علي الحسيني: الأطفال ينتصرون على «الأسد».. بالدم والصورة

100

 الأطفال ينتصرون على «الأسد».. بالدم والصورة 
علي الحسيني/المستقبل/19 آب/16

لم يبكِ الطفل عمران دقنيش إبن السنوات الخمس، كسائر الأطفال، عندما يرون الدماء تُغطي وجوههم جرّاء إصابتهم بجروح، بل راح يتأمل راحة كفّه الصغيرة التي غطتها الدماء، بعدما ظنّ بداية الأمر أنها آثار غبار خلّفتها طائرات النظام السوري بعد الغارة التي شنّتها على أحد المباني في مدينة «حلب»، بل راحت عيناه تلاحقان الكاميرا التي كانت تُلاحقه وهو يجلس داخل سيارة الإسعاف قبل أن تقله إلى أحد المشافي القريبة، لكن من دون أن يُلاحظ وجود والديه أو أقارب له قربه. هو مقطع فيديو لا تتجاوز مدته الدقيقة، لكنها كانت كافية لكي تُعبّر عن وجع مُستمر يعيشه الشعب السوري وتحديداً الأطفال، منذ عمر الحرب في سوريا. وقبل أن تُدير الكاميرا عدستها نحو أطفال آخرين أجلسهم رجال الإنقاذ إلى جانبه، نظر عمران الى الكاميرا نظرة لوم ثم قام بمسح يديه الممزوجتين بالدماء والغبار، بالمقعد الذي يجلس عليه ظنّاً منه ومن خلال براءته التي تسكن وجهه المُلطّخ بالدماء، أنه ربما ارتكب «غلطة« تفوق الإجرام الذي مارسه النظام السوري بحقه وبحق الإنسانية. أمس، أضاع عمران لعبته، تماماً كما بالنسبة إلى الأطفال الذين يسكنون المبنى نفسه مع عائلاتهم، لكنه لم يسأل عنها ولا عن أي شخص آخر. وفي المقلب الآخر، بدت صورة إجرام النظام الذي يتحكّم بمصير حياة هذا الطفل الذي اختصرت مشهديته، صورة أطفال سوريا، واضحة للعالم بأسره، نظام لم يتوان مرّة عن التعبير عن إجرامه بأبشع الصور والاعتراف بقتله الآمنين في منازلهم في «الغوطة» و»دوما» و»حلب» و»إدلب»، والباحثين عن لقمة عيشهم في أماكن عملهم ورزقهم وخصوصاً أمام الأفران. بالأمس انتصر الطفل عمران للملاك إيلان الكردي، الطفل الذي ابتلعه البحر وقذفه على الشواطئ التركية بعد هروب عائلته من بطش جزار سوريا.

الحليف الأبرز للنظام السوري، أي «حزب الله«، لم يخرج إعلامه بالأمس ليتحدث عن مجزرة هزّت الرأي العام، وهو بكل تأكيد لن يفعل. هنا على الشاشة «الصفراء»، تُصبح الجرائم والمجازر خاضعة للتقويلات والتحليلات. حتّى الإدانة تغيب في مثل هذه الأوقات. والأنكى من عدم الاستنكار والإدانة، يكون عادة بتوجيه اتهامات للمعارضة السورية بوقوفها وراء المجازر رغم التقارير الدولية والإعلامية التي تؤكد بالصوت والصورة مسؤولية حليفه عن أكثر من تسعين في المئة من المجازر التي ارتكبت منذ بداية الحرب السورية. لكن هذا كلّه يُقابله الحزب بردود فعل لا تتعدى مقولة «ليس هناك حرب نظيفة«.

جرائم النظام السوري وغضّ طرف «حزب الله» عنها، لم تقتصر على عمليات الإبادة التي يشنها الطيران أو قصف المدنيين بقنابل تحمل أنواعاً من المواد القاتلة، بل تصل إلى حد قتل مساجين تحت التعذيب على الرغم من الدعوات التي يُطلقها نظام الأسد، بدعوته المسلحين إلى تسليم أنفسهم وأسلحتهم، مع وعود بمعاملتهم بشكل لائق وإخضاعهم لمحاكمات عادلة. وتأكيداً على إجرامه هذا، كشفت منظمة العفو الدولية «أمنيستي» في تقرير لها أمس، أن «ثمانية عشر ألف شخص تقريباً، قضوا تحت التعذيب في سجون النظام منذ العام 2011 وحتى العام 2015، إثر تعرضهم للضرب المبرح والاغتصاب في السجن«، مؤكدة أنها «وثّقت تلك الأرقام من خلال مقابلات مع خمسة وستين شخصاً من الناجين من التعذيب، إذ قدموا وصفاً للاعتداء المروّع في السجون ومراكز الاعتقال التابعة للنظام«. كل هذا و»حزب الله» يُمارس صمته كالعادة، ربما لدواعٍ تتطلّب منه هذا السكوت، لكن في مكان ما، فإن هذا الصمت يتحوّل إلى شراكة فعليّة في القتل والتنكيل وهو أمر لا يتطابق مع الحملات التي أدارها بعد مجزرة «قانا« خلال العدوان الإسرائيلي في العام 1996، فيومها رفع شعارات «انتصار الدم على السيف« وسط تأييد عربي ودولي واسع أدى لاحقاً إلى إسقاط الحكومة الإسرائيلية. بينما يقف اليوم عاجزاً حتى عن الاستنكار، حتى يبدو الأمر وكأن إدانة المجازر بالنسبة إلى الحزب، تخضع لشروط أهمها أن لا يكون القاتل حليفاً. اليوم وبفعل مشاركته نظام القتل في حربه ضد المدنيين، تحوّل «حزب الله« إلى ساكت عن الحق، فعندما يعجز عن إحراز أي تقدم في «حلب» وغيرها أو إخضاعه أهالي «مضايا» لجبروته الظالم، يلجأ إلى تدمير الأولى فوق رؤوس أهاليها وإلى إحراق الثانية ومحاصرتها. وهذا النوع من التعاطي الذي يُمارسه الحزب والذي يصل إلى درجة الاستخفاف بدماء الأبرياء والتغاضي عن جرائم حلفائه، سيجعل أطفال سوريا يتساءلون يوماً ما، ماذا تبقّى في وجدان «حزب الله» وجمهوره، على أراضٍ حوّلت «مقاومته« زرعها وبساتينها إلى مقابر جماعية لا تنبت أرضها سوى روائح البارود والموت؟.

أمس، ومن خلال مشهد الطفل عمران الذي بثه «مركز حلب الإعلامي« على موقع «يوتيوب»، استعاد العالم مشهد جثث الأطفال والنساء الممددة على الأرض بعد تنشقهم غاز «السارين« من جراء قصف نظام بشار السفّاح الغوطة الشرقية بصاروخين فريدين من نوعهما يحملان «هدايا« الموت الخانق في داخلهما لمدنيين عُزّل لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في بلد باعه حُكّامه بأبخس الأثمان لقاء ضمان انتقال السلطة فيه من والد قاتل مأجور إلى ولد مجرم مأمور.