شادي علاء الدين/ميشال عون رئيس الفراغ

150

ميشال عون رئيس الفراغ
شادي علاء الدين/العرب/23 تشرين الأول/16

يبدو أن جلسة مجلس النواب اللبناني الـ46 المرتقبة نهاية أكتوبر الجاري والمخصصة لاختيار رئيس جديد للبنان ستكون مختلفة عن الجلسات الـ45 الماضية التي فشلت في تحقيق الغرض منها، بعد أن جاء إعلان زعيم تيار المستقبل سعد الحريري تأييد ترشيح العماد ميشال عون لدخول قصر بعبدا، في مسعى لحل الانسداد السياسي في البلاد، لكن بقدر ما يأتي ترشيح الجنرال ليكون حلا لأزمة شغور الرئاسة منذ عامين ونصف العام، يحمل معه ملامح توتر وأزمات أخرى أكبر، تبدأ عند الانقسام المسيحي المسيحي بشأن مسألة ترشيح ميشال عون، ولا تنتهي عندي المخاطر الأمنية التي تحيط بعملية وصول الجنرال إلى قصر بعبدا.

أيهما أفضل للبنان كرسي رئاسة فارغ أم رئيس يعقد الفراغ

بيروت – أظهر ترشيح سعد الحريري للجنرال ميشال عون مجموعة كبيرة من الصراعات والخلافات، وبدا أن صعود احتمال وصول الجنرال إلى سدة الرئاسة يحمل ملامح انقسام حاد بين جميع مكونات المشهد السياسي في لبنان، وأن وصوله أو الإبقاء على الفراغ أمران يتساويان في الدلالة والأثر، نظرا لغياب الحد الأدنى من التوافق عليه حتى بين أبناء الفريق الواحد.

انقسم فريق الممانعة الذي ينتمي إليه الجنرال إلى فرعين واحد سوري يؤيد سليمان فرنجية وآخر إيراني يؤيد الجنرال، كما انقسمت كتلة المستقبل النيابية إلى مؤيد ورافض للترشيح بشكل علني. وأعلنت كتلة الكتائب اللبنانية رفضها المباشر للترشيح، إضافة إلى أن رفض الرئيس بري وكتلته النيابية لوصول الجنرال إلى سدة الرئاسة لا يزال ساريا.

وقد أبلغ الرئيس بري ميشال عون شخصيا هذا الموقف في اللقاء الذي جمع بينهما مؤخرا. وكذلك فإن موقف كتلة النائب وليد جنبلاط غير محسوم. يضاف إلى ذلك ظهور مناخات إقليمية ودولية غير مرحبة بانتخاب الجنرال عون وتحذر من آثاره السلبية. بعد ذلك كله هل يمكن للجنرال ألاّ يكون رئيس الفراغ؟

الترشيح البارد

لم تعكس الأجواء التي رافقت ترشيح سعد الحريري للجنرال عون توفر الحدود الدنيا من التوافق، أو وجود مناخات توحي بإمكانية نضوج أيّ تسوية لبنانية داخلية. وأطلق الحريري على موقفه من ترشيح الجنرال وصف تأييد الترشيح، وتحفّظ عن استعمال كلمة الترشيح بشكل صريح. ووصف الأمر برمّته بأنه مغامرة وتضحية يقوم بها على حساب رصيده وشعبيته من أجل بقاء الوطن، والحفاظ على النظام، ومنع انزلاق الأمور إلى حافة الحرب الأهلية.

أبقى سعد الحريري على خطاب معاداة إيران والهجوم عليها حيّا وفاعلا، بشكل يتناقض مع عنوان التهدئة التي من المفترض أن يتم التمهيد لها بالكف عن تفعيل عناوين الصراع، أو تأجيلها على الأقل.

الانقسام الظاهر في صفوف الممانعة حول ترشيح الجنرال عون يخفي رغبة حزب الله في استمرار الفراغ، خصوصا، وأن الحزب تعامل في وسائل إعلامه مع ترشيح الجنرال ليس بوصفه تسوية بل بوصفه خضوعا من سعد الحريري لقراره

وتعامل حزب الله بدوره مع الأمر بطريقة مماثلة وأكثر غموضا، فقد استبق إعلان الترشيح بمواقف رحّب فيها بكل التوافقات التي تجري بين المكونات السياسية لهذا البلد. وأبدى الحزب حرصا كبيرا على تجهيل المقصود بالمكونات السياسية في إشارة اعتبرت تقليلا واضحا وصريحا من شأن الاتفاق بين سعد الحريري والجنرال عون، ووضعه في إطار التفاهمات الثنائية التي لا تلزم أحدا. وفهم هذا الأمر مباشرة على أنه فصل تام للشأن الرئاسي عن الشأن الحكومي، وعدم التزام الحزب بتسمية سعد الحريري لتكليف الحكومة. تابع الحزب كذلك سياق هجومه على السعودية في إطار يتناقض تماما مع لحظة التوافق المنتظرة، لا بل يعلن بوضوح أن عناصرها لم تنضج بعد.

