ذكرى 13 تشرين الأول، حيث دخل جيش الإحتلال السوري إلى قصر بعبدا وإلى وزارة الدفاع في اليرزة: مقاطع من مقابلة أجرتها جريدة الحياة في 15 أيلول 1997 مع إيلي حبيقة بخصوص هذا اليوم

245

مع إقتراب ذكرى 13 تشرين الأول، اليوم المشؤوم في تاريخ لبنان حيث دخل جيش الإحتلال السوري إلى قصر بعبدا وإلى وزارة الدفاع في اليرزة: مقاطع من مقابلة أجرتها جريدة الحياة في 15 أيلول 1997 مع الوزير الراحل إيلي حبيقة بخصوص هذا اليوم

 عقدت اجتماعات مع العماد عون اثناء وجوده في قصر بعبدا ما قصة تلك الاجتماعات؟

– رأيته مرتين خلال وجوده في بعبدا وقبل عملية 13 تشرين الأول 1990 ازاحة عون من بعبدا لكن الاتصالات معه كانت قائمة قبل ذلك.

< هل صحيح انك ضللته عشية العملية؟

– لا. الصحيح هو التالي: قبل 13 تشرين الأول بنحو شهرين تلقيت اتصالاً من شخص مقرّب جدا من عون. زارني الشخص في شقة كنت اسكنها في الرملة البيضاء وقال ان الجنرال يريد ان تساعده في فتح خط على الرئيس حافظ الأسد. فقلت له: هناك باب اذا فتحه الجنرال يمكن ان يصل الى الرئيس الأسد. قال: ما هو الباب؟ قلت: اتفاق الطائف، اذا كان مستعداً للسير في هذا الخط اعتقد انه يستطيع ان يصل نظراً الى ما له من موقع. قال: الامر مطروح للبحث. سألته: ماذا يعني ذلك؟ اجاب: يعني ليست لدينا مواقف مسبقة. قلت: نحن نسمع مواقف واضحة تعبر عن رفضكم. قال: ضع هذا الكلام جانباً واعتبر ان الجنرال مشى في اتفاق الطائف هل هناك امكان لمباحثات؟ قلت: لا استطيع التحدث بلسان غيري، ما استطيع ان أقوله هو نصيحة خلاصتها ان يعلن الجنرال انه يقبل باتفاق الطائف ثم يبدأ البحث. قال: اعتبرها كذلك. قلت: لا أستطيع ان اعتبرها كذلك، هذا الكلام صادر عنك ولا استطيع نقله بهذه الصورة. الاجواء ليست سهلة فهناك حرب تحرير ومواقف متشددة. تصعد الآن الى بعبدا وتبلغ الجنرال انني أريد سماع الكلام منه. وتفادياً للاحراج أقبل سماعه منك ولكن بعد ان اسمع انه قربك.

غادر الشخص الى بعبدا وطلبني في الهاتف وسمعت صوت الجنرال قربه أي ان الحوار يدور على مسمعه. قال الشخص: نحن موافقون. فقلت: أريد ان أكون واضحاً لئلا يحدث نقل غير مفيد للكلام. سأذهب أنا وسأعرض ما يلي: الجنرال لديه قبول بمبدأ الطائف ويمكن ان يكون لديه بعض المواضيع التي يريد التحاور في شأنها هل انتم على استعداد للحوار؟ واضافة الى ذلك فإن الجنرال يطلب لقاء مباشراً مع الرئيس الأسد لأنه يقول ان الضمانات التي يعطيها الرئيس الأسد لمخاوفه هي ضمانات يقبلها وانه حين يجلس مع الرئيس الأسد ستحل كل الاشكالات… واضح؟ فرد الشخص: واضح. قلت: سأكتب هذا الشيء، وأرسله اليك.

انا لم أتوجه الى دمشق. ارسلت فاكساً الى أسعد الشفتري الذي كان في زحلة وقلت له اذهب واطلع أبو جمال (نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام) على الفاكس وأسأله عن الجواب. فطلب أبو جمال ان اذهب انا فذهبت واخبرته بما جرى من دون زيادة أو نقصان وقلت له ربما كان هناك مستجدات وأنا مستعد للذهاب والاجتماع مع الجنرال لنتحدث مباشرة في الموضوع. قال: هل تعتقد بأن الأمر يؤدي الى نتيجة؟ فقلت: لست قادراً على التقويم. فقال: جرب.

طريق القصر

توجهت ليلاً من بوابة المتحف الى قصر بعبدا. سلمنا على الجنرال وتبادلنا القبلات. اخرجت ورقة من جيبي وقلت له هذا ما يفترض ان يكون طرحك والجواب عليه هو لا بأس، وليحدد الجنرال الضمانات التي يطلبها وشروطه. تطلع عون في الورقة وقال: لكننا لا نزال حيث كنا. فقلت: بالنسبة الى ماذا؟ قال: لا نزال نتحدث في الطائف. قلت: يفترض ان هذا العرض جاء من عندك وهو ما ابلغني اياه الشخص المقرب منك وهو وراء الباب فأما ان تناديه لنتأكد واما ان نعتبر الموضوع منتهياً وتصبح على خير. قال: اقعد، اعتبر اننا مشينا في الطائف فهل يبقى الياس الهراوي رئيساً للجمهورية؟ قلت: انا لا أستطيع ان اجيب عن هذه الأسئلة لكنني سأقول لك تقويمي للأمور. للطائف غطاء عربي ودولي. الياس الهراوي رئيس جمهورية معترف به دولياً ولا تستطيع ان تلغيه. انطلاقاً من هذه الواقعة تستطيع ان تكمل لكنك لا تستطيع الغاءها.

