د.مصطفى علوش: إستهداف رئيس الحكومة لتضليل التحقيق في جريمة المرفأ/جورج شاهين: دياب يفتدي رؤساء الحكومات السابقين

85

إستهداف رئيس الحكومة لتضليل التحقيق في جريمة المرفأ
د.مصطفى علوش/الجمهورية/15 كانون الأول/2020

دياب “يفتدي” رؤساء الحكومات السابقين؟
جورج شاهين/الجمهورية/15 كانون الأول/2020
من الواجب ان يقف رؤساء الحكومات السابقون خلف الرئيس حسان دياب، في موقفه الرافض استقبال المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ القاضي فادي صوان. فإن لم يكن احد ممن ادّعى عليهم متورطاً في الجريمة – لا سمح الله – فانّ لديهم مزيداً من المعلومات. وعليه، فإن توقفت اجراءات صوان عند هذا الحدّ، فذلك يعني انّ دياب افتدى نظراءه السابقين، وانّ من حقه «الادّعاء بحمايتهم» ولكن الى متى؟ وكيف؟
لم يكن دياب يتوقع ان يأتي به استدعاء القاضي صوان للاستماع الى افادته كمتهم بما جاء به من «النِعَم». فعلى رغم من اتهامه من نظرائه السابقين ببناء شبكة من العلاقات المميزة مع اركان السلطة، فقد هبّوا لنجدته لمجرد ان اطلق موقفاً من بضع كلمات، يرفض بموجبها استقبال قاضي التحقيق العدلي في جريمة تفجير المرفأ وكاتبه، والمسّ بـ «موقعه كرئيس للحكومة ونقطة على السطر».
وبذلك، يكون كل من دعمه من نظرائه السابقين، قد قدّموا له «العفو المجاني» عمّا قام به قبلاً. وعليه، فإنّ من الواجب الاعتذار منه واعطائه الحق في حديثه المتمادي عن حجم المؤامرات التي حيكت ضدّه، غامزاً مراراً وتكراراً من قناة «بيت الوسط» و»نادي رؤساء الحكومات»، ومواقع مختلفة لم يحدّدها يوماً، رغم اصراره على انّه امضى الاشهر التسعة في السرايا الحكومية معرّضاً لشتى انواع «الإغتيالات السياسية» و»الانقلابات» التي لم يكتشفها احد غيره، ولم يعترف بها احد من حلفائه والخصوم في آن. كما انّ عليهم الاعتراف بصوابية حديث المحيطين بدياب، قبل ايام قليلة واكبت عودته الى منزله، تاركاً المقر الرسمي لرئيس الحكومة في السرايا الحكوميا الكبيرة، بأنّه مستهدف امنياً، ولا يمكنه التحرّك في هذه الفترة، رغم عدم صلة إثارة مثل هذه القضية الأمنية وموضوع الاستماع الى افادته. فهذه حجة لا قيمة لها، طالما انّ قاضي التحقيق العدلي ملزم بالانتقال الى مقر وجود رئيس الحكومة ومعه كاتبه، كما عند الاستماع الى رئيس أي سلطة أُخرى، وهو إجراء لا يتلاقى وإحضار الوزراء والنواب والمسؤولين الكبار الى مكتبه.
وإن صحّت هذه النظرية في استهداف مقرّ رئاسة الحكومة قبل شخص دياب، بات من واجب من اصدر هذا العفو عن دياب، ان يقبل به طوعاً عضواً في نادي رؤساء الحكومات السابقين في وقت قريب. كما انّ عليه أن لا يقبل بالشراكة التي يسعى اليها مع كل من طاولتهم تهمة استغلالهم لدياب في السرايا الحكومية، منذ تكليفه مهمّة تشكيل الحكومة في 19 كانون الاول 2019، وخصوصاً عند اتهامهم بالإنقضاض على صلاحيات رئيس الحكومة وقضمها، على مدى الاشهر القليلة التي امضاها دياب رئيساً لحكومة كاملة الصلاحيات، قبل دخولها مدار تصريف الاعمال منذ العاشر من آب الماضي. كما انّ من الطبيعي جداً ان لا يشمل هذا العفو المتهمين بإدارة «غرفة سوداء» كما يعتقدون، لتوجيه الاتهامات القضائية باستنسابية سياسية وكيدية، سعياً الى المسّ بموقع رئيس الحكومة، ومعهم من اتُهموا بتدبير المقالب على موقعها.
اما وقد عاد دياب بين ليلة وضحاها الى حضن الطائفة السنّية، فقد جاءت ردات فعل نظرائه السابقين، ومعهم دار الفتوى وكل من يحمل صفة سياسية او دينية او طائفية سنّية، لتعزز مكانته لدى الطائفة، وتضعه في موقع متقدّم للدفاع عن كل من تولّى المسؤولية في السرايا الحكومية، منذ دخول كميات نيترات الامونيوم الى مرفأ بيروت نهاية العام 2013. فباعتراف القاصي والداني، انّ قبول دياب باستقبال القاضي صوان لاستجوابه مرة أخرى كمتهم بعد تجربة 3 ايلول الماضي كشاهد، سواء في مكتبه او منزله لا فارق، سيفتح الباب واسعاً امام استدعاء اسلافه من رؤساء الحكومات، لربما كانت لهم معرفة بما كان يجري في المرفأ، وهنا يكمن «بيت القصيد» في كل ما سُجّل من مواقف تدين القاضي صوان وتتهمه بالخروج على الدستور.