فرعا الممانعة

انقسمت مواقف الممانعة إثر ترشيح سعد الحريري لميشال عون إلى قسمين. عاد بشكل مفاجئ ذلك الانقسام الذي كان يسم الساحة في البلد إلى الظهور بصيغته التقليدية التي تتوزع الولاءات فيها بين النظامين السوري والإيراني.

لم يكن انتماء الجنرال إلى محور الممانعة بشكل واضح وصريح منذ إعلان تفاهمه الشهير مع حسن نصرالله عام 2006 كافيا لكي يتم تكريسه ممانعا كامل الأوصاف، يحظى وصوله إلى سدة الرئاسة بترحيب كافة فرعي الممانعة.

تحالف الجنرال مع حزب الله أغدق عليه صفة الانتساب إلى الفرع الإيراني من الممانعة في حين أن المرشح سليمان فرنجية يتمتع بصفة الانتساب إلى فرع النظام السوري. وتوزعت خريطة التأييد والرفض بين فريق الممانعة وفقا لهذا التوصيف الذي عاود الظهور فجأة في اللحظة التي اعتبر فيها الجميع أن الأمور في لبنان استقرت لصالح الممانعة في صيغتها الإيرانية.

لا يوجد تناسب فعلي بين قوة الطرفين الممانعين السوري والإيراني لأنّ غلبة حزب الله الواضحة، تحول دون وجود أيّ تأثير فعلي للممانعة في صيغتها السورية يخرج عن صيغة يتحكم هو بشكلها، وحدودها، وحتى بمنطقها.

كل هذا يعني أن الانقسام الظاهر في صفوف الممانعة حول ترشيح الجنرال عون يخفي رغبة حزب الله في استمرار الفراغ، خصوصا، وأن الحزب تعامل في وسائل إعلامه مع ترشيح الجنرال ليس بوصفه تسوية بل بوصفه خضوعا من سعد الحريري لقراره. ولا تستشف من هذا المنطق نية التسهيل، بقدر ما يهدف إلى إثارة حفيظة الجميع ضد هذا الترشيح، وتوجيه رسالة مفادها أن ليس لأحد دور فيه بل إنه يحمله بشكل لا يحتمل التأويل معنى الرضوخ التام لمطالبه.

كذلك فإن موقف الرئيس بري الرافض لوصول عون إلى سدة الرئاسة، والذي أوصله إلى الجنرال مباشرة في اللقاء الذي جمع بينهما مؤخرا، يدل على أن توزيع الأدوار بين طرفي الممانعة في ما يخص الموقف من وصول الجنرال يشكل نهج إدارة الأمور في هذه المرحلة.

يقوم هذا النهج على ترك الرئيس نبيه بري يقود فرع الممانعة المحسوب على النظام السوري والذي يضم إضافة إليه حزب البعث والحزب القومي السوري الاجتماعي وتيار المردة، في سبيل تعقيد عملية وصول الجنرال إلى سدة الرئاسة، أو إيصاله بشكل يتلاءم مع الفراغ الذي لم يعد هناك كثير من المشككين في كونه يمثل المشروع الأساسي والنهائي لحزب الله.

التشرذم المسيحي

كشف الرئيس نبيه بري عن السرّ الذي أعلن أنه كان يخفيه بصدد مواقف رئيس حزب القوات اللبنانية من ترشيح الجنرال. أعلن أن جعجع كان قد رشح الجنرال لحماية ظهره المسيحي ولكنه لا يفهم لماذا قد يقدم الرئيس سعد الحريري على ذلك. هذا المناخ الذي نقله الرئيس بري وجد مصداقيته في عدم حضور أيّ ممثل للقوات اللبنانية في حفل إطلاق ترشيح الجنرال في بيت الوسط، ما يعني أن تبنّي جعجع لترشيح الجنرال عون لم يكن عمليا أكثر من مناورة سياسية هدفت إلى الرد على ترشيح سليمان فرنجية، وما يمكن أن يحمله وصوله إلى رئاسة الجمهورية من تهديد لزعامة جعجع نظرا لتقارب مناطق النفوذ وتداخلها بينهما.

كذلك فإن شعار الأكثرية المسيحية الساحقة الذي رفع لتأكيد نهائية تمثيل ترشيح الجنرال من قبل جعجع لكافة المسيحيين بدت فارغة من مضمونها ومن معناها إثر إقدام الحريري على خطوة الترشيح. وقد كشف حجم الاعتراض المسيحي على ترئيس الجنرال انقساما مسيحيا حادا حوله، إذ أن كتلة القوات لا تريده عمليا وإن كانت لا تستطيع التراجع عن دعمه.

