة هجينة تتآكلها التناقضات على تنوع مصادرها. ما شهدناه في الاسبوع الماضي ما هو إلا تكملة لسياسة تدمير منهجية تهدف الى تغيير جغرافية البلاد السياسية، وبنيتها الانتروپولوجية، وديناميكياتها الاقتصادية والاجتماعية والمدينية والايكولوجية، وخياراتها الثقافية التعددية والليبرالية، لحساب ديكتاتورية شيعية وما سوف تستدعيه من صراعات جيوپوليتيكية وأيديولوجية مع الاصوليات السنية المناوئة. لا سبيل للخروج من هذه الانفاق المتداخلة الا من خلال تحكيم دولي وتسويات إقليمية وداخلية متوازية، تخرجنا من آلية الاستقطابات والمحاور النزاعية، وتدخلنا في ديناميكية السلم الاهلي وإعادة الاعتبار للخيارات الديموقرطية والإرث الميثاقي والتوافقي، والعمل الاصلاحي الجذري الذي يعيد صياغة العقود السياسية والاجتماعية الناظمة وأطر الحوكمة والسياسات العامة.