مدير التحالف الأمريكي شرق أوسطي طوم حرب: سنشهد لوكربي جديدة على مقياس أكبر، في إشارة إلى حادثة تفجير الطائرة الأمريكية فوق لوكربي الاسكتلندية عام 1988 والتي رسى الاتهام الأمريكي-البريطاني فيها على نظام القذافي

326

مدير “التحالف الأمريكي شرق أوسطي” طوم حرب: سنشهد لوكربي جديدة على مقياس أكبر، في إشارة إلى حادثة تفجير الطائرة الأمريكية فوق لوكربي الاسكتلندية عام 1988 والتي رسى الاتهام الأمريكي-البريطاني فيها على نظام القذافي
الولايات المتحدة تتحضر لـ “لوكربي جديدة” وشعار “قاطعوا الصين” يتمدد!
رلى موفّق/القدس العربي/10 أيار/2020

سينشغل العالم لسنوات طويلة بتداعيات وباء كورونا على مختلف المستويات، ومنها المستوى القانوني الذي قد يكون الأكثر إثارة وتأثيراً. فإصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تسمية الفيروس بـ”الفيروس الصيني” سيفعل فعله حين يتم احتواء هذه الجائحة. بدأت لافتات “قاطعوا الصين” تُرفع في ولايات أمريكية دعماً لمشاريع قوانين عدة تُطرح في الكونغرس لمحاسبة بكين على ما جنته أيديها.
هذا مسار طويل، لكنه أكيد. تتحضر الولايات المتحدة الأمريكية لمقاضاة الصين، ستكون هناك أقانيم متعددة رسمية وشعبية وتجارية وغيرها. ستُرْفع دعاوى قضائية جماعية للتعويض على الضحايا، وستستميت الشركات والمؤسسات التي أفلست وأصيبت بخسائر ضخمة بفعل الإغلاق التام نتيجة الوباء لمحاسبة المسؤول عن هذا “العدو” الذي قضى على الأخضر واليابس.
ستُفح أبواب جهنم على “المارد الجبار” الذي كان يمضي قُدما لتحقيق حلم التمدد والسيطرة اقتصادياً عبر مشروع “الحزام والطريق” الذي أطلقه عام 2013 لربط الصين بالعالم، وهو المشروع الذي يعيد إحياء أمجاد طريق الحرير القديم، ويقوم على استثمارات ضخمة لبناء شبكة مرافئ وطرق وسكك حديد ومناطق صناعية، بما يعزز من الهيمنة الاقتصادية والتجارية الصينية على العالم، الأمر الذي يقلق أمريكا ويقود رئيسها إلى حربه التجارية مع بكين.
النزعة الوطنية والقومية
ترتفع النزعة الوطنية والقومية في أمريكا، وتتمدد. تذهب مسودات المشاريع في الكونغرس إلى المطالبة بإصدار تشريعات لمنع الطلبة الصينين من الدراسة في الولايات المتحدة بحجة انهم يُرسَلون لأدوار استخباراتية، وإلى وقف صفقات شراء طائرات “الدرون” من الصين لاستخدامات أمنية لأنها قد تكون زرعتها بالرقائق الإلكترونية للتجسس على الأمريكيين وجمع المعلومات. بدأت النقاشات عن ضرورة تخفيض الضرائب لعودة الصناعة إلى داخل البلاد، ولاسيما الصناعات التي تتعلق بالأمن الاجتماعي والصحي وتحديداً الدواء. ستُطرح الكثير من الإجراءات التي تأتي للإفادة من “الغضب الشعبي” في اتجاه تعزيز الشعور القومي في الحرب التجارية الدائرة بين واشنطن وبكين.
سيتحول الاتجاه نحو مقاضاة الصين من أمريكي إلى دولي. كثيرون سيسلكون غداً مسار الولايات المتحدة. دوامة قانونية وعقوبات وقيود وحواجز تجارية وما شابه سيتم وضعها كلها في سياق الصراع على منْ يتزعم العالم. بعد كورونا وما يصاغ من خطط لإغراق بكين وإرهاقها قانونياً بما سينعكس عليها انكماشاً اقتصادياً وتراجعاً في علاقاتها الخارجية، فإن 2025 لم يعد تاريخاً ضاغطاً على الأمريكيين القلقين من أن تتربع الصين وحيدة خلال السنوات الخمس على عرش القوة العظمى والأكبر. باتت التوقعات تجنح نحو الحاجة إلى عقدين من الزمن كي تعاود بكين النهوض من كبوتها المفترضة.
