هافينغتون بوست: لماذا يرفض المسيحيون في مصر القانون الذي وضعته الكنائس المصرية الثلاث مع الحكومة وتحمست له

168

 لماذا يرفض المسيحيون القانون الذي وضعته الكنائس المصرية الثلاث مع الحكومة وتحمست له؟
هافينغتون بوست عربي رنا ممدوح – القاهرة/01 أيلول/16

160 عاماً هي عمر المطالبات المسيحية في مصر بتشريع واضح يحدد كيفية بناء الكنائس، و72 ساعة فقط هي وقت مناقشة القانون في مجلس النواب المصري، انتهت إلى الموافقة على قانون بناء وترميم الكنائس.
خلال مناقشة المجلس للقانون ردّد رئيس مجلس النواب علي عبدالعال عبارات مثل “لازم القانون يخرج كما اتفقت الحكومة والكنيسة عليه، أنا شاهد على موافقة الكنيسة على القانون والبابا تواضروس كلمني أول إمباح الساعة 12 بالليل واتفقنا على كل حرف بالقانون”.
ما لم يذكره رئيس البرلمان أن موافقة الكنيسة لا تعني أن جميع الأقباط راضون عن القانون، فهل كانت هناك مناقشات جادة داخل البرلمان حول مواد القانون؟ الإجابة الحاسمة: لا.
“هافينغتون بوست عربي” ترصد أهم التغييرات التي سيحملها القانون في واقع بناء الكنائس في مصر، ولماذا تتحمس له الكنائس المصرية الثلاث، الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية، بعد أن شاركت في صياغته، رغم الانتقادات الواسعة التي يلقاها القانون من المسيحيين.
لماذا اعترض النواب الأقباط عليه رغم موافقة الكنيسة؟
حسب عدد كبير من النواب الأقباط بالمجلس، فإن كل مقترحاتهم المتعلقة بالقانون لم يتم النظر إليها، فتحت شعار “الحكومة والكنيسة توافقتا على مواد القانون” تجاوز رئيس المجلس كافة اعتراضات النواب وخاصة الأقباط. وقال النائب عماد جاد إن “هناك مراوغة متعمدة من جانب الحكومة”.
النائب عماد جاد قال لـ”هافينغتون بوست عربي”، إن القانون به “الكثير من الفخاخ التي تمسّ أصل الحق”، وهو ما أيدته النائبة نادية هنري، عضوة تكتل 25/30 المعارض بالبرلمان، التي اعتبرت أن القانون يقنن التمييز ضد الأقباط، “والفزاعة التي استخدمتها الحكومة من عدم جواز تغيير أي مادة بالقانون بسبب موافقة الكنيسة عليها، مردود عليها بأن الكنيسة لا تمثل كل الأقباط، خاصة أن القانون طرح لأول مرة على الرأي العام وقت مناقشته في لجان البرلمان يوم الأحد الماضي، ولم يأخذ حظه من المناقشة سواء داخل أو خارج البرلمان”.
اتفق غالبية نواب البرلمان على حذف المادة الثانية ولكن لعدة اعتبارات تم تمرير القانون كما جاء من الحكومة، وتتحمل الكنيسة المسؤولية الأكبر في خروج القانون بهذا الشكل غير المرضي للكثيرين، وتواترت تصريحات الأنبا تواضروس المؤيدة للقانون.
كما اعتبر الأنبا بولا أسقف طنطا وممثل الكنيسة في صياغة مشروع القانون أن مسودة المشروع لاقت قبولاً كنسياً، حيث تم التوافق على كافة بنوده، الأمر الذي دفعه، وهو الأسقف المسؤول عن علاقات الدولة والكنيسة، لتوجيه الشكر للرئيس السيسى.
مواد الجدل: تعريف الكنيسة والسور وتفويض المحافظ
تحدد المادة الأولى المصطلحات المتعلقة بدور العبادة للمسيحيين ومشتملاتها، من بينها تعريف للكنيسة، بأنها “مبنى مستقل قد تعلوه قبة أو أكثر تمارس فيه الصلاة والشعائر الدينية للطوائف المسيحية على نحو منتظم ولها الشكل التقليدي، يتكون من طابق واحد أو أكثر وله سقف واحد أو أكثر، على أن يحاط بمبنى بسور إذا زادت مساحة الأرض على 300 متر”.
المادة اعترض عليها غالبية النواب الأقباط الـ39 بمجلس النواب، معتبرين أنه لا فائدة أمنية من إحاطة كنيسة مساحتها 300 متر بسور وطالبوا بزيادة تلك المساحة إلى 3000 متر بحد أدنى، ولكن تلك الاعتراضات لم تجد من يسمعها.
صياغة مطاطية أخرى، وردت بالمادة الثانية من القانون، التي أجمع النواب الأقباط مع نواب آخرين على ضرورة حذفها، تنص المادة على أن “يراعي أن تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها وملحق الكنيسة، متناسبة مع عدد وحاجة مواطني الطائفة المسيحية في المنطقة التي تقام بها، مع مراعاة معدلات النمو السكاني، ويجوز أن تضم الكنيسة أكثر من هيكل أو منبر وأكثر من صحن وقاعة معمودية ومنارة”.