دخلنا في جدل طويل حول النقاط المقبولة وغير المقبولة. في النهاية قلت له: أريد ان أكون واضحاً، لا أنت ولا غيرك يستطيع التغيير اليوم في اتفاق الطائف. انه تركيبة استثمرت فيها اطراف كثيرة اقليمية ودولية ولا تستطيع انت سحب استثماراتهم لأنك لا تريد ان تمشي فيه. تستطيع ان تمشي وانت اليوم القوة الكبرى على الأرض على الأقل في الشرقية. تستطيع ان تقول أريد موقعاً في الدولة. قال: وسمير جعجع أنا لا أقبل به. قلت: ضع شرطاً انك لا تقبل بسمير. قال: ماذا يحدث؟ قلت: لا أعتقد بأن أحداً يهتم بسمير اهتماماً شديداً لا محلياً ولا اقليمياً. قال: أنا ماذا تطرحون علي؟ تطرحون ان أتنازل عن كل سلطاتي في مقابل سلطة جزئية بينما يحافظ غيري على كل سلطاته، لا يكون التفاوض هكذا. قلت: لا أستطيع اعطاءك ما تطلبه فالمسألة ليست معي. قال: نعم. قلت ماذا نفعل؟ انا يفترض ان أحمل جواباً. قال: دعني أفكر وسنعطيك الجواب. قلت: أنا لن أبلغ أحداً انني التقيتك في انتظار الجواب.

عدت ولم أبلغ أحداً. وبعد يومين حصل اتصال فتوجهت الى قصر بعبدا عبر ضهور الشوير. عاد البحث ليتكرر وظهرت مجدداً عقدة رئيس الجمهورية. دعا الى تشكيل حكومة وابرام اتفاق ومفاوضات حول طاولة. قلت له: الطاولة عقدت والاتفاق أبرم، انت تتعرض لحرب استنزاف يشنها سمير جعجع، وهناك نقمة لدى المحيطين بك بسبب حروب كانوا في غنى عنها، وعلى رغم ذلك لا تزال شخصاً يرغب الآخرون في التحاور معه لأنك تمثل الجيش ولأن العلاقة معك تسهل العملية برمتها. انا أنصحك بالاستفادة وبدخول العملية. انا أنصحك ضد مصلحتي السياسية. أنت لديك قاعدة شعبية كبيرة يمكن ان تطغى على كل السياسيين. قال: دعني أفكر وسأتصرف وفق قناعاتي. قلت: “الأمر متروك لك ولكن اذا أخذت الخيار الذي أخاف انا أن تتخذه أطلب منك مسألة: اذا قررت انت الانتحار لا تطلب من ضباطك وجنودك ان ينتحروا”. وبعد الوداع غادرت قصر بعبدا.

امر العمليات ضد عون

< وبعد ذلك؟

– استمرت الاتصالات لكنني لم أزر قصر بعبدا. وطلب مني لاحقاً ان أبلغ الجنرال عون ان العملية العسكرية التي تستهدف ازاحته جدية تماماً وان عليه ان يرسم خياراته في ضوء هذا الواقع. جاء الطلب من مسؤول سوري قال لي: أبلغ الجنرال عون حتى أمر العمليات. العملية العسكرية ضده صارت حتمية لظروف كثيرة وهذا أمر العمليات، حجم القوة التي ستدخل وفي أي ساعة. فلينظر الى الواقع ويقوم وضعه جيداً فيستنتج انه سيخسر. ابلغه هذه المعلومات.

بعثت بأمر العمليات الى الجنرال لكن ضابطاً لديه قال له ان المقصود هو التهويل. وفي خط موازٍ كانت هناك اتصالات مماثلة من أطراف آخرين مع العماد عون كلها تصب في نفس الاتجاه وكانت تنتظر مثلنا موقفاً ايجابياً منه يسمح ببدء الحل السلمي دون اللجوء إلى المدخل العسكري. (نهاية مقطع مقابلة الوزير الراحل إيلي حبيقة).

وذهب من ذهب إلى دمشق وصافح من صافح … واستشهد الشهداء … وها نحن في الذكرى 26 …
خليل حلو/فايسبوك/10 تشرين الأول/16/ وحدث 13 تشرين الأول 1990 وإستشهد العسكريون في ضهر الوحش وسوق الغرب وبسوس وغاليري سمعان ومنهم 16 أعدموا رمياً بالرصاص في ضهر الوحش برصاصة في العين اليمنى واليد اليمنى (العين التي سددت على العدو واليد التي أطلقت الرصاص …) كما تدل شهادات الوفاة … ولم يطالب أحد بتحويل هذه القضية، جريمة الحرب، إلى لاهاي … ومرت 16 عاماً … وذهب من ذهب إلى دمشق وصافح من صافح … واستشهد الشهداء … وها نحن في الذكرى 26 …