خيرالله خيرالله: سنة تفرّج العالم على المأساة السورية

107

سنة تفرّج العالم على المأساة السورية…
خيرالله خيرالله/الراي/03 كانون الثاني/17

مع نهاية السنة 2016، مرّ ربع قرن نهاية الاتحاد السوفياتي بشكل رسمي من دون ان يكون هناك من يريد ان يتعلّم من مغزى سقوط الدولة العظمى تلك وابعاد ذلك. على العكس من ذلك، هناك في طهران وموسكو من يريد تكرار تلك التجربة الفاشلة ولكن على حساب المنطقة العربية هذه المرّة. يحصل ذلك في ظلّ قرار أميركي اتخذه باراك أوباما يقوم على تفسير خاص به لما هو الإرهاب ولمن يمارس الارهاب. الإرهاب هو الإرهاب السنّي بالنسبة الى أوباما. كلّ ما عدا ذلك حرب على الإرهاب، بما في ذلك الحرب التي تشنّها ميليشيات تابعة لإيران في سوريا والعراق ولبنان على السوريين والعراقيين واللبنانيين. لم يجد الرئيس الاميركي الذي سيخرج قريبا من البيت الأبيض وقتا للتحقّق مما تقوم به ميليشيات «الحشد الشعبي» في العراق. لم يكن لديه أيضا وقت للتمحيص في ما تقوم به الميليشيات المذهبية التابعة لإيران في سوريا…

لم تكن 2016 سنة تفرّج العالم على المأساة السورية التي اكّدت حجم الاطماع الايرانية في بلاد العرب والتواطؤ الإسرائيلي مع عملية تدمير المدن العربية بشكل ممنهج فحسب، بل كشفت أيضا كم لعب باراك أوباما دورا في تغير طبيعة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في العمق. نقل أوباما اميركا من مكان الى آخر بعدما اعتبر ان الإنجاز الوحيد الذي يستطيع تحقيقه هو الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني! كشفت الحملة على حلب الكثير. كشفت حقيقة ما يدور في العالم. كشفت قبل كلّ شيء كم انّ الولايات المتحدة صارت في عالم آخر. كشفت مدى الوحشية الروسية والقدرة على استغلال الغياب الاميركي والاوروبي لاقامة منطقة نفوذ في سوريا. كشفت خصوصا القدرة الايرانية على استخدام الميليشيات المذهبية اللبنانية والعراقية والافغانية والباكستانية في حروب تصبّ في خدمة مشروع توسّعي يستهدف الهيمنة على المنطقة، بدءا بالعراق وصولا الى لبنان، مرورا بسوريا طبعا… مع تركيز خاص على اليمن. هناك تركيز إيراني على اليمن بصفة كونه خاصرة الخليج العربي ومكانا يمكن استخدامه لالهاء دول الخليج عن عملية استهداف البحرين والعراق وسوريا ولبنان في طبيعة الحال.

لعلّ الدرس الاوّل الذي يمكن استخلاصه من احداث 2016 هو انّ العالم كلّه مقبل على تغييرات كبيرة. من كان يصدّق ان المملكة المتحدة، ستخرج من الاتحاد الاوروبي؟ من كان يصدّق ان دونالد ترامب سيكون رئيسا للولايات المتحدة، آخذا القوّة العظمى الوحيدة في العالم، ومعها العالم كلّه، في رحلة الى المجهول؟

كانت 2016 سنة المفاجآت بامتياز. كان خروج المملكة المتحدة، أي بريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية من الاتحاد الاوروبي مؤشرا الى انّ أوروبا دخلت مرحلة جديدة لا علاقة لها بالماضي. لم يعد ممكنا الكلام عن سياسة أوروبية واحدة تجاه ايّ قضية مطروحة. هناك سياسات أوروبية مختلفة في غياب القدرة، حتّى، على اتخاذ موقف موحّد من الهجرة والإرهاب واسئلة مشروعة في شأن الحدود المفتوحة التي مكّنت إرهابيا، مثل ذلك الشاب التونسي ابن الـ24 عاما الذي اقتحم بشاحنة سوقا في برلين عشية عيد الميلاد، من ان ينتهي في ميلانو حيث قضي عليه بالصدفة.