ولم تحدد المادة هوية الجهة التي ستقوم بتحديد عدد وحاجة الأقباط خاصة في ظل عدم وجود إحصائيات رسمية في مصر بعدد الأقباط على مستوى الجمهورية وفي كل محافظة وقرية على حدة.
من أبرز المواد التي لاقت اعتراضات داخل البرلمان وقت مناقشة القانون المادة الخامسة التي تفرض على الممثل القانوني للجهة التي تريد بناء أو ترميم كنيسة في أي قرية أو مدينة، أن تتقدم للمحافظ بطلب يتم الموافقة عليه أو رفضه خلال 4 أشهر، في حالة الموافقة يكون على الممثل القانوني التقدم من جديد إلى المحليات لاستخراج الترخيص.
رفض النواب هذه المادة في البداية، وطالبوا بقصر تعامل الكنيسة مع المحافظ في الموافقة واستصدار التراخيص في خطوة واحدة توفيراً للوقت. ورغم أن الحكومة سبق ووافقت على مقترح النواب في جلسة الأثنين فإنها تراجعت عن قرارها في جلسة التصويت النهائية على القانون يوم الثلاثاء، وأصبح القرار بيد المحافظ، والتراخيص بيد المحليات.
الغريب هذه المرة أن موافقة الكنيسة لا تعني أن جميع الأقباط راضون عن القانون، فبمجرد موافقة المجلس على القانون ظهرت دعوات من ناشطين أقباط تنتقد القانون وتدعو إلى إسقاطه.
الكنائس راضية: البناء في 5 أشهر بدلاً من سنوات
“القانون جيد وقادر على حل كافة مشاكل الأقباط مع كنائسهم وإنهاء كافة الأزمات الطائفية..” هكذا دافع المستشار جميل حليم، ممثل الكنيسة الكاثوليكية داخل لجنة إعداد القانون، عن المنتج النهائي الذي تم الإتفاق عليه، مضيفاً في حديث لـ”هافينغتون بوست عربي” أن الكنائس الثلاث راضية تمام الرضا عن الصيغة التي وافق عليها البرلمان للقانون، “لأن بموجبه يكون للأقباط الحق في استصدار تراخيص لما يحتاجونه من كنائس ودور رعاية ملحقة بها، في موعد غايته 5 أشهر بدلا انتظار عشرات السنوات كما كان في السابق”.
والكنيسة وحدها إذاً، وفقاً لحليم، هي من تملك إحصائيات بعدد الأقباط سواء على مستوى الجمهورية أو في كل محافظة أو قرية، وبالتالي صياغة المادة الثانية من القانون محكمة ولا داعي للتشكيك.
فيما يتعلق بالمادة الخامسة فيرى نجيب أن الإضافة المحليات تضيف شهراً واحداً لإجراءات البناء، وهي مدة يسيرة.
والمسيحيون غاضبون: القانون يضع القرار في يد السلطة
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أصدرت الأربعاء تقريراً انتقدت فيه القانون واعتبرته، “إعادة إنتاج للأمر الواقع والخاضع لهيمنة نصوص قانونية بالية تنتمي للقرن التاسع عشر”، وأكدت المبادرة التي تخصص قسماً لحرية الدين والمعتقد، أن القانون بشكله الذي وافقه عليه مجلس النواب لن يحقق هدفه الأساسي بالقضاء على الجذور المسببة للتوترات الطائفية وإلغاء أحد أوجه التمييز القانوني ضد المسيحيين، وتابعت بأن القانون لم يكن هدفاً في ذاته لكن الهدف الأصلي هو ضمان ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين.
وشددت المبادرة على أن القانون مشوب بعوار دستوري، كونه يهدر الحقوق الأساسية التي أقرها الدستور، “ويصادر حريات وحقوق الأجيال القادمة لاسيما أن مثل هذا القانون سيستمر لفترة طويلة، ومن الصعوبة بمكان تغييره”.
ومنذ الإعلان الحكومي عن التوافق مع الكنيسة حول مواد القانون، وعرضه على مجلس النواب، دشنت عدد من الحملات لرفض القانون، تسهدف الحملات الحصول على توقيعات أكبر عدد من الأقباط لرفض القانون، من بينها “تنسيقية المواطنة مواطنون لا رعايا” التي نشطت خلال الأيام الماضية لجمع التوقيعات، مستهدفة المناطق ذات الأغلبية المسيحية. ووضعت الحملة في الورقة التي تجمع عليها التوقيعات، خمسة أسباب لرفض القانون، أهمها وضع عدد المسيحيين معياراً للموافقة على بناء الكنيسة، ومنح المحافظين وسلطات الأمن السيطرة على قرار البناء.
كيف تجهز الكنائس لتطبيق القانون؟
عقب الموافقة على القانون بدأت الكنائس الثلاث في مصر تستعد لإجراء حصر شامل لكافة المناطق التي تحتاج إلى بناء كنائس جديدة، لتكون جاهزة بعد توقيع الرئيس السيسي على القانون وبدء العمل بنصوصه، إلى جانب حصر كافة الكنائس والمباني الملحقة بها التي تحتاج إلى التقدم بطلبات إلى لجنة سيشكلها مجلس الوزراء بموجب المادة الثامنة من القانون لتوفيق أوضاعها بالتأكد من ملكيتها للكنيسة وسلامتها الإنشائية.