وسام سعادة: زيارة عون للرياض ترجمة أولى لبند السياسة الخارجية المستقلة

91

زيارة عون للرياض ترجمة أولى لبند «السياسة الخارجية المستقلة»

وسام سعادة/المستقبل/09 كانون الثاني/17

استهلال الرئيس ميشال عون زياراته الخارجية بالمملكة العربية السعودية ثم دولة قطر ينسجم، بتمامه، مع ما تضمّنه خطاب القسم من تشديد على السياسة الخارجية المستقلّة. أكثر من ذلك، بالمعيار الداخلي أيضاً، هو حدث يدحض، بشكل واضح، من أخذ يرى في انتخاب عون، والإفلات من الفراغ الدستوري، ومن بعده تجاوز مطبي التشكيل الحكومي والبيان الوزاري، عملية انتصار لمحور إقليمي على آخر. لا يعني ذلك أنّ السياسة الخارجية المستقلّة أنجزت. إرساؤها يحتاج إلى مسار متكامل سيأخذ وقتاً، ودونه منعطفات، وأمامه تحديات. إعادة التناسق والتوازن إلى المفهوم اللبناني عن السيادة ليست سهلة في بلد لا سيادة لحكم القانون فيه على كامل مساحته، أو يتفاوت فيه بشكل واضح الإحتكام إلى القانون من منطقة الى أخرى، أو تتسلّح فيه جماعة خارج كنف الدولة، وتعبر الحدود الوطنية ذهاباً وإياباً مدججة بسلاحها، للقتال، أو تحشر أنفها في الشؤون الداخلية لبلدان عربية غير محاذية جغرافياً لكياننا الوطني. مع ذلك، لا بدّ من الإستدراك بالقول ان السيادة تأسيس، والتأسيس يبدأ من خطوات ذات دلالة ووقع، تدشّن للمسار المنشود.

وصحيح أنّ الرئيس عون ليس بصدد إعادة هندسة شاملة لعلاقته مع «حزب الله» بالشكل الذي تطورت فيه هذه العلاقة في العشرية الأخيرة، وأنّه يطرح نفسه الآن كرئيس له مروحة واسعة من التفاهمات الداخلية، لكل منها نطاقه، والراجح أنّ خطاب القسم بما تضمّنه لم يكن من المعجم الذي يهواه «حزب الله»، لكنّ بالنسبة إلى «حزب الله» أيضاً عون ما زال حليفاً استراتيجياً أساسياً. بقي أنّ علاقة قوية تجمع عون بـ «حزب الله» في مقابل القوى الأخرى شيء، ومجموعة علاقات قوية بين عون ومختلف القوى على الساحة اللبنانية، بمن فيهم «حزب الله» شيء آخر، فاذا تكامل ذلك مع إعادة المياه الى مجاريها في علاقات لبنان العربية، باتت اللوحة الإجمالية «تحسّن شروط» كل من يعمل في هذا البلد لوقف «تغلّبية» الحزب.

أما السياسة اللبنانية فمحكومة منذ سنوات طويلة، وإلى سنوات، بإختلال التوازن سياسياً وأمنياً لصالح ميليشيات «حزب الله»، وهذا الإختلال عكس نفسه شغوراً رئاسياً مزمناً، وإخراجاً للإستحقاق عن متنه الدستوريّ. بقي أنّ الوضع اللبنانيّ محكوم أيضاً باختلاف عميق بين «حزب الله» بما يمثّل، وبين سائر اللبنانيين الآخرين، بصرف النظر عن الاختلاف الحاد في موقفهم من هذا الحزب. يختلف اللبنانيون حول الموقف من «حزب الله»، لكن، أيّاً كان الموقف منه، إيجابياً أو سلبياً، يبقى أنّ إشكالاً يقع في حرم جامعة، يكفي لإظهار «الإفتراق المجتمعي» بين الحزب و«الآخرين»، سواء كانوا حلفاء له، أو متقاطعين معه، أو أخصاماً معتدلين أو قصويين. فالحالة التعبوية الدائمة التي يعيشها «مجتمع الحزب» ليس لها قرينها في الجماعات الأخرى. هي حالة تكسب الحزب عصبية وقوة، لكنها ترسم حدّاً فاصلاً بينه وبين الآخرين.

ليست المواءمة بين «تحييد» لبنان عن صراع المحاور الإقليمية، وبين التزامه بمقرّرات الإجماع العربي، بالأمر الميسّر في الظروف الضاغطة التي يعيشها البلد. مع ذلك، وخصوصاً بعد وصول العماد عون الى بعبدا، باتت معظم القوى معنية بكيفية تأمين هذه المواءمة وتمكينها. وحده «حزب الله» يعارض الأمرين معاً في الوقت الحالي: لا هو قابل بـ«تحييد لبنان» عن الحرب السورية أو غيرها من صراعات المنطقة، ولا هو قابل بمقرّرات الإجماع العربي. مع ذلك، لا يمكن الإكتفاء بالمعطيات الحالية لقياس ما هو متاح من آفاق للسياسة الخارجية اللبنانية المستقلة. الأوضاع الإقليمية غير ثابتة، ايجاباً أو سلباً. هل غادرنا لحظة التوتر الأقصى في صراع المحاور الإقليمية، أو أنّ التوتر الأقصى ما زال ينتظرنا؟ هل بدأ العد العكسي لخروج «حزب الله» من حلب، بعيد «اعلان موسكو» والاتفاق التركي – الروسي، أم أنّ الحزب سيضاعف من مدى قتاله في سوريا؟. وهذا لا ينفصل بدوره عن متعلّقات الإستحقاق النيابي اللبناني. فهو استحقاق منتظر أن يجري في ظلّ عدم اتضاح الأجوبة عن هذا النوع من الأسئلة. لقد أمكن انهاء الشغور الرئاسي في لحظة اقليمية حرجة للغاية، كما أمكن تشكيل حكومة بعد ذلك رغم الإنتظارات المتشائمة بهذا الصدد، والآن تلوح بشائر التأسيس لسياسة خارجية لبنانية مستقلّة، يبقى أن كل خطوة ايجابية من هذا النوع هي من يجتاز حقل ألغام. قانون الإنتخابات، ثم الإنتخابات نفسها، يحتاجان في المقابل الى أكثر من تجاوز حقل الألغام، يحتاجان الى تفكيك قسم من الألغام في هذا الحقل!.