الأب سيمون عساف/عبرة لمن اعتبر….اننا نستحي امام التاريخ بسبب شخصيات هزيلة مائعة لا علاقة لها بالرجولة تسلمت الزمام فسلمت مفاتيح مدينتنا الى الغرباء ليتصرّفو كما يحلو لهم ويطيب واذ بالخسارة جسيمة

249

عبرة لمن اعتبر….اننا نستحي امام التاريخ بسبب شخصيات هزيلة مائعة لا علاقة لها بالرجولة تسلمت الزمام فسلمت مفاتيح مدينتنا الى الغرباء ليتصرّفو كما يحلو لهم ويطيب واذ بالخسارة جسيمة.

الأب سيمون عساف/14 كانون الأول/2020

إرادة القوى العُظمى تروم تجنيس النازحين من سوريا الى ترابنا، ثمّ اعطاء الهوية للاجئين الفلسطينيين المتواجدين عندنا، هؤلاء الذين بالأمس قاتلونا طامعين فينا وفي بلادنا، رافضين العودة الى بلدانهم التي تخلَّوا عنها الى الأجنبي، بعدما خرَّبوا ديارنا وحاولوا اجتياح معاقلنا فكنا لهم بالمرصاد وتصدينا لجحافلهم كالأسود رغم قلة عديدنا والعتاد وكبَّدناهم جسيم البليات فمُنِيوا بالهزيمة والانكسار.

ايجوز اليوم ان تفرض علينا هذه القوى بعد نضال مرير وكفاح زرير، اهداءَهم هويتَنا وانتماءَنا وتاريخَنا والتراث، ناسية اننا دفعنا دماء الشهداء ودموع الأمهات علاوة على الأعناق والأرزاق مُدافعين عن كرامتنا وحريتنا واستقلال شعبنا بشراسة ما لها نظير.

وتريد فضلاً عن ذلك فرض ترسيم الحدود على مزاجها بعدما نادينا بمساحتنا10456 كم2.

وتستكمل التمادي في الغيِّ بالتخلي عن املاك بحرية تحوي كَمَّاً هائلا من البترول لحسابها، وإلا تعاقبنا كما تمارس الآن الضغوط الإقتصادية علينا لنركع خاضعين. اما عن المرفأ فلنا لاحقا حديث مطول. يا للعار!
ما أحقر القوة اذا للانتقام!

هذا ما أَلمَّ بأمتنا وآلمَها، استبداد الأقوياء بالضعفاء لتنفيذ مآرب رخيصة على حسابنا. وهل كان البطش الطائش مرةًّ يُذل الأقوام الكريمة المحتد؟ أَهذا ما تكافئُنا به لأننا حافظنا على حقوقنا ببسالة من غدر وجبانة واقتلاع من الجذور؟

هل تضحياتُنا طوال مشوارنا النضالي بلا ثمن كي نقدمها هِبة للآخرين؟
هل ترضى هذه القوى لذاتها ما تفرضُه علينا بالسطو والقمع والسيطرة؟
الا يحق لنا نبذ ارادتها الداعية الى سَوقنا كالعبيد في ازقتها.

إِننا ابناء بيوت لا ابناء زواريب، والمأزق الخانق سيمُرُّ كما مر قبله من الازمات في تاريخ الأمم الحية.

عانى أجدادنا من قبلنا وعاشوا الحروب الضروسة والمذابح المخزية والتجاريب القاسية والمجاعة المتضورة واستمرُّوا في وطن آبائهم احرارا نبلاء. ولن نحيد عن نهجهم مهما طغى المتجبرون اسوة بالقدامى والعتاق من اهلنا.

وهذا لا يعني اننا لا نبكي ولا نتلوّى من جرَّاء القرارات الظالمة. ان وجع الناس ينخر عظامي، وهمُّهم ياكل في صحني، كذلك فقرهم، قهرهم، مرضهم واذلالهم، وكأنهم قطعان في زريبة وسيعة اسمها لبنان. زريبة يسرح فيها ويمرح جميع ما هبَّ ودبّ من كل لون وعرق وجنس، وأخالها مكٌّبا يستوعب الوافدين اليها كالمقبرة التي لا ترد احدا.

اننا نستحي امام التاريخ بسبب شخصيات هزيلة مائعة لا علاقة لها بالرجولة تسلمت الزمام فسلمت مفاتيح مدينتنا الى الغرباء ليتصرّفو كما يحلو لهم ويطيب واذ بالخسارة جسيمة.

نعم كان لبنان زهرة بين ايدينا فتخاذلنا وتهاونّا، حتى تسرّبت الحشرات زاحفة الى ارضنا فتسلمه منا الجشعون وحولوه جثة منتنة. والخلاص هو الصبر بحكمة على حمل الصليب لِطَيِّ المرحلة رغم اننا في زمن الميلاد، سائلين الطفل الإله ان يمنح بذكرى ميلاده ولادة جديدة للعالم وللبنان. يشاؤنها ثورة، والثورة والثروة لا يلتقيان. حياة البذخ والثروة من الصعب ان تنتصر فيها ثورة.

فالثورة التي لا يقودها الوعي تتحول الى ارهاب، والتي يغدق عليها المال تتحول الى لصوص ومجرمين. ومن يدعي الثورة ويسكن في قصر وياكل اشهى الأطباق ويعيش في رفاهية وترف فليعلم القاصي والداني انه خبيث منافق يعيش بدماء الآخرين.

اقول للماسكين مقاليد الزعامات فليتعظوا ويبطلوا الفساد المعشعش في ضمائرهم. اوشكت عاقبة الرحلة على الختام .ولتكن وصايا الإسكندر الكبير قبل الوفاة لهم عبرة:
1 – أن لا يحمل نعشي عند الدفن إلا اطبَّائي ولا أحد غير أطبَّائي .
2 – أن ينثر على طريقي من مكان موتي حتى المقبرة قطع الذهب والفضة وأحجاري الكريمة التي جمعتها طيلة حياتي.
3 – حين ترفعوني على النعش أخرجوا يداي من الكفن وابقوها معلقتان للخارج وهما مفتوحتان.
حين فرغ الملك من كلامه قام القائد بتقبيل يديه وضمهما إلى صدره ، ثم قال:
ستكون وصاياك قيد التنفيذ وبدون أي إخلال ، إنما هلا أخبرني سيدي في المغزى
من وراء هذه الأمنيات الثلاث ؟
أخذ الملك نَفَساً عميقاً وأجاب: أريد أن أعطي العالم درساً ولا افصح، فبخصوص الوصية الأولى، أردت أن يعرف الناس أن الموت إذا حضر لم ينفع في رده حتى الأطباء الذين نهرع اليهم إذا أصابنا أي مكروه، وأن الصحة والعمر ثروة لايمنحهما أحد من البشر.
وأما الوصية الثانية، فحتى يعلم الناس أن كل وقت قضيناه في جمع المال ليس إلا هباء منثوراً، وأننا لن نأخذ معنا حتى فتات الذهب .
وأما الوصية الثالثة، فليعلم الناس أننا قدمنا إلى هذه الدنيا فارغي الأيدي وسنخرج منها فارغي الأيدي كذلك.
ومن آخر كلمات الملك قبل الرحيل : أمر بأن لايبنى أي نصب تذكاري على قبره بل أن يكون قبره عادياً، فقط أن تظهر يداه للخارج حتى إذا مرَّ بقبره أحد يرى كيف أن الذي ملك المشرق والمغرب، خرج من الدنيا خالي اليدين.