القوات اللبنانية تخوض معركة تأليف الحكومة بوجه الكتل المسيحية التي عارضت انتخاب عون، ولاسيما المردة ولكتائب وبعض المستقلين المسيحيين

103

القوات الجديدة” تدخل البازار الحكومي
المدن – سياسة | الإثنين 07/11/2016

يبدو جلياً أن القوات اللبنانية لا تتصرف مع مسألة تأليف الحكومة هذه المرّة كما في المرات السابقة حيث امتنعت عن المشاركة في الحكومة الأخيرة “لأسباب مبدئية” متصلة بطبيعة الحكومة، لجهة “ربط النزاع” مع حزب الله، وبمضمون البيان الوزاري. هناك “قوات جديدة” بدأت بالبروز مع وصول العماد ميشال عون إلى السدّة الرئاسية، وأوّل مؤشراتها كيفية التعاطي مع التأليف الحكومي الجاري حيث تصّر القوات على المشاركة بحصة تعكس “حجمها الشعبي ومشاركتها الأساسية في إنتاج العهد الجديد”.

منذ لحظة انتخاب ميشال عون والقوات تتصرف كـ”أم الصبي” في العهد الجديد، وفق تعبير الدكتور سمير جعجع، الذي كثّف من إطلالاته الإعلامية عقب الانتخابات للتأكيد على الدور الرئيسي للقوات في إيصال عون إلى قصر بعبدا، لاسيما أنّ انتخابه جاء نتيجة تقاطع قوى رئيسية على تأييده، ما جعل في مقدور أي من القوى تلك القول إنّ الفضل في رئاسة عون يعود لها بالدرجة الأولى. وهذا سجال مفتوح منذ الانتخابات وقد انضم إليه الرئيس نبيه بري الإثنين بقوله إنّ “ثلاثة ساهموا في انتخاب العماد ميشال عون: السيد حسن نصرالله الذي تمسّك بدعم ترشيح الجنرال على مدى سنتين ونصف، الرئيس سعد الحريري الذي غامر بتأييد عون، ونبيه بري الذي لم يعطّل نصاب جلسة الانتخاب”.

إصرار القوات على إظهار دورها في انتخاب عون له وظيفة سياسية متصلة بحرصها على المشاركة في السلطة في العهد الجديد على قاعدة أنّها شريكة أساسية في ولادته. فـ”المبدئية” التي كانت حجة القوات لعدم المشاركة في الحكومة الماضية لن تكون من أدواتها في المرحلة الجديدة. وهذا الأمر ليس، بحسب أوساط قواتية، “عدولاً عن التمسك بالثوابت والمبادئ الأساسية التي لم تزح القوات عنها طوال تاريخها”، لكن المتغيّر اليوم أنّ القوات شريكة في العهد ولها حليفان رئيسيان فيه هما الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري. وبالتالي، هي مطمئنة لسياسة العهد الجديد. وهذا دافع لها للمشاركة بقوة في انطلاقته.

تضيف هذه الأوساط أنّ استراتيجية القوات في التعاطي مع مسألة تأليف الحكومة تقوم بين حديّن: فمن ناحية القوات لا تريد عرقلة انطلاقة العهد بتأخير ولادة حكومته الاولى، وهو ما تؤكده تغريدة جعجع الإثنين: “أقصى اهتمامي في الوقت الحاضر هو نجاح العهد الجديد. وسأعمل كلّ ما بوسعي لتحقيق ذلك”. ومن ناحية أخرى هي شريكة أساسية في هذا العهد وتريد أن تعكس حصتها الحكومية ذلك. وتؤكّد أنّ “القوات متفاهمة مع التيار الوطني الحر على مسألة الشراكة في الحصة المسيحية في الحكومة، ولا توجد مشكلة مع التيار على هذا الصعيد”.

وتشير أوساط سياسية غير بعيدة من القوات إنّ “الأخيرة دخلت باكراً البازار الحكومي لحجز مقعد وازن لها في التركيبة الوزارية، وهي رفعت سقفها إلى أعلى حد لكي تستطيع التفاوض لاحقاً بوضعية مريحة”. وتعتبر هذه الأوساط أنّ “القوات بمطالبتها بوزارة المال دخلت سوق البيع والشراء الحكومية بأسعار عالية جداً، لم يخفضها النائب جورج عدوان بعد لقائه الحريري في البرلمان حيث قال إنّ القوات تطالب بحقيبة سيادية ووزارة خدماتية أساسية وأخرى متوسطة”.

لا تستبعد هذه الاوساط التفاهم بين القوات والتيار الوطني الحر على مسألة “الشراكة في الحكومة”، لكنّها ترى أنّ القوات تعلم جيداً أّنّ الرئيس عون مرتبط بسلسلة تفاهمات سيكون مضطراً إلى الموازنة بينها، وبالتالي هي بتصلبها في مطالبها عالية السقف تلك تكون تضغط على عون قبل سواه. لذلك تعتبر هذه الأوساط أنّ القوات ستخفض سقفها الوزاري الحالي، لكنّها بالتأكيد لن تقبل بحصة وزارية “عادية”، بل قد ترضى بوزارات مهمّة وإن لم يكن بينها حقيبة سيادية، لانّ “الحقائب السيادية لها حساب خاص في المرحلة الراهنة لجهة حساسية موضوعي الأمن والسياسة الخارجية بالنسبة إلى حزب الله الذي يحرص على تبوء وزارات الداخلية والدفاع والخارجية أشخاص بينه وبينهم صلات سياسية كما كانت عليه الحال في حكومة الرئيس تمام سلام. والقوات لن تذهب إلى الآخر في المطالبة بحقيبة سيادية ليس مراعاة لحزب الله وإنما لعون والحريري اللذين يستعجلان ولادة الحكومة”.

ويُستشف من حديث الأوساط القواتية أنّ معركة تأليف الحكومة التي تخوضها القوات هي في جانب أساسي منها بوجه الكتل المسيحية التي عارضت انتخاب عون، ولاسيما تيار المردة وحزب الكتائب وبعض المستقلين المسيحيين، إذ لا تقبل القوات بأنّ تتولى هذه القوى حقائب “أهم” من تلك التي تتولاها القوات الشريكة الأساسية للعهد. وهذا يفسّر حديث جعجع عن عدم وجود ضرورة لتمثيل “المعارضة” في الحكومة، وكلامه هذا لا يعني به الرئيس بري إنما المسيحيين المعارضين بالدرجة الأولى. وهذه ستكون نقطة تجاذب بين رئيس القوات والحريري الذي يريد إرضاء المردة والكتائب.