ولا تتوقف المراجع المواكبة لسير التحقيق في جريمة المرفأ عند هذه الحدود فحسب، فهم يحتسبون لمواقف صوان ألف حساب، فهو لم ينطلق في قراره من فراغ، وإن كان توقيته مدار جدل، في طلب الاستماع الى رئيس حكومة في مثل الظروف الصعبة، في زمن البحث عن الحكومة البديلة، فإنّ مضمونه القضائي لا نقاش فيه. فنادراً ما يصطف رجال القضاء والقانون، من قادة النقابات والمشرّعين والقضاة السابقين، خلف قاض في الموقع الذي يشغله صوان اليوم. وهو أمر يدعو الى مقاربة الملف بكثير من الجدّية، ذلك انّ في إمكان صوان المضي في عمله كمحقق عدلي، جامعاً في تكليفه المهمة موقعه كمحقق ومتهم في الوقت نفسه. فلا رأس فوقه لا قضائياً ولا سياسياً، وهو ما يمكن ان يترجمه في «القرار الاتهامي» مسجّلاً في سرده للوقائع المطلوبة في متن هذا القرار، من تجاوب معه في هذه المرحلة الدقيقة ومن رفض ذلك من المسؤولين من مختلف المواقع، حكومية كانت أم ادارية ومالية وجمركية وامنية. فـ»السيف القضائي» ملكه وحده لا ينازعه فيه أحد.
ولذلك، يسعى المتضررون من إجراءات صوان، الى تسييس التحقيق ووضعه في موقع المتهم، وهو أمر منطقي جداً في ظلّ الانقسام الحاصل بين مؤيّد قرار صوان ورافض له. وقد بُني الخلاف على قاعدة بسيطة، بات اللبنانيون قادرين على ممارستها من خلال تفسير متناقض للدستور في مثل هذه الحالات، وخصوصاً في تحديد الحالات التي تتطلب محاكمة رؤساء الحكومات والوزراء امام المجلس الاعلى لمحاكمتهم، وهو لم يرّ النور بعد، او أمام القضاء العادي. فالتجارب السابقة تتحدث عن مثل هذه التجارب التي لن تأتي إلاّ بوأد التحقيق في أخطر الملفات واكثرها تعقيداً، فكيف بالنسبة الى جريمة بقياس جريمة المرفأ، التي لم يشهد العالم سوى على تجربتين او ثلاث منها؟
وبناءً على كل ما تقدّم، تنصح المراجع القضائية بلفلفة ردود الفعل السياسية، وترك الأمر للقاضي في أن يقول كلمته. فالعبرة تبقى في أنّ ما أُعطي في صوان من شهادات، لن تُسقطها السياسة. فمن يدينه اليوم يسجّل عليه احترامه للقضاء وللقاضي صوان ومهنيته. فما قيل فيه أقلّه «إنّه لا يدير أذناً لأحد» وهو تولّى المهمة بـ «جرأة نادرة». فلا تفوّتوا الفرصة على لبنان ان كان ممكناً فرز المتهمين من مقصّرين ومرتكبين في ما جرى. فالفرز من المصدر أفضل الآليات المؤدية الى شيء من الحقيقة إن وجدت، كما إن كان مسموحاً الوصول اليها.

إستهداف رئيس الحكومة لتضليل التحقيق في جريمة المرفأ
د.مصطفى علوش/الجمهورية/15 كانون الأول/2020
بكل موضوعية، لا يمكن وصف انفجار المرفأ بالحادث، فهو جريمة بكل ما للكلمة من معنى، حتى ولو كان الأمر حادثًا. ولا بأس على هذا الأساس إن طارت رؤوس كبرى في طريق العدالة، للوصول إلى حق اللبنانيين في معرفة من تسبب بمأساتهم المروعة، وهي لا تقتصر على هذه الجريمة، بل هي تشمل كل ما جعل منها إمكانية دائمة في حياتهم المليئة بالنكبات. إنّه واقع ضياع السلطة بين ما هو شرعي وغير شرعي، بين ما هو دستوري وغير دستوري، بين ما هو قانون وأمر واقع طائفي ومذهبي. فكان من ردّات الفعل المنطقية، بوجود صيف وشتاء على سطح واحد، أن يتمّ اللجوء إلى التمترس وراء حقوق الطوائف في كل محطة من المحطات الكئيبة في مسارنا المنحدر تسارعاً نحو هاوية الجحيم.
