الياس الزغبي: السلّة القاتلة

112

السلّة القاتلة
الياس الزغبي/لبنان الآن/01 تشرين الأول

بات واضحاً جدّاً أنّ وصول أيّ “مرشّح قوي” إلى قصر بعبدا دونه شروط قاسية وشبكة شِراك عنكبوتيّة تكبّله إلى حدّ الاختناق. فماذا يبقى من “قوّته” أكثر من أيّ مرشّح آخر يوصف بالوسطي، أو الضعيف، أو غير صاحب حيثيّة تمثيليّة في بيئته؟ ولمن يرغب في استخلاص العبر من تجارب التاريخ السياسي – العسكري، المعاصر على الأقلّ، أن يتذكّر حالتين:

–  إيعاز نظام حافظ الأسد بإلغاء “القوّات اللبنانيّة” سنة 1990 كمعبر إلزامي إلى رئاسة لبنان.

–  ثمّ إيعاز وريثه بشّار الأسد بتكرار المحاولة سنة 2005 – 2006 عبر إطلاق يد سلاح “حزب الله” في حبر “ورقة التفاهم” الباقية حيّة برغم كلّ التطوّرات.

ولا يخفى مدى خطورة الثمنين اللذين دفعهما لبنان، ومسيحيّوه تحديداً، في التجربتين. فالأُولى غيّبتهم عن القرار وشرذمت حضورهم وزجّتهم في السجون والمنافي، والثانية أدخلت نصفهم في محور “الممانعة والمقاومة” – “الأقليّات”، وأخرجتهم من سياقهم التاريخي العربي الطبيعي.

واليوم، تظهر حالة ثالثة لا تقلّ خطورة عن سابقتيها، تتمثّل ب”السلّة” التي يضعها الرئيس نبيه برّي على طريق قصر بعبدا، كحاجز يجعل الراغب في الوصول مُنهَكاً ومحاصراً، ينتهي عهده حين يبدأ.

فهل يقبل “المسيحي القوي” بلوغ الكرسي بأيّ ثمن؟

لقد كان ممكناً القبول ب”السلّة” وأفخاخها وسلاطعينها، لو أنّ هناك مقابلاً كيانيّاً يشكّل جوهر الميثاق، وهو استرجاع لبنان من “المحور” إلى سياقه العربي والدولي، بما يستعيد الأساس الميثاقي لقيام لبنان، أي تلك المعادلة الحياديّة الشهيرة: لا للشرق ولا للغرب. فهنا تكمن حقيقة الميثاق، وليس فقط في التوازن بين المكوّنات وحقوقها.

الحقّ الأوّل والوجودي لأيّ مكوّن هو في قيام وطن سيّد ومستقلّ عن المَحاور، أي قائم على مبدأ الحياد إلاّ في قضايا حقوق الانسان والشعوب، كما في القضيّة الفلسطينيّة على سبيل المثال.

كيانيّة لبنان وميثاقيّته لا تقتصران على من يتولّى وزارارت الدفاع والداخليّة والخارجيّة والمال، وعلى سلال المنافع وتوزيع بلوكات النفط والغاز ومقاعد النيابة، بل التزام مقدّمة الدستور التي ترقى إلى المستوى التأسيسي الكياني الثابت والدائم.

ولا يكفي أن يقول أيّ “مرشّح قوي” للرئاسة إنّه غير معني، كرئيس عتيد، باتفاقات السياسيّين على محتويات “السلّة”، لأنّه سيكون حامي الدستور. كلام جيّد، لكنّه غير مقرون بالحسم الوطني الواضح: لبنان السيّد الحرّ المستقلّ.

أن ينأى أيّ مرشّح بنفسه عن سلّة الحصص (وهو أمر غير صادق وغير أكيد)، لا يعني أنّه يجب أن ينأى عن الحراسة الفعليّة للدستور. وهذه الحراسة تعني رفض أيّ شراكة في قرار الدولة سلماً أو حرباً، ورفض أيّ سلاح خارج السلاح الشرعي بإمرة الجيش وقوى الأمن. فمن هنا يبدأ عهده أو ينتهي.

لذلك، ستشكّل “السلّة” عقبة كأداء، ليس فقط كهدف أخير لمن يحملها، بل كغطاء لمصادرة قرار الدولة وسيادتها. هي سلّة في ظاهرها سياسيّة ومنافعيّة، وفي عمقها أنتي – سياديّة.

وحقيقة الأزمة المختبئة الآن وراء هذه “السلّة” هي إصرار الجهة التي تطرحها على جرّ لبنان إلى مزيد من الانزلاق في “المحور”، على قاعدة: نُعطيكم في السلطة ومغانمها، أعطونا في السيادة ومغارمها.

وليس في عناد برّي موقف منعزل يصوّره كمعرقل لانتخاب الرئيس، بل واجهة قرار من “حزب الله” نفسه بمرجعيّته الإيرانيّة. وهذا القرار تلخّصه كلمات ثلاث: لا رئاسة الآن.

حتّى لو كان هذا الرئيس قد سلّفه توقيعاً على التنازل عن السيادة منذ 10 سنوات و9 أشهر.

فهل يدرك حازمو الحقائب إلى القصر هذه الحقيقة؟