نوفل ضو: لكي لا يتكرّر تطبيق «النسخة السورية» من إتفاق الطائف

154

لكي لا يتكرّر تطبيق «النسخة السورية» من إتفاق «الطائف»
نوفل ضو/جريدة الجمهورية/السبت 16 تموز 2016

حسناً فعل رئيس مجلس النواب نبيه برّي، شكلاً ومن حيث المبدأ، في الإعلان عن التمسّك باتفاق «الطائف» وعن رفض أيّ مساس به. فمثلُ هذا الموقف يُعتبر أفضلَ تمهيد للجولة الماراتونية المقبلة للحوار وتحضيراً جيّداً للظروف، ورسماً للأطر الوطنية التي من شأنها إنجاحه.

غير أنّ إعلان برّي يبقى في حاجة الى قبول فعلي وعملي من جانب «حزب الله» واستطراداً «التيار الوطني الحر»، على اعتبار أنّ أياً من الفرقاء اللبنانيين الآخرين المشاركين في الحوار، وخصوصاً تيار «المستقبل» وحزب الكتائب والحزب التقدمي الإشتراكي والمستقلين المسيحيين والمسلمين، وغير المشاركين كـ«القوات اللبنانية»، ليس في موقع المخالفة العملية لهذا الاتفاق على أرض الواقع. فترجمة التمسّك باتفاق «الطائف» تكون بتبنّي كلّ ما ورد فيه من دون استثناء، فيبادر المتحاورون وكتلُهم النيابية بالتوجّه فوراً بعد جلسة سريعة يجددون في خلالها تبنّي النص الحرفي لاتّفاق «الطائف» إلى:

-1 إنتخاب رئيس للجمهورية يكون على صورة الرئيس رينيه معوّض.

-2 تشكيل حكومة وفاق وطني يشارك فيها الجميع.

-3 بسط سلطة الدولة اللبنانية على أراضيها كافة بقواها الشرعية حصراً من خلال نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية خلال فترة زمنية أقصاها ستة أشهر.

-4 وضع قانون للانتخاب على أساس المحافظة بعد إعادة النظر في التقسيمات الإدارية.

-5 في الشق السيادي، نصَّ اتّفاق «الطائف» على إعادة انتشار الجيش السوري حتى حدود المديرج عين دارة على تخوم البقاع خلال سنتين يُصار بعدها إلى اتّفاق بين الحكومتين اللبنانية والسورية على الانسحاب الشامل إلى ما وراء الحدود.

إنّ البنود المذكورة أعلاه نصَّ عليها اتفاق «الطائف» حرفياً وبالتسلسُل ذاته. وبالتالي فإنّ التنفيذ العملي يَستدعي:

-1 أولوية انتخاب رئيس للجمهورية غير العماد ميشال عون الذي سبقَ له أن عارضَ اتّفاق «الطائف» والذي يَدعو إلى تعديلات تمسّ صلاحيات بعض المواقع في السلطة، وهو ما مِن شأنه فتحُ الأبواب على مطالبات ومطالبات مضادة بتعديلات تُفرغ اتّفاق «الطائف» من مضمونه وتؤدّي عملياً أغراضَ المؤتمر التأسيسي الذي كان الرئيس نبيه برّي واضحاً في رفضه.

-2 تشكيل حكومة وفاق وطني بعيداً عن الثلث المعطّل الذي يناقض الآليّة المنصوص عنها لتشكيل الحكومات في اتّفاق «الطائف»، والذي كاد يتحوّل منذ سنوات إلى عرف يعطّل الدستور اللبناني والحياة السياسية ومؤسّسات الحكم.

-3 إطلاق يدِ الجيش اللبناني من خلال قرار سياسي تتّخذه حكومة الوفاق الوطني التي يشارك فيها الجميع بحلّ كلّ الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم سلاحِها إلى الدولة اللبنانية خلال مهلة ستّة أشهر من تاريخ إبرام الاتّفاق وفقاً لما سبقَ لاتفاق «الطائف» أن نصَّ عليه صراحة.

-4 وضع قانون للانتخاب على قاعدة إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية ورسمٍ جديد للمحافظات، بحيث أنّ اتّفاق «الطائف» نصَّ صراحةً على الربط بين التقسيمات الإدارية الجديدة والدائرة الانتخابية.

وبالتالي عدم جواز تجاهل إقرار ترسيم محافظات جديدة، واستطراداً عدم جواز الفصل والتمييز بين المحافظات الإدارية والدوائر الانتخابية، بحيث تتوقّف مسرحية تقسيم بعض المحافظات إلى دوائر انتخابية ودمج أخرى في دائرة واحدة، تبعاً للمصلحة الانتخابية لبعض القوى الفاعلة.

أمّا موضوع النظام الانتخابي بين النسبي أو الأكثري أو المختلط أو حتى نظام صوت واحد لكلّ ناخب، فلم يشِر إليه اتفاق «الطائف»، وهو يبقى النقطة الوحيدة التي تحتاج إلى اتّفاق سياسي بين اللبنانيين بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني.

أمّا التذرّع بـ«مقاومة إسرائيل» لاستثناء «حزب الله» من تسليم سلاحه فمسألة لا علاقة لها باتّفاق «الطائف» لا مِن قريب ولا من بعيد. فالاتفاق لم يأتِ على ذِكر «المقاومة» ولم تَرد كلمة «مقاومة» في أيّ مِن نصوصه.

فالفقرة الثالثة من الاتّفاق تنصّ على ما حرفيته:

«إستعادة سلطة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً تتطلّب الآتي:

أ- العمل على تنفيذ القرار 425 وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بإزالة الاحتلال الإسرائيلي إزالةً شاملة.

ب – التمسّك باتفاقية الهدنة الموقّعة في 23 آذار 1949.

ج – إتّخاذ الإجراءات اللازمة كافّة لتحرير كلّ الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على كلّ أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً، والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني، لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود.

أمّا التحجّج بما ورد في الفقرة «ج» أعلاه من «اتّخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير كلّ الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي»، لاعتبار أنّ مقاومة «حزب الله» هي جزء من هذه الإجراءات فتُسقطه العبارة اللاحقة تماماً التي تنصّ على «بسط سيادة الدولة على كلّ أراضيها». وبالتالي فإنّ إجراءات تحرير لبنان منوطة حصراً بالدولة اللبنانية وليس بأيّ جهة حزبية أو عسكرية أخرى.

مِن هنا، إنّ استثناءَ سلاح «حزب الله» من متطلبات تنفيذ اتّفاق «الطائف» استعادةٌ لتطبيق «النسخة السورية» من الاتفاق عندما استُثنِي بند إعادة انتشار الجيش السوري ومن ثمّ انسحابه الكامل من لبنان من التنفيذ على مدى خمس عشرة سنة بين 1990 و2005.

واستبدال وصاية السلاح السوري بوصاية سلاح «حزب الله» يَجعل من حارة حريك بديلاً عن عنجر في التحكّم بمسار المؤسسات الدستورية وقراراتها، ويَدفع بقِسم من اللبنانيين إلى مرحلة جديدة من الإحباط ويتسبّب في جوّ من الاحتقان والشعور بالقهر ويؤسّس لانفجار يدفع ثمنَه «حزب الله» كما سبقَ للنظام السوري أن دفعَ ثمنَه في العام 2005، عدا عن أنّه يوصِل سياسياً إلى النتائج المطلوبة من المؤتمر التأسيسي في تغيير آلية عمل النظام والمؤسسات بقوّة الأمر الواقع في ظلّ استحالة الوصول إليها بقوّة الدستور والقانون.

* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»