رئيس حزب القوات سمير جعجع أكد في الزيارة التي قام بها لميشال عون بعد إعلان ترشيحه من قبل سعد الحريري أنه سيكون رئيسا صنع في لبنان، في حين أن حزب الكتائب اللبنانية وتيار المردة إضافة إلى حزب الوطنيين الأحرار وشخصيات مسيحية تمتلك ثقلا بارزا من قبيل وزير الاتصالات بطرس حرب قد أعلنوا رفضهم له.

هكذا فإن رئاسة عون لن تكون كما تصورها الدعاية العونية في أنها فوز للرئيس الذي يمثل غالبية الرأي العام المسيحي، بل إن الجنرال سيكون في حال فوزه المشكوك فيه حتى هذه اللحظة رئيس الانقسام المسيحي والصراعات المسيحية الحادة، أو أنه سيكون كما تقول بعض الأصوات رئيس نهاية الوجود المسيحي في لبنان.

رئاسة عون لن تكون كما تصورها الدعاية العونية في أنها فوز للرئيس الذي يمثل غالبية الرأي العام المسيحي، بل إن الجنرال سيكون في حال فوزه المشكوك فيه حتى هذه اللحظة رئيس الانقسام المسيحي والصراعات المسيحية الحادة، أو أنه سيكون كما تقول بعض الأصوات رئيس نهاية الوجود المسيحي في لبنان

تحذيرات دولية ومخاوف أمنية

لا يبدو العالم منشغلا بالرئاسة اللبنانية، ولكن جملة المواقف التي سبقت ترشيح الجنرال من قبل سعد الحريري والتي تزامنت معها، توحي بوجود جوّ دولي لا يشجع إطلاقا على وصول الجنرال إلى سدة الرئاسة.

لعل الموقف السعودي الفضفاض الذي ترك الأمر لسعد الحريري دون ترحيب أو رفض، مع تأكيد على تحميله المسؤولية الكاملة عن تبعاته، والموقف الفرنسي المحذر والداعي إلى التريث يدلان على عدم نضوج المناخات الدولية المرحبة بهذا الخيار. يضاف إلى ذلك صدور عقوبات أميركية وسعودية ضد شخصيات وشركات على علاقة مع حزب الله بالتزامن مع الترشيح.

أبعد من ذلك يعلم الجميع أن حزب الله مصنّف عربيا ولدى جهات دولية كثيرة على أنه حزب إرهابي، وهو يصر على توجيه رسالة للعالم مفادها أن الجنرال عون هو الرئيس التابع له، أي أنه رئيس حزب الله. هذا يعني ببساطة تامة أن توصيف الإرهاب سيشمل الرئاسة اللبنانية التي ستتحول مع وصول الجنرال إلى رئاسة إرهابية، ستنشأ بسببها تبعات شديدة الخطورة لا يستطيع البلد احتمالها.

أبرز تلك التبعات تتعلق بقدرة لبنان على الاستجابة للمعايير القانونية الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، والتي باتت منطلقا للاعتراف بشرعية أيّ بلد ومقدمة ضرورية للاعتراف بنظامه، وكذلك في قدرة البلد على إقرار منظومة قوانين مالية تجنبه سيف العقوبات الدولية، والإدراج ضمن اللوائح السوداء للدول الممتنعة عن تطبيق قوانين مكافحة تبييض الأموال والتهرب الضريبي.

رئاسة الجنرال تفتح البلد من جهة أخرى على مخاطر أمنية متعددة لأن المجموعات المتطرفة سترى في البلد الذي ينتمي رأس الهرم في السلطة فيه إلى حزب الله هدفا مشروعا للاستهداف. يضاف إلى ذلك أن الاعتراض داخل الطائفة السنية على خيارات الحريري، والتي أنتجت مع ترشيحه لسليمان فرنجية ظاهرة زعامة وزير العدل المستقيل أشرف ريفي، مرشح للنمو والتفاقم، والركون إلى خيارات أكثر تشددا لن يكون معها حتى النموذج الرافض الذي قدمه أشرف ريفي مناسبا، بل سيكون الجو جاهزا لإنتاج شخصيات توازي الحزب في المنطق وتخالفه في الاتجاه. ولتبنى المعادلة في نهاية المطاف وفق التسلسل التالي:
– الجنرال عون هو رئيس حزب الله
– الفراغ هو الرئيس الفعلي الذي يريده حزب الله
– إذن الجنرال ميشال عون هو رئيس الفراغ.