محمد سلام/لبنان في زمن الحقائق الضائعة و’السيدة الفاضلة

390

لبنان في زمن الحقائق الضائعة و’السيدة الفاضلة’
محمد سلام/نقلا عن موقع لبنان 36/16 شباط/17

الأبعاد الثلاثة للمشهد اللبناني ليس بينها ما هو مفاجىء: رئيس جمهورية يشرعن سلاح حزب الله ويعتبره مكملاً للجيش اللبناني. رئيس حكومة يصر على أن سلاح الحزب إياه غير شرعي. رئيس المجلس النيابي يتعافي من جراحة في المرارة فيما أنصاره يستبيحون محطة تلفزيون “الجديد”.

رؤساء الأبعاد الثلاثة نفسهم يدعون إلى إجراء إنتخابات نيابية، وإن بصيغ قانونية متناقضة، لكنهم يتفقون على أن تتضمن الإنتخابات مشاركة السلاح الذي يعتبره بعضهم شرعياً، ويعتبره بعضهم غير شرعي، ويعتبره العرب والأمم المتحدة إما إرهابياً أو ميليشيوياً.

لبنان، بعد العراق، سيدخل موسوعة غينيس على أنه دولة تجري فيها الإنتخابات تحت الإحتلال، وتشارك فيها قوات الإحتلال، ترشيحاً وإقتراعاً.

سبقنا الإحتلال النازي الذي لم يدع إلى إنتخابات عندما إحتل فرنسا، بل إكتفي بتأليف حكومة “فيشي” التابعة له، وتولى الشعب الفرنسي تصفية غالبية أعضائها بعد التحرير.

الإعلام اللبناني حالة غريبة جداً. بعضه يؤيد “الجديد” ويتعاطف معها لأنها “مثله”، وبعضه يقاطع “الجديد” ولا يؤيد التعرض لها أيضا لأنها “كانت مثله” وربما “تعود مثله”. رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ لا يؤيد التعرض “للجديد” ولا يتضامن مع “الجديد” لأنهما، أي الجديد ومن تعرض لها، أيضا “مثله”. “الجديد” بلسان مذيعتها التي كانت تشرف على النقل المباشر للإعتداء عليها “تتفهم” موقف محفوظ، أيضا لأنه لطالما كان محفوظ مثل “الجديد” ولطالما كانت “الجديد” مثل محفوظه، وسيعودان قريباً مثل بعضهما البعض، على الأرجح.

وزير الإعلام الصديق ملحم الرياشي “مع الإعتراض” وضد “التعرّض”، من دون التطرق إلى تحديد ممارسة مسار حق الإعتراض.

الملفت في الإعتداء على المؤسسات الإعلامية أنه يمارس حصراً في نطاق بيروت المحتلّة من قبل حزب السلاح منذ 7 أيار العام 2008. هكذا تم الإعتداء على تلفزيون المستقبل، وهكذا تم الإعتداء على صحيفة المستقبل. وهكذا تم الإعتداء الأول على الجديد عندما حاولوا إحراقها فاستجدت حماية من حسن نصر الله، وهكذا تم الإعتداء الثاني على الجديد بسبب حلقة للمخرج شربل خليل.

للمفارقة، عندما تعرض شربل خليل لشخص نصر الله وكان يعمل مع محطة تلفزيونية خارج بيروت الغربية المحتلة، تمت محاولة إحراق منطقة عين الرمانة ذات الغالبية المسيحية، لأن المعتدين لا يغامرون بالسفر إلى المحطة التلفزيونية التي كان يعمل لها شربل خليل في منطقة ذات غالبية مسيحية.

الملفت في المشهد السياسي اللبناني هو أنه ليس فيه ما هو مفاجيء. الرئيس عون أيد حزب السلاح كما أيده دائماً عندما كان رئيساً للتيار الوطني الحر. والرئيس الحريري عارض السلاح الذي عارضه دائماً بصفته رئيساً “للمستقبل” سواء في الوطن أو المهجر.

الإعلام على نقيض ثوابت السياسة، مارس ما يمارسه دائماُ من تذبذب على قاعدة الكل كاشف عورة الكل، نتقاذف بالكلام أما الحجارة وتكسير الزجاج ف … حرام.

في الموروث الشعبي البيروتي حكمة عميقة، وإن بقالب هزلي ولغة فظة، نوردها لا لإسقاط تفاصيلها على الواقع ولا حتى للإيحاء بإسقاطها على الواقع، بل للإستفادة من رمزية مغزاها:

“إختلف أحدهم مع شريكه على تقاسم الربح وأراد تجريحه فقال له: “أمي رأت أمك في سوق المومسات”.!!!!

“الشريك، الكاشف عورة شريكه والعالِمِ بحالِهِ، أبتسم ورد متسائلاً بتهذيب: “وماذا كانت السيدة الفاضلة أمك تفعل في سوق المومسات؟؟؟؟”

لا تتوفر خاتمة معروفة لهذه الحكمة. لكن الإستنتاج العام هو أن الشريكين تصالحا إحتراماً من قبل كل منهما لسمعة أم الآخر، لا لسمعة أمه. هكذا تقتضي المصلحة وفق مقاييس السوق حيث ولدت هذه “الحكمة”.

لغوياً، الفارق بين السوق والسوء يقتصر على حرف واحد. أما في المضمون، فالسوء يكمّل السوق إن لم يكن ابنه.

أستاذنا الأديب الراحل فؤاد جرداق، رحمه الله، عندما كان يؤنب تلامذته المشاغبين كان يصرخ بهم بصوته الجهوري الغاضب: “يا أبناء السوقة.”

أديب مؤدب كان الأستاذ فؤاد جرداق (شقيق الأديب جورج جرداق)، لكنه كان سليط اللسان وبعيد النظر، والصفتان نعمة في زمن الصم الأخلاقي وعمى البصيرة والمفاخرة بالرذيلة.

لبنان إلى أين في زمن الحقائق الضائعة والقيم الزائلة و”السيدة الفاضلة”؟؟