الكولونيل شربل بركات/حزب الله والمخاطر التي تواجهه

352

حزب الله والمخاطر التي تواجهه
الكولونيل شربل بركات/11 حزيران/2020

يجد حزب الله نفسه اليوم، وبالرغم من كل التضحيات التي قدمها من دماء اللبنانيين في سبيل نجاح المشروع الإيراني، محشورا بين مطرقة العقوبات وسندان العوز.

فهو اعتاد على شراء كل الناس من صغار المقاتلين الذين أفقدهم أحلام المستقبل وزج بهم في نفق الحقد الأعمى، إلى كبار المهربين وتجار المخدرات الذين فتح لهم شهوة الانفلاش العالمي واللعب بالمال “الحلال”، طالما ساهموا بتشكيل وحدات مخابراتية تنتشر في كل أصقاع الأرض وترتبط بمنظومة الحرس الثوري.

وحزب الله نجح في السيطرة أيضا على لبنان وخاصة الطاقم السياسي فيه الذي كان قاده يوما الرئيس الحريري معتقدا بأنه يشتري بالمال سكوت السوريين ومن ثم ترويضهم ليصبحوا أكثر قبولا لترك لبنان بقرة حلوب تؤمن لهم المكاسب من خلال الاستقرار وما يتبعه من الازدهار أكثر مما يؤمن لهم استعمال القوة والبطش. ولكنهم ازدادوا جشعا وطمعا ونمى من حولهم جهاز من الفاسدين والمستفيدين أرهق البلد وأصبح هو، بعد مقتل الحريري وغياب مشروعه، عالة على أي نجاح.

ومن هنا وبعد خروج السوريين “الشكلي” أمسك حزب الله بمنظومة الفساد هذه ليكمل مشروعه في السيطرة على البلد وزجه في ما يسميه “محور الممانعة”.

وحزب الله نفّذ ما طلب منه في دعم كل جبهات المشروع الإيراني. وفتح النار على العرب ودول النفط التي كانت تغذيه. ومن ثم نقل المعركة إلى عقر دار هؤلاء بانشاء خلايا بين المواطنين الشيعة في دول الخليج وبتدريب جماعات اليمن ودفع بعض مقاتليه إلى ساحات القتال فيه كخبراء ومترجمين ومساعدين لوحدات الحرس الثوري الذين يقودون المعركة هناك.

وحزب الله زجّ بأبناء لبنان في حرب الأسد ضد شعبه. ومنع الجيش اللبناني من السيطرة على الحدود وتنفيذ تعليمات الحكومة بالحياد. لا بل استعمل هذا الجيش كغطاء له ولعملياته حين ضعف وقل عديد من يقدر على تجنيدهم بسبب الخسائر التي مني بها في تلك الحرب.

ولكنه بدأ يفقد شيئا فشيئا الدعم والهالة يوم شح نبع المال الآتي من إيران بسبب العقوبات ومن ثم بداية التضييق عليه دوليا من الناحية المالية.

فقد اعتاد جماعته على المرتبات الشهرية التي، كما قالها أمينه العام في إحد خطاباته، تأتي بالأكياس من أيران بالدولار الأميركي، وهذا صحيح، ومن هنا فلم يكن يهتم كثيرا لاقتصاد البلد وفرص العمل المتاحة لشعبه.

ولكنه، ومنذ تقلصت القدرة الإيرانية على البذخ، بدأ يشعر بدقة الموضوع المالي. وتحول إلى دفع شبكاته التمويلية الخارجية للعمل أكثر لتأمين الموارد. ولكنه شعر بأن بعض رموزه تنهار فتتضرر شبكات كبرى ولذا فقد خطط للسيطرة على المنظومة المالية اللبنانية الرسمية والمصارف التابعة لها بواسطة الارهاب والهيمنة من جهة، وسيطرته على الحكم لتطويع هذا القطاع من جهة أخرى.

وكانت العقوبات المفروضة عليه من قبل وزارة الخزانة الأميركية بدأت تفعل فعلها ما دفعه إلى التصرف المفضوح. فقام بمهاجمة البنك المركزي، رمز الاقتصاد اللبناني، لفرض سيطرته عليه. فكان الشعب له بالمرصاد.

ولم يستطع ضبط الشارع. فجرب استعمال القوة لسببين: الأول أرهاب الشارع وتطويعه ليماشي مشاريعه، والثاني المزيد من السيطرة على جماعته بوضعهم بمواجهة كل اللبنانيين. ما يعيد بنظره تنظيم “البيئة الحاضنة”، وهي التي أرهقت من حروبه وعملياته الفاشلة.

فشيعة لبنان ليسوا كالايرانيين ولو حاول الحزب توجيههم وفرض التمييز والتفرد عليهم ومحاولة ابعادهم عن بقية الفئات. لأن لبنان مزيج من المجتمعات المتعددة الوجوه ولا يمكن أن يسيطر أحد على كل هذا المزيج مهما بدا ضعيفا، فمقولة “قوة لبنان في ضعفه” تصلح هنا أكثر من اي مكان آخر. لأن ما يبدو ضعفا هو بالحقيقة ما يعطي الكل حافزا للتماسك لأن كل واحد منهم يشعر بالاستهداف وبأهمية هامش الحرية التي يعيشها.

وأكثر ما أزعج حزب الله هذا اعادة طرح القرارات الدولية وخاصة القرار 1559 فهو اعتقد أنه بأكمال سيطرته على السياسيين أصبح الكلام عن هذا القرار من المحرمات. ولكنه لا يعرف لبنان ولا اللبنانيين فهم صحيح يقبلون بالضيم لفترة ولكنهم لا ينامون عليه إلى الأبد.

