عقل العويط/وسام الضمير الوطني الجمعي

92

وسام الضمير الوطني الجمعي
 عقل العويط/النهار/18 تشرين الأول 2016

شكراً للجمهورية الفرنسية، التي كان اللقاء في قصر صنوبرها، قبل أيام، من أجل تكريم سمير فرنجية، مستحَقّاً، تاريخياً، ومؤثراً للغاية. لكن، في عمق أعماقي، لا أزال أفضّل أن لا تكرّمكَ، يا صديقي سمير، جهةٌ ما، ولا الدولة الفرنسية، ولا أيضاً ما بقي من لبنان الرسمي. ما يهمّني حقاً، هو تكريم الضمير الوطني الجمعي لكَ.

هذا ما تستحقّه. لقد كان هذا الضمير، ولا يزال، شغلكَ الشاغل، في تجاربك السياسية والوطنية والفكرية، على اختلافها. خيطٌ متينٌ واحدٌ يجمع بين هذه التجارب، إيمانكَ بأن لبنان يستحقّ – بل يجب – أن يكون دولة الحقّ والقانون والديموقراطية، دولة الإنسان المدني، وبأن المواطن قادر على اجتراح هذا التغيير، عابراً الطوائف، والمذاهب، والاحزاب، والتيارات، والمصالح، والظروف التاريخية والآنية، وتعقيدات الجغرافيا السياسية، بحثاً عن هذا الجوهر المطمور.

عندما تعرّفتُ إليكَ في العام 1993، وقبل أن أعمل معكَ، وأقف إلى جانبكَ في اجتهاداتكَ كلّها، كنتُ أعرف بالحدس، وبالممارسة، أنكَ شاعرٌ، إلى كونكَ مشغوفاً بالسياسة. ثمّة تعبيرٌ في الفرنسية، animal politique، ليس هناك ما يعادله في العربية، لأن الترجمة الحرفية تُفقِده معناه ودلالته. أنطلق من هذا التعبير بالذات، لأسمّيكَ animal poétique، لأن شعريتكَ الهائلة، وصفاءكَ الحلمي، يتخطيان السياسة، إلى ما يجعلك قادراً على أن تكون رمزاً للضمير الوطني الجمعي الذي أومئ إليه.أبعد من السياسة، أقول إن لبنان الفكرة والحلم، لبنان الوطن والدولة، خاسرٌ حقّاً لأنه لم يعرف إلى الآن كيف يستفيد منكَ، وكيف “يستغلّكَ”، وكيف يسحب النسغ السحري من عقلكَ الخلاّق.

أفكاركَ الحالمة، لكن الواقعية والعملانية جداً، شبيهةٌ بنبعٍ يهدر في طبقات اللاوعي الجمعي، متفجراً، لا من مكانٍ في ذاته، بل من فسحة المطلق الشعري. عندما ترتقي السياسة إلى هذا المطلق، مطلقكَ، يصبح في مقدورها أن تصبح سياسة للأوطان المهيبة، الكريمة، الخالدة، فتكتسب معناها الفلسفي، الجوهري، النقي، النزيه، غير القابل للاستغلال والانتهاك والاغتصاب… في مواخير الدعارة السياسية الرخيصة.

يؤلمني، وأنا أشكر وجودكَ الأبيّ، أن أنظر إلى لبنان السياسي فلا أرى إلاّ الأقزام والنفايات تقريباً. يا لهذا اللبنان، لا يعرف أن يرجّف الزعران الذين يستولون عليه، استيلاء الشبعانين الوضيعين الذين لا يشبعون من السرقة والنهب. هؤلاء هم الحديثو النعمة في السياسة الوطنية. حرامٌ أن يلقى لبنان هذا المصير الجهنمي على أيديهم! من قعر اليأس، إلى أعلى الذرى في جبال الحلم، أحيّيكَ، وأضع، بشخصي الشعري المتواضع، على صدركَ ما تستحقّه: وسام الضمير الوطني الجمعي!