هنري زغيب: قبل أَن نَشهَدَ قصر بعبدا متحفًا

200

قبل أَن نَشهَدَ قصر بعبدا متحفًا
هنري زغيب/النهار/16 تموز 2016

يومٌ واحد ورئيسان. و26 شهراً ولا رئيس. يومٌ واحد وذكرى رئيسَين. و26 شهراً ولا يزال لبنان ينتظر رئيسًا قبل أَن تصبح الرئاسةُ ذكرى ونبكيها على الأَطلال. في يومٍ واحد: فؤاد شهاب والياس هراوي. وفي كل يومٍ لا رئيس بَـعدُ في قصر بعبدا. في اليوم ذاته (11 تـموز) استذكرْنا الرئيس فؤاد شهاب في جونيه تَـحوَّل بيته متحفًا، واستذكرنا الرئيس الياس هراوي في يوم جائزته السنوية العاشرة. رئيس أَسس للجمهورية الحديثة دولةً عصرية، ورئيس نقل لبنان من دويلات الحرب إِلى دولة السلام، والخوف أَن تعود الدويلات وأَن نشهد قصر بعبدا متحفًا للاستذكار. 26 شهراً و”سكّان” ساحة النجمة آخذون وقتَهم “الثمين” في عمليات الــﭙــوانتاج، ومَن ينسحب لِـمَن، ومَن يُـرشِّح مَن، ومَن يتصلَّب في موقفه أَكثر فيكون هو أَو لن يكون أَحد، وتقديرات ترجيحية تكهُّنية بانتهاء الفراغ الرئاسي بعد أُسبوع، بعد شهر، بعد رمضان، مع العيد، في آب، خلال الصيف، ربما في تشرين،… ومن موسمٍ إِلى موسم تَعبُرُ الرئاسةُ اللبنانية من فراغٍ إِلى فراغ، أُحجيةً مزاجيةً بين أَن تكون من صُنع لبنان أَو بكبسة زر على ريموت كونترول من الخارج. 26 شهراً ونحن نَشْهد الدولة تتفكّك، تتحلّل، تتحتّت، تنهار، تتهاوَى، تترنَّح، تَغرق في الفساد السافر، وكلّ هذا بشهادة رئيس حكومتها الصابر على همومٍ كابوسية في حجم جبال لبنان.

26 شهراً والعرقلات الداخلية تعكس العرقلات الخارجية. مع أَن فؤاد شهاب لم يأْتِ إِلى الحكْم في ظروف داخلية وإِقليمية عَسَلية، والياس هراوي لم يتسلَّم الجمهورية على بساطٍ من ريش نعام محلي أَو إِقليمي. فؤاد شهاب عَرف كيف يتعامل مع هالة جمال عبدالناصر ولم يَـتقدّم خَطوةً واحدةً داخل الأَرض السورية فاجتمع به على الحدود داخل خيمةٍ نصفُها في لبنان والآخَر في سوريا، وحفِظَ كرامة لبنان. والياس هراوي عرف كيف يتعامل مع حافظ الأَسد وحفِظَ لبنان من ظروف ميدانية قاسية كانت تتحكّم به على الأَرض. اليوم لا يعرف اللبنانيون كيف سيتعامل الرئيس الآتي حين يأْتي: مع الظروف المحلية المتشابكة؟ أَم مع الظروف الإِقليمية المتشائكة؟ يومٌ واحد ورئيسان. و26 شهراً ولا رئيس. اجتماعان ناجحان لاستذْكار رئيسَين غائبَين، و40 اجتماعًا فاشلًا في “ساحة النجمة” لاستمطار رئيسٍ ما زالت تتجاذبُ مقعدَه القوى السياسيةُ، ولا أُمَّ لهذا الصبي تصرخ في وجوههم: “لا تقتلوه. إِنه ولدي الوحيد”. سيَذكُر التاريخ غدًا أَنّ لبنان عرف مجلساً نيابيّاً عقيماً عجِزَ طيلة 26 شهراً و42 جلسة نيابية عن انتخاب رئيس للبنان، ولم يخجل أَعضاؤُه من الادّعاء الأَجوف بأَنهم يُـمثِّلون إِرادةَ شعبه.