ميشال هليّل: المطلوب من عون وجعجع

229

المطلوب من عون وجعجع
ميشال هليّل/النهار/31 آب 2016

لعلها مفارقة، يختلف الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون، فيضعف المسيحيون، يتفقان فلا يتبدّل المشهد، يتصادمان فيسقط الضحايا، يتلاقيان فتسقط الرئاسة، يفترقان فيبدأ الصراع على السلطة، كما فهمنا… يلتقيان فيتحوّل ضد السلطة! ما المطلوب يُجيبان؟ الجميع مع المصالحة وحين تتم يتعرض لها الجميع! ما المطلوب، مزيد من الخلاف ومزيد من التقاتل والتباغض والانقسام؟ هل هذا ما يتمناه الحاقدون الخاسرون المتضررون من وحدة المسيحيين ومن اللقاء “التاريخي” في معراب؟

طبعاً لا، كل ما هو مطلوب، وضع مصلحة لبنان العليا فوق مصالحهما، هذا إذا سلّمنا أنّ مصلحة لبنان العليا ليست دائماً مطابقة لمصالحهما، ووضع مصير لبنان فوق مصيرهما، وشأن لبنان فوق شأنهما، والتوجّه فوراً من دون أي تباطؤ لانتخاب رئيس للجمهورية. ورقة نوايا، تنسيق، خطة طريق، لقاءات، وضع برامج وبنود، المطلوب بند واحد، هو انتخاب رئيس وتأمين النصاب للجلسات النيابية، لأنّ تأمين النصاب هو تأمين للبنان، ونظامه ودستوره وشعبه، وتعطيله هو تعطيل للبنان ونظامه ودستوره وشعبه، فضلاً عن الاهانات المتكررة والأضرار المتراكمة التي تلحق بجميع المواطنين، وخصوصاً المسيحيين. أجريتما مصالحة؟ عظيم. التقيتما هنيئاً وتعانقتما، لا بأس، لكن هذا غير كافٍ.

هناك شيء آخر أهم من أي مصالحة ولقاء وعناق، اسمه التضحية من أجل لبنان، لا لحزب ولا لجماعة ولا لتيار، ويأتي الجواب سريعاً، نحن الذين قاومنا وقاتلنا، وسُجنّا ونُفينا، وقدّمنا الدمّ والشهداء…

ويتناسون كما يتناسى الآخرون ان المدنيين أيضاً شهداء، إن لم يكونوا معظم الشهداء، وإنّ لبنانهم هو الحقيقي لأنّه فوق الطوائف والأحزاب والمناطق، وكي يبقى فوق مرفوعاً ومترفعاً يجب ألاّ يُسقطه السياسيون وهم يعملون على “إنقاذه”. تريدون إنقاذ لبنان دعوه يحيا، تريدون حماية المؤسسات اتركوها تعمل، لكن ليس وفق حساباتكم، فمحبّة لبنان تكون دون حساب وفوق كل حساب، وتتخطّى كل حساب.

الوطن الضعيف حساس جداً، ورقيق جداً، وناعم جداً، وأي نسمة تهبّ عليه يكون الحب فيها ناقصاً تقتله، وهو اليوم يتعرّض للقتل، يقتل من خلال انعاشه، ولن تعود اليه الحياة إلّا اذا عادت الى مؤسساته، لبنان يقتله الأشخاص والقادة والأبطال، وتحييه المؤسسات، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية. والثنائي المسيحي الذي يظن إنه يملك الحلّ، لا يقدّم إلاّ المزيد من العقد، التي تبدأ صغيرة ثم تكبر، ومع الوقت تصير أكبر منه، وقد صارت أكبر منه، حتى يكاد يستحيل تفكيكها، كما يحصل مع حقل ألغام قديم منسيّ.

والرئاسة الآن قديمة ومنسيّة، يتلهّون عنها في نشاطات ومهرجانات ولقاءات، وهي تنتهي وتزول ومعها لبنان، والذي يريد للبنان أن يحيا عليه أن يُبادر الى إعادة إحياء الرئاسة، ومن لا يريد يبقى في مقره منتظراً أن يصله خبر ما، ولن تصله إلاّ أخبار النعي والوفيات، وصولاً الى وفاته بالذات… سياسياً.

لعلها ثابتة مقولة العميد ريمون اده: “بعض الزعماء الموارنة يُسبّبون للبنان الخراب، والبعض الآخر يتفرّج”.