يقول مدير “التحالف الأمريكي شرق أوسطي” طوم حرب، إننا سنشهد “لوكربي جديدة” على مقياس أكبر، في إشارة إلى حادثة تفجير الطائرة الأمريكية فوق لوكربي الاسكتلندية عام 1988 والتي رسى الاتهام الأمريكي-البريطاني فيها على نظام معمر القذافي، ما أدى إلى دعاوى قضائية وعقوبات دولية وحظر جوي وحصار غربي سياسي واقتصادي خانق على ليبيا. ولم ينته هذا الكابوس عنها إلا بعد عشر سنوات مع تسليمها المُتَهَمَين، ولاحقاً بإعلان طرابلس الغرب مسؤوليتها عن الحادثة وقبولها التعويض للضحايا، وعقد صفقة التسوية بدفع حوالي عشرة ملايين دولار لكل من الضحايا. لكن الأهم الذي حصل من جراء “حادثة لوكربي” هو تطويع ليبيا بتخليها عن برنامجها النووي، ووقف تمويل التنظيمات الراديكالية. اشترى يومها القذافي ثمن رفع الحصار والعقوبات عن بلاده وبقاء نظامه وعدم استهداف رموزه.
قراءة حرب الذي ينتمي إلى “لوبي” الجمهوريين، تنطلق من أن الديمقراطيين، الذين شنوا حملة بخلفيات سياسية على قرار ترامب تعليق الرحلات مع الصين في بدايات أول ظهور كورونا، وساندهم فيها الإعلام، اهتزت صورتهم بعدما ظهر أن إجراءات الرئيس الأمريكي كانت صائبة، وأنه لو اعتمدت بكين الشفافية حول الفيروس وطبيعته لما كان انتشر الوباء. ولن يكون في مقدور الديمقراطيين مساندة دولة أضرت بالشعب الأمريكي ومصالحه ومعارضة الإجراءات التي تُتخذ ضدها. في رأيه أن وجهة أمريكا ستكون الهند كقوة صاعدة، وهناك فرص في باكستان وتايلند وتايوان.
ما يلفت إليه أن “أمام الدول العربية فرصة تاريخية قد لا تكرر ثانية، ولاسيما الدول ذات الكثافة السكانية العالية كمصر والجزائر لصوغ علاقة استراتيجية تجارية مع أمريكا وعقد اتفاقات مع الشركات الكبرى للتصنيع في دول الشرق الأوسط لعقود طويلة، ما يؤدي إلى نهضة هذه البلدان”. ويضيف إن “النخب الأمريكية من أصول شرق أوسطية ستدفع في هذا الاتجاه، ولا بد من ملاقاتنا في منتصف الطريق من قبل النخب في منطقتنا لتحويل الأزمة مع الصين إلى فرصة حقيقية لشعوبنا ودولنا”.
قد تكون الرهانات على محاصرة الصين تختزنها الكثير من التمنيات غير القابلة للتحقق. سيقف المحور السياسي الداعم لها الذي يشمل إيران وكوريا الشمالية وروسيا مبدئياً، لكن المراقبين يرون أنه ليس من مصلحة روسيا، على المدى البعيد، أن تقف في وجه الغرب إذا وقعت الحرب الاقتصادية.
لا شك أن جائحة “كورونا” تحوّلت لاعباً هو الأبرز سياسياً واقتصادياً في بقاع المعمورة. ستبنى في غماره تحالفات جديدة، واستراتيجيات لا ندرك بعد مدى التحولات التي ستحملها ومنْ ستطال، ومنْ سيكون الخاسر والرابح. ما هو أكيد أن “خطيئة الصين” ستكون في صلب الحملة الانتخابية لترامب ليقطع الطريق على الأصوات التي قد تحمله مسؤولية التقصير في التصدي للوباء، ولكن الأهم ليسدد ضربات مُحْكَمة لـ”مارد الشرق” قد لا يكون هناك من توقيت أفضل لها.