قضية اتهام رئيس الحكومة ووزراء آخرين في جريمة المرفأ، هي آخر ما يحصل في سلسلة الصيف والشتاء على سطح واحد، ولو كانت القضية تجري في بلد طبيعي فيه عدالة موثوق برعاتها، أو سلطة تحمي وتحاسب الجميع بالتساوي، لقلنا إنّ القضية طبيعية، ولم يكن هناك سبب لإستثارة كل هذا الكمّ من ردّات الفعل، التي كما هو واضح، تأخذ الطابع الطائفي. هناك قضية خطيرة لا شك، وهي كما يبدو متعددة الرؤوس، كما أنّ الاتهامات بالمشاركة فيها لا يمكن أن تنحصر بشخص أو أشخاص. والتهم تبدأ بمسألة شراء وتخزين مواد قابلة للانفجار، ومن ثم سلسلة من التواطؤ والإهمال على مدى سبع سنوات، تعاقبت عليها حكومات عدة، وفراغات في الحكومات وفي سدّة الرئاسة. وهنا جريمة الإهمال كبرى بالتأكيد، حتى ولو كان الأمر يستند إلى مجرد سؤ التقدير. فالمسؤول مسؤول حتى عن سوء تقديره أو عن عدم معرفته بحقيقة الأمور، وذلك لمجرد أنّه في موقع المسؤولية. أما التواطؤ فهو جريمة أكبر، أكانت القضية لفساد أم لتغطية من أي نوع كان. لكن القضية الأساس التي تحمل الإتهام المباشر، ومنه يمكن الإنطلاق إلى متابعة الخيوط، هي في كيف وصلت هذه الحمولة إلى المرفأ، ولماذا أُنزلت ولحساب من، ولماذا خُزنت وبعهدة من، ومن تصرف بالمواد، أو بجزء منها، ولأي هدف؟ من بعدها يمكن بناء المشهد وتركيب التتابع المنطقي وتوجيه التهم بمستوياتها المختلفة. وهذا الأمر هو الذي ما زال غامضاً حتى الساعة، مع أنّه بيت القصيد الذي قد يلقي الضوء على من تواطأ ولماذا، وعلى من أهمل ولماذا. ولا فارق إن كان عندها أياً من المسؤولين أم من غير المسؤولين، ولم يكن لإجراء كهذا أن يثير إلّا التأييد العابر للطوائف، شرط أن يكون تسلسل الأمور موجوداً ضمن سلّة الاتهامات التي قد تطاول العشرات من الأشخاص بتعدد مستوى الاتهامات. ما هو مؤكّد هو أنّ رئيس الحكومة المستقيلة كان قد تمّ استجوابه حسب الأصول، ولكن توجيه الاتهام لرئيس حكومة له مسار آخر يجب أن يستند أولاً إلى معطيات واضحة جرمية، تذهب إلى مجلس النواب ومن بعدها للمحاكمة حسب الأصول الدستورية.
لكن، ما الذي يحدث الآن؟ فجأة، ومن دون أي توطئة أو تسلسل في السرد حول ما الذي دعا إلى الاتهام، يتمّ دعوة رئيس حكومة تصريف أعمال، يُعتبر معزولاً على المستوى الشعبي ويمكن الاستفراد به، ووزراء سابقين جميعهم من خصوم رئيس الجمهورية وفريقه السياسي. يأتي هذا كله في ظلّ أزمة قاتلة تهدّد كيان البلد، في حين أنّ فريق الرئيس يصبّ كل اهتمامه على نصب الأفخاخ وزرع الألغام في طريق ولي العهد، في محاولة يائسة لإعادة الحياة إليه كفاعل في السياسة، بعد فضيحة العقوبات التي أُنزلت عليه. هو اليوم يضع الجميع في دائرة الانتقام، ولم يوفّر في هذا المجال حتى أفراد العائلة المالكة الذين اتهموه بالخيانة والغدر في شكل مباشر.
لكن المؤكّد هو أنّ الرئيس حسان دياب ليس هو المقصود بشكل شخصي في مسألة الإدعاء هنا، فهو على الأقل لم يكن خصماً لولي العهد، لا بل على العكس، فقد كان أحد ضحاياه الكثر على طريق التألّق النرجسي الذي لا يحده شيء، حتى دمار البلاد وفناء العباد. فما المقصود إذاً مما حدث؟ المقصود هو بالضبط ما حدث! ردة فعل طائفية الطابع تضع مسؤولية تضييع التحقيق على عاتق رؤساء الوزراء السابقين والمرجعيات السنّية، فيشاح النظر عن المسؤول الحقيقي عن وصول شحنة الموت إلى المرفأ.
من يظن أنّ الكلام هنا هو للدفاع عن رئيس وزراء لمجرد أنّه من طائفة معينة يكون قد أضاع البوصلة، فلا بأس أن يُحاسب أي مسؤول عن تلك الجريمة حسب الأصول ومن خلال معطيات كاملة، تبدأ بموقع الجريمة وتتابع الملف من البداية. وهنا أظن أنّ من الأحرى برئيس الحكومة أن يقول للرأي العام كل ما لديه عن الموضوع حتى لا تبقى الشكوك تدور حول موقعه، وتتحول القضية مسألة طائفية تضيع بعدها المسؤولية الحقيقية.