سابين عويس: كيف تدرّجت القرارات العربية ضد “حزب الله” ولبنان وهل بقي لها وزن بعد فشل العرب في قمة نواكشوط؟

258

كيف تدرّجت القرارات العربية ضد “حزب الله” ولبنان وهل بقي لها وزن بعد فشل العرب في قمة نواكشوط؟
سابين عويس/النهار/28 تموز 2016

ليس واضحاً بعد ما إذا كان القادة العرب الذين غابوا عن قمة نواكشوط لاسباب تتعلق بسياساتهم حيال القضايا العربية المطروحة، فعلوا ذلك انطلاقا من حساباتهم السياسية وقراراتهم بعدم الخروج عن اصطفافاتهم أو عن تلك الحسابات التي رسموا من خلالها استراتيجياتهم، أو نتيجة إدراكهم بعدم جدوى الاجتماعات العربية في التوصل الى رسم طريق للحلول المطلوبة لتلك القضايا. لكن أيا تكن الاسباب وراء ذلك الغياب المدوي، فهو حتما لن يصب في مصلحة القضايا العربية، او الحلم العربي بتوحيد الرؤية والموقف، بل هو على العكس أظهر إهمالا وانتقاصا لحس المسؤولية ولدور الجامعة العربية في لم شمل العرب وطرح قضاياهم، لا سيما في الظروف الصعبة التي تتطلب ذلك، وهي اليوم أكثر حاجة وإلحاحا من أي وقت مضى بما ان المنطقة العربية تغلي على صفيح متفجر يهدد بتفجيرها وإعادة رسمها وفقاً لجغرافيا وديموغرافيا جديدة للأيدي العربية مساهمة غير قليلة فيها.

وسط هذا المشهد العربي المفكك، ذهب لبنان الى نواكشوط حاملا أكثر من خوف وهاجس. هاجسه الأول أن يتفهم العرب خصوصية لبنان مع “حزب الله” كمكون أساسي في البلاد ومشارك في السلطة، الأمر الذي يدفعه إلى التزام موقف المتحفظ عن كل بند يصدر في شأن وصف الحزب بالارهابي. هذا ما حصل في السابق وما حصل أخيرا في نواكشوط. فالتزم الاجماع العربي في ادانة تدخل ايران في الدول العربية، وتحفظ عن الفقرة الواردة في هذا البند والتي تصف الحزب بالارهابي. هاجس لبنان الثاني يتصل بموقعه ضمن الاسرة العربية. فبعدما كان البلد المدلل لدى العرب، المتربع دائما على عرش قلوبهم، والحائز دوما تعاطفهم واحتضانهم ودعمهم بما فيه المالي طبعاً، بات يبحث اليوم عن ذلك الحضن وذلك الدعم اللذين خسرهما نتيجة سياساته الخاطئة والمرتبكة بفعل تجاذبه بين الاسرة العربية بقيادة المملكة العربية السعودية وايران.

ولم ينجح حتى الآن في خرق الحظر أو كسر الجليد الذي يتم التعامل به عربيا مع المسائل الداخلية التي للعرب قرار فيها، كانتخاب رئيس جمهورية ودعم الاستقرار الاقتصادي والامني. وهذا الهاجس تحول أخيرا واقعا، إذ ورد في القرارات الرسمية للقمة بند يتعلق بالتضامن مع لبنان ودعمه. وللمرة الاولى في تاريخ القمم العربية لا يقابل هذا البند بالإجماع العربي والخليجي تحديدا، بل تعرض للخرق، إذ تحفظت مملكة البحرين عن هذا البند، فيما نأت المملكة العربية السعودية والامارات وقطر عن البند، مع ميل سعودي الى تبني موقف البحرين. وكان لافتا تأييد كل من سلطنة عمان والكويت للبند، بما يشي بكسر للإجماع الخليجي على رفض قرار التضامن مع لبنان. لكن المفارقة أن هذين التحفظ والنأي قوبلا في مكان آخر بالتأييد. إذ ورد تحت قرار القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي بند عن التضامن مع لبنان ودعمه، وهو بند دائم يدرج ضمن جدول أعمال القمم، وقد لاقى هذا البند التأييد. ولدى سؤال ممثل البحرين عن التناقض في موقف بلاده بين التحفظ في مكان والتأييد في مكان آخر، أجاب بأن البند هنا يتعلق بالتضامن مع لبنان ضد العدو الاسرائيلي، وان البحرين تتحفظ عن “حزب الله” وليس عن كل لبنان. بدا واضحا في قمة نواكشوط كيف تدرجت القرارات العربية ضد لبنان، وكيف نجحت الديبلوماسية اللبنانية في تخفيف حدة الضغط العربي.

فمنذ الموقف الشهير للبنان في كانون الثاني الماضي في القاهرة النأي عن إدانة الاعتداء على السفارة الايرانية في طهران، بدأ الموقف الخليجي بقيادة السعودية يأخذ منحى تصعيديا. بدأ الامر مع القرار العربي إدانة التفجير، ثم تحول الى قرار يطلب ادانة تدخل ايران في الدول العربية، وصولا الى النأي عن التضامن مع لبنان، رغم التزام لبنان كل التعديلات التي طلبها المندوب السعودي في آذار الماضي في هذا البند. لكن منذ آذار حين بدأت الاجتماعات التحضيرية لقمة نواكشوط، وصولا الى موعد القمة، لمس الوفد اللبناني ليونة يمكن التأسيس عليها ساهمت في جزء منها دولة الكويت. وظهر رأس الخيط بالحياد الايجابي العماني والدعم الكويتي والموقف البحريني الذي يميز بين الحكومة و”حزب الله”، وبين المرونة السعودية بعدم إغلاق باب المساعدات العسكرية للجيش. في الخلاصة، أظهر فشل العرب في قمة نواكشوط ان ليس على لبنان أن يخشى قرارات الجامعة العربية بعد الآن، بعدما فقد اعضاؤها، بقرارهم، بعد هذه القمة الكثير من قوة الضغط التي كانت تشكلها قراراتهم!