وهم يعرفون أكثر من غيرهم مكامن الضعف والقوة ويعرفون متى ينقلبون على الظالم لأن تاريخهم وجيناتهم مليئة بالتجارب القاسية.

لقد جرّب حزب الله كل شيء فسيطر على الطائفة الشيعية وهي تشكل جزءً مهما من اللبنانيين ولها تاريخ من النضال في سبيل الحرية. ولو حاول الكثيرون أن يلعبوا على عواطف ابنائها بأن يجيرونهم إلى المحيط القريب أو البعيد. ولكن هؤلاء يحملون في جيناتهم مثل الموارنة والدروز وبقية مركبات الشعب اللبناني بذرة الحرية وإرث الفينيقيين المنفتح على العالم شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، وحب المغامرة والاقدام وهو ما يسهم في الحفاظ على قداسة تلك الحرية وأهميتها.

وحاول حزب الله الظهور بمظهر المدافع عن الأرض ومحررها. وكاد أن ينجح لأنه عرف كيف يستغل رغبة “العدو” بالانسحاب. وعرف أن يؤمن عدم ترك الجنوب ساحة مفتوحة كما كانت منذ اتفاق القاهرة. ولكنه لارتباطه بالمشروع الأمبراطوري الفارسي لم يستطع أن يصبح حزبا لبنانيا له الفضل على كل اللبنانيين بأن يسلم سلاحه للدولة، كما فعلت كل المليشيات بعد الطائف، وينتظم في مشاريع الاعمار الداخلية وبناء المجتمع المنتج والفاعل والمتعاون مع كل المحيط حيث تكون علاقته المميزة بإيران، وهي دولة نفطية غنية في المنطقة، علاقة انفتاح وتعاون كما سائر الدول القريبة والبعيدة وحتى المصنفة “بالعدو” فهو من كان يمكنه أن يظهر بمظهر القادر على صنع السلام كما كان يصور نفسه بأنه من خاض الحرب.

وحزب الله خاض غمار السياسة وحتى بعد صدور القرار 1559 الذي ينهي سلاحه. فقد استغل سذاجة الفاسدين من الطاقم السياسي، الذين لا يريدون أن يتنظم البلد ليبقوا على منابع الغلة فيه، فانقلبوا على القرار الدولي وجرّبوا التعايش مع الحزب.

ولكنه عرف كيف يعيد تطويعهم من خلال ترددهم (فهم لم يكملوا الثورة ولا استطاعوا أن ينتخبوا رئيسا بالأكثرية) وتخويفهم (في سلسلة الاغتيالات التي سجنتهم في الفنادق خوفا من القتل) وبعد عدد من العمليات العسكرية فرض نفسه الحاكم المطلق عليهم وسيطر على المجلس النيابي وعين الرئيس الذي يريد والحكومة الطيعة له.

اليوم وبعد كل ما تقدم يبدو أن حزب الله بدأ وفي أعلى نقاط قوته يرى الخسارة أتية لا محالة. وهو يعرف بأن اللبنانيين قد ملوا فوقيته المتعجرفة وتذاكيه في سرقة الدولة وشرزمة المجتمع واطلاق يد من يريد لاسقاط هذه الدولة، معتقدا بأنه سيحل محلها، وبأنه منظم كفاية لكي يسيطر على البلد بأكمله. ولكن شتان ما بين من يهدم ومن يبني.

فالهدم سهل وسرقة الدولة ونهب أموال الشعب عملية بسيطة عند من لا يردعه ولاء للوطن أو ضمير. ولكنه وإذ يعتقد بأنه الوحيد المنظم خارج الدولة، فمن أين سيطعم جماعته ويدفع لموظفيه ويكمل عمل المؤسسات؟

وهل بفرطه مؤسسات الدولة سوف يستوعب كل الموظفين من جماعته الذين يعيش عدد كبير منهم عاهة على الأقلية التي تعمل فعليا؟

أم أنه يعتقد بأن نفسية الغزو ستساعده على الاستمرار؟

ومن سيغزو يوم لن يعود هناك من انتاج وعمل؟

وهل يعتقد بأن سلاحه قادر أن يطعمه؟

إن موضوع سلاح حزب الله ليس أمرا يخيف اللبنانيين لأنه لا يقدر أن يستعمل صواريخه في الداخل ولو أراد ذلك، فالسوريون استعملوا قبله آلتهم المدمرة ولم يربحوا شبرا من الأرض بقوة التدمير.

أما مع السلاح الفردي فكل اللبنانيين مسلحين وقد جرّب في السابع من ايار “المجيد” ولم يقدر أن يدخل قرية درزية بالقوة يوم قرر الأهالي الصمود.

ولن يقدر أن يدخل إلى أي مكان عندما يقرر اللبنانيون مواجهته. وستصبح صواريخه عبئا عليه. والأفضل له أن يسلمها للجيش حيث يمكن على الأقل صيانتها وإلا فلن تباع حتى في سوق الخردة.

حزب الله اليوم في أدنى مستويات القوة والأيام القادمة ستظهره على حقيقته. وإذا كان لزعمائه القليل من الادراك وبعد النظر عليهم أن يطلبوا هم من اللبنانيين أن يجاهروا بتنفيذ القرارات الدولية فيوفروا عليهم بذلك بعض المذلة التي سيواجهون.

وإذا ما قبل الحزب “تحت ضغط الشارع” اللبناني أن يفاوض في موضوع تنظيم تسليمه لسلاحه فهو قادر الآن على كسب بعض النقاط التي تعطيه غطاء لمستقبل سياسي ولكن إذا ما قرر المضي بالوقاحة والتشبث بمنع أية معارضة فسوف يسقط وسيكون سقوطه عظيما ومدويا.