عبر الإرهابي الذي كان المطلوب الاوّل في أوروبا بعد التعرف اليه، حدود ثلاث دول هي المانيا وفرنسا وإيطاليا. لو لم يكن هناك شرطي يقظ استطاع اطلاق النار عليه، لكان لا يزال طليقا…

تغيّرت أوروبا وتغيّرت الولايات المتحدة وتغيّرت روسيا وتغيّرت ايران. صارت روسيا وايران اكثر عدائية. تغيّرت تركيا. جعل الانقلاب الذي استهدف رجب طيب اردوغان من الرئيس التركي شخصا آخر. أعاد العلاقات مع روسيا وإسرائيل. دفن كلّ ملفات الماضي من اجل البقاء في السلطة. صارت كل المعطيات الإقليمية مختلفة، خصوصا بعدما اعتبرت تركيا ان الولايات المتحدة تخلّت عنها وبعدما شهرت قوى عدّة الورقة الكردية في وجهها. لا تشبه 2016 سوى 1989، سنة انهيار جدار برلين. دخل العالم بعد 1989 مرحلة جديدة مهّدت لانهيار الاتحاد السوفياتي واستعادة دول أوروبا الشرقية حرّيتها. لم يستوعب كثيرون ابعاد تلك المرحلة. لم يفهم صدّام حسين، في ذلك الحين، ماذا يعني هذا الحدث التاريخي. حاول اللعب في الوقت الضائع. احتل الكويت معتقدا انّ هناك توازنا دوليا بين القوتين العظمتين سيحميه وانّ في استطاعته لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة التي لا يردّ لها طلب. لم يأخذ علما بانّ الاتحاد السوفياتي صار في خبر كان. في السنة 2016، ثمّة من يحاول اللعب في الوقت الضائع. نجحت ايران وروسيا في سوريا حيث فشل العراق في الكويت في 1990. كان الاحتلال الروسي ـ الايراني لحلب وتهجير أهلها بمثابة لعب في الوقت الضائع. ستجيب السنة 2017 بعد وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض عن سؤال أساسي: هل تستعيد الولايات المتحدة دور القوّة العظمى الوحيدة في العالم وتضع ايران وروسيا في مكانهما وفي حجمهما الحقيقي في وقت بات معروفا ان البلدين يعانيان من ازمة اقتصادية عميقة بسبب هبوط أسعار النفط والغاز التي اثّرت على دول كثيرة في المنطقة؟

كانت 2016 سنة الأسئلة. تبدو 2017 سنة الأجوبة في ظلّ التغيّرات الكبيرة التي يشهدها العالم. من الصعب الرهان على ان دونالد ترامب سيعيد لاميركا امجادها كما وعد في اثناء حملته الانتخابية. الأكيد ان هناك ثورة تحصل في الولايات المتحدة. كان انتصار دونالد ترامب على هيلاري كلينتون افضل تعبير عن هذه الثورة التي ليس معروفا المدى الذي ستبلغه وهل ستنعكس على السياسة الاميركية في الشرق الاوسط والخليج.

من القضايا الكبيرة، يمكن الذهاب الى القضايا الصغيرة مثل قضيّة لبنان الذي فقد الكثير من اهمّيته في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة، خصوصا في ضوء ما يجري في سوريا التي وقعت تحت استعمارين روسي وايراني في ظل تنسيق في العمق بين روسيا وتركيا وروسيا وإسرائيل. ليس امام لبنان سوى ان يحمي نفسه. لديه رئيس للجمهورية بفضل ما قام به الرئيس سعد الحريري. لديه حكومة أيضا. هذه الحكومة ليست مثالية، بل هي ابعد ما تكون عن المثالية، خصوصا ان ليس في استطاعة أي لبناني، شريف فعلا، تجاهل تضحيات حركة الرابع عشر من آذار والضحايا الذين اغتالتهم يد الشر التي يعرف الجميع من هي. كان محمد شطح آخر الضحايا التي قدمت دماءها من اجل لبنان افضل وكي تنتصر ثقافة الحياة… هل يمكن للنواة الصالحة في الحكومة العمل على المحافظة على ما بقي من البلد ومؤسساته في وقت ليس الشرق الاوسط وحده يتغيّر بل العالم كلّه في مرحلة مخاض؟ هل تكون 2017 افضل من 2016 ام مجرّد امتداد لها. وهذا ما سيكون عليه العالم على الارجح…